الموقف الأيديولوجي لفيلفريدو باريتو في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الموقف الأيديولوجي لفيلفريدو باريتو في علم الاجتماع:

إذا كان ماكس فيبر قد لقب بكارل ماركس البرجوازية، فإن فلفريدو باريتو قد لقب بكارل ماركس الفاشية، وقد اشترك كل من فيبر وباريتو في محاول هدم الأفكار الاشتراكية الماركسية، وتقديم بديل عنها وتصدى كل منهما الدفاع عن النظام الرأسمالي وعن الطبقة الرأسمالية الحاكمة.

ومثلما كان الالتزام الأيديولوجي لماكس فيبر وغيره من رواد علم الاجتماع الغربي واضحاً منذ البداية محدداً لنظرياتهم الاجتماعية، فإن التزام باريتو الأيديولوجي كان أيضاً واضحاً، حتى قبل أن يكتب كلمة في علم الاجتماع، وعندما كان يعمل مديراً لشركة السكك الحديدية بإيطاليا، ومهندساً بمناجم استخراج الحديد.

فقد كان مركز باريتو عضواً بارزاً في المنتديات البرجوازية ومخالطاً دائماً للطبقة الارستقراطية العالية، ورفض بشدة الأفكار الديمقراطية والجمهورية وعارض أي تقييد للتجارة أو الاقتصاد، وأي تدخل من جانب الحكومة في الأعمال الخاصة، وتشكل كتابات باريتو محاولة طموحة ولكنها فاشلة لهدم وإدانة مبادئ فلسفة التنوير في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وتعتبر كتاباته المستفيضة هجوماً سافراً على النظريات الليبرالية، الديمقراطية والاشتراكية والماركسية بصفة خاصة.

وعبر باريتو خلال حياته مراراً وتكراراً عن احتقاره لمفهومات التقدم الإنسانية والديمقراطية، وأطلق عليها تسمية الديانات العلمية التي رأى أنها عديمة القيمة مثلها مثل الديانات الأخرى، فالاشتراكية والديمقراطية والإنسانية والمسيحية، كلها أفكار غيبية وغير منطقية ويستخدمها البعض فقط من أجل خداع الآخرين لتحقيق أغراضهم الخاصة.

ومفهومات الوطنية الشرف والفضيلة لا أساس لها من الناحية الموضوعية ولا وجود لها وهي مجرد تعبيرات عن عواطف ذاتية، وعداء باريتو للديمقراطية وللإنسانية والاشتراكية، واتجاهه نحو الفاشية جاء بعد فترة اعتناقه للمبادئ الإصلاحية وفي ذلك يقول زايتلين: عندما كان باريتو شاباً يعيش في فرنسا كان يعارض العنف ويدعو إلى السلم، وإلى المبادئ الإنسانية وكان ليبرالياً من ناحية النظرية الاقتصادية، ففي عام 1891كتب يقول، إن الحرب والسلم المسلح من أكثر ألوان الرفاهية تكلفة والتي تلجأ إليها الطبقة الحاكمة على حساب الأمة.

وكان أيضاً يعارض الاستعمار فكان يرى أن توتكين تكلف فرنسا كثيراً كما أن تونس لا تفيد إيطاليا إلا من حيث أن الاحتفاظ بها يتيح بعض الوظائف الإدارية ﻷبناء الطبقة البرجوازية، ولكن باريتو، لسبب غير معروف اتخذ موقفاً معاكساً تماماً لذلك فيما بعد، بحيث أصبح لا هم له سوى احتقار وكراهية الدعاوي الإنسانية وتصوير الطبقة المحكومة على أنها ضعيفة والصفوة الحاكمة على أنها رمز القوة.

ويرى بوسكيه أنه على الرغم من هذا التغير فإن باريتو ظل عند رأيه عن شرور الحرب، ولكن هذا الرأي غير سليم ﻷن باريتو أخذ يمتدح استخدام الصفوة للقوة في الصراع الطبقي، وكذلك في الصراع بين الدول، وعند نهاية القرن التاسع عشر أصبح باريتو من ألد أعداء الديمقراطية الإنسانية.

ويرى كوزر أن كراهية باريتو للأفكار اليسارية التي تصل إلى حد المرض قد صبغت كل كتاباته وأن فقدانه للثقة في الإنسانية، وهو استعداد شخصي لديه، وقد تزايد بشكل ملحوظ عندما عاد من رحلة إلى باريس ليجد أن زوجته قد فرت مع الطباخ الذي كان يعمل لديهما وحملت معها ثلاثين حقيبة بها ما كان يملك من أشياء ثمنية، ومع ذلك لم يستطع أن يحصل على الطلاق منها ﻷن القانون الإيطالي لم يكن يبيح الطلاق.

وقد كانت هناك علاقة وثيقة بين باريتو وبين الفاشية في إيطاليا، بل بينه وبين موسوليتي شخصياً، فمجرد تولي الديكتاتور الإيطالي موسوليني للسلطة منحه باريتو كل تأييده، كما أن موسوليني كافأه على هذه التأييد للديكتاتورية وللفاشية، بأن منحه مقعداً في مجلس الشيوخ الإيطالي وكرمه في كثير من المناسبات كما دعاه للكتابة في المجلة الفاشية، التي كان يشرف عليها شخصياً.

وقد طبق موسوليني البرنامج الذي دعا إليه باريتو فقضى على الليبرالية وعلى الحركة العمالية وفي نفس الوقت اتبع سياسة اقتصادية تقوم على منح كل الحريات للمشروعات الرأسمالية وتقيد تدخل الحكومة في الاقتصاد، وكان موسوليني شديد الإعجاب بباريتو لدرجة أنه عندما كان في منفاه في سويسرا سجل اسمه لحضور مقررين من المقررات التي كان يدرسها باريتو في لوزان.

وقد أعلن كثيرون من المتحدثين بإسم الفاشية، أن كتابات باريتو كانت من المصادر الأساسية ﻷيديولوجيتهم، وقد وصف موسوليني نظرية باريتو عن الصفوة بأنها، أعظم النظريات السوسيولوجية في العصر الحديث.


شارك المقالة: