النظريات الحديثة لنماذج العلاقة بين الطقس والجريمة

اقرأ في هذا المقال


أثناء نمو علم الجريمة الحديث في القرن العشرين بدأ المنظرون بشكل متزايد في اتباع خطى دوركهايم وفحصوا كيف يؤثر الطقس أو المناخ أو الموسم على تفاعلاتنا الاجتماعية اليومية، وعلى مدار القرن تم اختبار مجموعة متنوعة من التفسيرات باستخدام أساليب معقدة بشكل متزايد وبحلول بداية القرن الحادي والعشرين تطور نموذجان لشرح تأثير الطقس على الجريمة: نظريات تفاعلية تركز على الإجهاد نظرية الأنشطة الروتينية.

الطقس والنظريات التفاعلية في علم الجريمة

تنظر النظريات التفاعلية إلى علاقة الفرد بالوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، وباختصار كيف يتمكن الناس من الانسجام مع بعضهم البعض يومًا بعد يوم؟ في هذا النموذج يعد الضغط -الحاجة إلى التكيف باستمرار مع الظروف المتغيرة واستيعاب الآخرين في التفاعل الاجتماعي- أمرًا ثابتًا في كل السلوك البشري، ونتفاعل ونستجيب لبيئتنا باستخدام عادات التكيف الاجتماعية التي توفرها ثقافتنا، ولا تتكون هذه البيئة فقط من أشخاص آخرين وتفاعلاتنا مع الآخرين ولكن أيضًا من العالم المادي.

عادة ما تكون هذه التعديلات وظيفية تمامًا وتسمح للفرد بالتعامل مع المستويات الطبيعية من التوتر، ومع ذلك في حالات الطقس القاسي تمتد هذه التكيفات الطبيعية إلى ما وراء حدودها الوظيفية وتبدأ ردود الفعل الجسدية والنفسية والاجتماعية الطبيعية في الانهيار، والطريقة التي نتعلم بها للتعامل مع الضغط المتزايد الناجم عن الطقس الحار وحتى الطريقة التي يُسمح لنا بالتكيف معها وهي طريقة ثقافية واجتماعية واقتصادية.

ففي الطقس الحار جدًا في أماكن العمل العامة في بعض الدول قد يخلع الرجال قمصانهم، ولكن لا يجوز للمرأة بموجب القانون والأعراف الثقافية فعل ذلك، وفي الطقس الحار للغاية يمكن لأفراد الطبقة المتوسطة والعليا البقاء داخل منازلهم المكيفة ولا يستطيع الفقراء غير القادرين على تحمل تكاليف مكيفات الهواء والطاقة اللازمة لتشغيلها، وبعبارة أخرى فإنّ الطريقة التي يمكن بها لمجموعات الأشخاص التكيف مع الضغوط المتزايدة تعتمد على كل شيء من الوضع الاقتصادي إلى الجنس، وخلال أوقات التوتر يمكن أن تؤدي هذه الاختلافات إلى زيادة السلوك الإجرامي لدى بعض السكان أكثر من غيرهم.

هذا الضغط ليس كل شيء اجتماعي أو نفسي وللحرارة تأثير مادي حقيقي على أجسامنا، وخلال فترات ارتفاع الحرارة نتعرق ويزداد تدفق الدم بالقرب من الجلد لتبديد الحرارة بشكل أفضل، ومع ذلك في مرحلة ما تكون أجسامنا غير قادرة جسديًا على مجاراة الضغط الناتج عن زيادة الحرارة (وتبرزه زيادة الرطوبة)، وأثبت البحث أنّ هناك نقاط نوعية تسمى نقاط عدم الراحة حيث تبدأ الحرارة (أو العلاقة بين الحرارة والرطوبة) في التأثير بشكل ملحوظ على معظم الناس، وتظهر تلك النقاط على أنّها مرتبطة ببعض الجرائم لا سيما الاعتداء والقتل.

الطقس ونظرية الأنشطة الروتينية في علم الجريمة

بعيدًا عن بيولوجيا الفرد غالبًا ما تكون الجرائم نتيجة للضغوط التي تنجم عن التفاعل البشري ويغير كل من الطقس والموسم أنماط سلوكنا، وبالتالي بشكل غير مباشر طبيعة ومستوى الإجهاد الذي نتعرض له، وتسمى أنماط السلوك الشائعة هذه الأنشطة الروتينية وهي محور النهج الرئيسي الثاني لفهم تأثير الطقس والموسم على الجريمة.

نظرية الأنشطة الروتينية وعلاقة الطقس بمكونات الجريمة

من المحتمل أن تكون نظرية الأنشطة الروتينية التي طورها كوهين وفيلسون النموذج الأكثر استخدامًا لشرح العلاقة بين الطقس والمناخ والموسم والجريمة، وترى هذه النظرية أنّ الجريمة هي نتيجة التقارب في الزمان والمكان للجناة المتحمسين والأهداف المناسبة وغياب الأوصياء القادرين.

لاحظ أنّها ليست نظرية سببية تسعى إلى تفسير سبب تحفيز الأفراد على ارتكاب الجريمة، بل بدلاً من ذلك فهو ينص ببساطة على أنّه عندما ينتهي الأمر بالأشخاص الذين قد يقررون ارتكاب جريمة (أو عازمون بالفعل على ارتكاب جريمة) في نفس المكان وفي نفس الوقت مع الأشخاص أو الأماكن التي تكون أهدافًا مناسبة، ولا يوجد الأشخاص أو الهياكل أو الدعائم الأخرى الموجودة التي يمكن أن تحمي تلك الأهداف المناسبة وستزداد الجريمة، ومن هنا نستنتج أنّ هناك مكونات للجريمة وهي:

1- الجناة المتحمسون.

2- الأهداف المناسبة.

3- نقص الأوصياء.

يمكن أن يكون للطقس والمناخ والموسم تأثير على جميع هذه المكونات الثلاثة (أي الجناة المتحمسون والأهداف المناسبة ونقص الأوصياء)، فغالبًا ما يجدنا الوقت الذي يقترب من عيد الميلاد على سبيل المثال مرهقين اقتصاديًا مع وجود حاجة فورية إلى النقود لشراء الهدايا (أو لدفع الفواتير من بطاقات الائتمان المستخدمة لشراء تلك الهدايا)، وكشفت الدراسات الميدانية عن اللصوص المسلحين أنّ السرقة غالبًا ما تكون نتيجة للحاجة المتصورة للنقد الفوري، وأنّ الأهداف المفضلة هي الأفراد الذين من المحتمل أن يكون لديهم أموال أو أشياء ثمينة ومن غير المرجح أن يكون لديهم سلاح دفاعي.

نظرية الأنشطة الروتينية بين العمر والطقس

حتى نظرة على نفس النوع من الجريمة ولكن مجموعات مختلفة من الضحايا تكشف أنّ الأنشطة المشتركة التي ينخرط فيها الناس تؤثر بشكل كبير على الجرائم التي يرتكبونها، ففحص ماكليري وتشيو المخاطر الموسمية للقتل ولكن ركزوا على الضحايا الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا، وأكدوا أنّ ذروة موسم الصيف التي تم العثور عليها للضحايا البالغين كانت أيضًا من سمات الأطفال في سن المدرسة، ولكن بالنسبة للأطفال دون سن الخامسة وجدوا ذروة كبيرة في جرائم القتل خلال أشهر الشتاء.

كان معظم الجناة في جرائم قتل الأطفال هذه أمهات شابات ومن المحتمل أن يكون الحدث الذي أدى إلى القتل قد انطوى على مطالب بالطعام أو الملابس أو الاهتمام، وكانت هذه المطالب على الأرجح تُقدم في المنزل وكانت أكثر إرهاقًا للأمهات الشابات ذوات الخبرة الأقل، وتم تمييزها خلال أشهر الشتاء وكلها تفسر معدلات القتل المرتفعة للأطفال الصغار خلال ذلك الموسم.

في البحث الذي قارن بين نظرية الأنشطة الروتينية والنظرية النفسية الأكثر تقليدية تشير إلى ارتباط مباشر بين درجة الحرارة والعدوان، وجد هيب وزملاؤه أنّ نظرية الأنشطة الروتينية كانت أكثر فاعلية في شرح الاختلافات الموجودة في كل من جرائم العنف والممتلكات، وكما يُرى فإنّ البيانات حول مجموعة متنوعة من الجرائم المختلفة على مدى عدد من السنوات وفي أماكن متنوعة تدعم هذا الاستنتاج، ومن المهم أيضًا الإشارة إلى أنّه يتعين علينا أن نكون حريصين جدًا على عدم الخلط بين مستويات القياس عند مقارنة نظرية اجتماعية مثل نظرية الأنشطة الروتينية بنظرية بيولوجية أو نفسية.

حتى عند التفكير في الإجهاد يجب أن نكون حريصين على التأكد من اشتقاق بياناتنا ونظريتنا على نفس المستوى من المقياس، فأشار دوركهايم إلى أنّه يجب على المرء أن يشرح الحقائق الاجتماعية فقط بالحقائق الاجتماعية الأخرى، وإذا كانت لدينا بيانات عن معدلات الجريمة مستمدة من مجموعات سكانية كبيرة على سبيل المثال فعلينا أن نتأكد من أنّ نظرياتنا لا تقلل من تفسيراتنا لمعدل جريمة جماعة ما للتركيب النفسي لأفراد تلك المجموعة.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: