الموقف الأيديولوجي ﻷوجست كونت في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الموقف الأيديولوجي ﻷوجست كونت في علم الاجتماع:

إن كل من تعرض من المؤلفين في النظرية الاجتماعية ﻷوجست كونت لم يستطع، حتى ولو أن أراد أن يتجنب الإشارة لموقف كونت الأيديولوجي، ذلك أنه كان من الصراحة والوضوح بحيث لم تخل أي من كتاباته من دليل عليه.

إن اهتمام كونت بالنظرية الاجتماعية، بل أن اختراعه اسم علم الاجتماع قد نبع من دوافع سياسية أكثر منها علمية أو فكرية بحتة، وفي ذلك يقول نيقولا تيماشيف، لقد روع كونت باﻵثار الهدامة للثورة الفرنسية، شأنه في ذلك شأن كثير من فلاسفة هذه المرحلة، وبخاصة الفلاسفة الاجتماعيين أمثال بونال وجوزيف دي ميستر، كما روعته الفوضى التي ترتبت على تفويض الجماعات الاجتماعية الوسيطة بين الأسرة والدولة بالقوة.

كان علم الاجتماع بالنسبة لكونت هو الركيزة التي يجب تطويرها والاعتماد عليها ﻹصلاح المجتمع، ففي أي اتجاه كان كونت يريد الإصلاح وما دور علم الاجتماع في ذلك؟ يمكننا أن نستدل على نوايا كونت من خطاب كتبه إلى نيقولا قيصر روسيا قال فيه، إن الثورة الجماعية للمفكرين المحدثين ضد كل أشكال السلطة السابقة قد خلقت بالتدريج لدى كل فرد ميلاً معتاداً لعصيان العقل وللقلب مما يؤدي إلى القضاء على كل نظام إنساني، وهكذا فإن الغرب بأسره يتجه نحو الشيوعية الهمجية التي تسحق فيها الحرية الحقيقية تحت وطأة المساواة المهنية والمخزية.

وقد أرفق كونت بهذا الخطاب نسخة من كتابه الفلسفة الوضعية وأيد في خطابه ديكتاتورية الحاكم وعبر عن اقتناعه بأن أسلوب الحكم الديكتاتوري هو المناسب للقيام بإصلاحيات تنقل روسيا إلى المجتمع الوضعي.

ولم تكن الشيوعية التي يخشاها كونت هي مجرد النظام الاجتماعي الذي تنادي به الماركسية أو الفكر الاشتراكي، ولكن كل شيء وكل فكر تحرري بورجوازي، فلسفة التنوير اعتبرت شيوعية ونظام الإصلاح المالي البرجوازي اعتبر شيوعياً ودفاع الشخص عن نفسه مستخدماً عصا إذا هوجم ببندقية نظر إليه على أنه من شرور الشيوعية، والنظام البرلماني الديمقراطي نظر إليه على أنه مساواة مهنية ومخزية.

لقد عارض كونت كما يقرر مؤرخ علم الاجتماع الأمريكي برنارد سترن النظام البرلماني وهلل للانقلاب الذي قاده الديكتاتور لويس بونابارت، وقد أعلن كونت سعادته بالنظام الديكتاتوري بقوله، أن جمهوريتنا قد انتقلت من المرحلة البرلمانية التي لا تناسب إلا إنجلترا في المرحلة الانتقالية التي تمر بها، إلى المرحلة الديكتاتورية، وهي التي تمثل النظام الأوحد المناسب لفرنسا مع العلم بأنه نظام مناسب أيضاً لغيرها من البلدان الكاثوليكية كما نرى في إسبانيا لقد تخيلنا عن أوهام الدستورية وليس هناك من سبيل آخر للقضاء على الثروة سوى إقامة تحالف فعال بين النظام والتقدم.

ولم يكن كونت معادياً للاشتراكية والديمقراطية فحسب ولكنه كان أيضاً شديد العداء ﻷبسط حقوق العمال في إقامة روابط أو نقابات أو منظمات سياسية تدافع عن حقوقهم وتحقق العدالة الاجتماعية، ودعا إلى إعادة البناء الروحي للطبقة العاملة، حتى يمكن إعادة بناء المجتمع، ولذلك رأى أن التربية هي الوسيلة الأساسية للإصلاح الاجتماعي.

لقد أيد كونت إقامة النظم الدكتاتورية وقمع أي حركات راديكالية ولكنه قرر في نفس الوقت أن التربية يجب أن تكون الوسيلة الأساسية ﻹصلاح المجتمع، فالاستمالة في رأيه خير من العنف ﻷنه كان يدرك أن العنف من جانب السلطة سوف يولد عنفاً لدى الجماهير وفي ذلك يقول كونت، إن الهدف الجوهري للسياسة العملية يجب أن يكون تجنب الثورات العنيفة التي تنشأ عن العقبات التي توجد في طريق تقدم الحضارة واختزال هذه الثورات إلى مجرد حركات أخلاقية، ورسم كونت الطريق لتجنّب الثورات العنيفة بقوله، يجب أن نعرف بأكبر درجة من الدقة الاتجاه الفعلي للحضارة حتى نستطيع أن نجعل سوكنا السياسي متفقاً معه وحتى يمكن تجنب الصدام مع الطبقات الحاكمة ومنع أي خطر يمكن أن يلحق بنظام الملكية الخاصة.

ومن الثابت تماماً أن أفكار كونت النظرية التي حاول أن يصبغها بالصبغة العلمية لم تنفصل أبداً عن أفكاره العلمية أو الإجراءات التي كان يريد أن تتبع في المجتمع لقد كانت النظرية ترتبط عنده دائماً أبداً بالفعل أو بإجراءات اجتماعية.

ومع هذا فإن علم الاجتماع عند أوجست كونت أو ما أسماه علم الاجتماع الخالص، هو الذي أصبح علم الاجتماع الأكاديمي أو علم الاجتماع السائد في الجامعات في أوروبا الغربية، والذي وصل إلى قمة تطوره التنظيمي في الولايات المتحدة الأمريكية.


شارك المقالة: