الهوية الافتراضية في علم الاجتماع الرقمي

توفر الابتكارات والتطبيقات التكنولوجية الحديثة المستندة إلى الويب للمستهلكين مجموعة متنوعة من الطرق الجديدة للتعبير عن تفضيلاتهم، وتتحدى المسوقين باستمرار لإعادة التفكير وتكييف نهجهم، ومن ناحية أخرى غيرت التقنيات المبتكرة المستندة إلى الإنترنت، مثل (Facebook أو YouTube أو Twitte)، العلاقة التقليدية بين المستخدمين الفرديين والمحتويات التي تتم بواسطة الكمبيوتر مع التخصيص الشامل والتسويق الفردي الذي يفتح أبواباً جديدة للذات.

 العوالم الافتراضية في علم الاجتماع الرقمي

تمثل العوالم الافتراضية التي تشير إلى البيئات حيث يمكن لآلاف الأفراد التفاعل في وقت واحد ضمن فضاء ثلاثي الأبعاد محاكاة حدودًا في الحوسبة الاجتماعية، يدخل المشاركون في هذه العوالم الافتراضية من خلال الصور الرمزية الخاصة بهم، والتي تمثل تمثيلات بيانية لأنفسهم، يتم إنشاؤها والتحكم فيها بشكل حصري من قبلهم، وتعتبر جزءًا من هويتهم الافتراضية.

من خلال الصور الرمزية الخاصة بهم يمكن لأعضاء هذه العوالم الافتراضية الانخراط في تفاعلات متعددة الاستخدامات مع بعضهم البعض، ويمكنهم تبادل الرسائل وإجراء المحادثات وحتى التعبير عن مشاعرهم بعدة طرق مختلفة، أصبحت العوالم الافتراضية بيئات معقدة بشكل متزايد، تعتمد على استخدام الإنترنت وتعززه والتطورات التكنولوجية الأخرى.

تتكون العوالم الافتراضية من فئتين رئيسيتين وهي العوالم الافتراضية الموجهة نحو الألعاب، والعوالم الافتراضية الموجهة اجتماعيًا، يكمن الاختلاف الأساسي بين النوعين في حقيقة أن العوالم الافتراضية الموجهة نحو الألعاب تعرض المستخدمين لقواعد صارمة، بينما توفر العوالم ذات التوجه الاجتماعي مزيدًا من الحرية والمرونة مع فرض قيود أقل بشكل كبير، بالإضافة إلى ذلك توفر العوالم الاجتماعية الافتراضية العديد من الخيارات لمستخدميها للمشاركة في مجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية، مفهوم يحظى باهتمام كبير من منظور الشركات لكنه يميل إلى أن يكون أكثر تقييدًا في عوالم الألعاب الافتراضية.

مزايا العوالم الافتراضية في علم الاجتماع الرقمي

ضمن وسائل التواصل الاجتماعي العامة تمتلك العوالم الافتراضية الموجهة اجتماعيًا العديد من الميزات المهمة التي تميزها عن التطبيقات الشائعة الأخرى، مثل (YouTube أو Facebook).

1- يمكن للمشاركين في العوالم الافتراضية التفاعل مع بعضهم البعض في الوقت الفعلي.

2- يمكن للمقيمين في العالم الافتراضي تخصيص أنفسهم بشكل كامل بطرق مرنة للغاية، باستخدام الصور الرمزية الخاصة بهم كعروض تقديمية ذاتية افتراضية.

3- يميل الهدف الأساسي لمجتمعات الشبكات العامة إلى التركيز على مشاركة المحتوى بينما تميل العوالم الافتراضية إلى الاستخدام لمجموعة معقدة من الأغراض.

4- العوالم الافتراضية ثلاثية الأبعاد على عكس الأشكال الأخرى لمجتمعات الشبكات الاجتماعية ثنائية الأبعاد فقط.

إن البيئات ثلاثية الأبعاد لها ميزة كبيرة على المجتمعات الافتراضية القائمة على التكنولوجيا ثنائية الأبعاد، من حيث أنها قادرة على إحداث إحساس أقوى بالوجود وكذلك الانغماس.

الهوية الافتراضية في علم الاجتماع الرقمي

إن الفهم الأكبر للوجود والهوية الافتراضية مهم أيضًا، حيث أصبحت اللقاءات والتفاعلات عبر الإنترنت من خلال المساحات الافتراضية عناصر متكاملة في المجتمع والحياة اليومية، في الواقع تم اقتراح أن يطور الأفراد علاقات فريدة مع التكنولوجيا، تلك التي تساعدهم على تنمية إحساسهم بالذات، وتسمح لهم بالتواصل مع مستخدمين آخرين بطرق متنوعة.

منذ الأعمال المبكرة لتطوير الهوية التي بدأت في الخمسينيات من القرن الماضي، عدلت عوامل تكنولوجية وبيئية مختلفة الطرق التي نفكر بها في الشخصية ككل أو نقدم أنفسنا للآخرين، من خلال انتشار البيئات الافتراضية وزيادة شعبيتها ظهرت تجارب هوية جديدة، تغيير الظروف القائمة والمفترضة تقليديا الكامنة وراء بناء الهوية وتطويرها.

إن الخبرات مع البيئات التي يتوسط فيها الكمبيوتر لديها القدرة على إعادة تعريف وإعادة بناء المفهوم الكلاسيكي للهوية، مما يوفر للمستخدمين أشكالًا جديدة من الوجود، والقدرة على التعبير عن جوانب غير مستكشفة من ذاتهم، وبالتالي تحقيق تحول كامل أو جزئي لهويتهم.

في الفضاء الإلكتروني تُصاغ الهوية من خلال تسلسل معقد وديناميكي للقرارات الشخصية، وتتطور من خلال الدمج المستمر للتغذية المرتدة الاجتماعية الناتجة عن التمثيل الذاتي للفرد عبر الإنترنت، تشير الهوية الافتراضية إلى تطوير الذات المتكاملة في بيئات الإنترنت بناء قد يختلف عن هوية الحياة الحقيقية.

على الرغم من أن الأدبيات المتاحة حاليًا التي تقارن بشكل مباشر بين الهويات الافتراضية والحياة الواقعية لا تزال نادرة وغير حاسمة، إلا أن هناك بعض الخصائص الجديرة بالذكر في إشارة إلى الهويات الافتراضية، على سبيل المثال تتعلق فكرة ثورية على وجه التحديد بالانفصال الكامل عن الجسد المادي في اللقاءات الاجتماعية الافتراضية جعل من الممكن للأفراد التفاعل مع بعضهم البعض بطريقة بيئية مجهولة بالكامل ومجهولة الهوية.

يوفر الفضاء الإلكتروني فرصًا فريدة للمستخدمين للتواصل مع الآخرين وتكوين علاقات في حالة الغياب التام للخصائص المادية الحقيقية، بالنظر إلى أن كل تسجيل عبر الإنترنت وتجسد افتراضي هو قرار حر وطوعي نيابة عن المستخدم، فإن هذا المزيج من عدم التجسيد وإخفاء الهوية يخلق بيئة بوساطة تكنولوجية يصبح فيها شكل جديد من أشكال بناء الهوية ممكنًا.

توفر هذه المواقف للأفراد نقطة انطلاق جديدة لبناء هوياتهم على الإنترنت باستخدام استراتيجيات جديدة ومرنة، وتشكيلها وتعديلها باستمرار كوظيفة للدوافع والفرص والظروف الحالية، يمكن تغيير الهويات الافتراضية بالسرعة المطلوبة، مما يسمح للمشاركين بتجربة العديد من الخيارات والأدوار، حتى تلك التي قد لا تعتبر تقليدية، على سبيل المثال غالبًا ما يتم إنشاء الهويات الافتراضية لتكون أكثر ذكاءً أو أكثر جاذبية، وقد تمتلك المزيد من السمات المرغوبة، عند مقارنتها بخصائص الذات الواقعية، سلط العلماء الضوء على بعض التأثيرات الإيجابية بشكل خاص المتأصلة في المساعي عبر الإنترنت، حتى أن البعض استنتج أن هذا الشكل من لعب الأدوار الافتراضي قد يوفر مصدرًا للتمكين.

يمكن اعتبار الهوية الافتراضية كيانًا مفاهيميًا معقدًا وديناميكيًا ومرنًا، وقد تكون مرتبطة بهوية الفرد الحقيقية أو تظل مختلفة تمامًا عنها، ومن المحتمل أن تكون مدفوعة بمجموعة من المحفزات المختلفة، من ناحية أخرى تشتمل الهوية الرقمية أو الافتراضية على عناصر هيكلية معينة، بما في ذلك المكونات الرسومية والنصية التي تمثل الصورة الرمزية للشخص والملف الشخصي المرتبط به.

من ناحية أخرى فإنه يلتقط بعض العناصر التقديمية، مثل فعل تقديم نفسه لأعضاء آخرين في مجموعة افتراضية ويتشكل باستمرار من خلال ردود الفعل الاجتماعية التي يتم الحصول عليها من خلال عملية التفاعل مع الآخرين، وكذلك من قبل الأفراد.

لا تبدو الهوية الافتراضية كيانًا ثابتًا بل كانت كيانًا تم تغييره وتحديثه بشكل متكرر من قبل المستخدمين من أجل الحفاظ على إحساس إيجابي بأنفسهم في إعداداتهم الافتراضية، ونظرًا لطبيعة الهويات الافتراضية المرنة بسهولة، لا سيما بالمقارنة مع تطوير الهوية في العالم الحقيقي.

إن المشاعر والأفكار تجاه الهوية الافتراضية للفرد تميز الطرق التي يُنظر بها إلى السكان الآخرين تقييم الآخرين، وتميل كل من اللبنات الأساسية للهويات الافتراضية الصور الرمزية والملفات الشخصية المرتبطة، إلى أن تكون مهمة للمقيمين، ويتم استخدامها لتقديم أنفسهم للآخرين، بالإضافة إلى قياس وتقييم الأعضاء الآخرين.