الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي عند ماركس في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي عند ماركس في علم الاجتماع:

يقول ماركس في كتابه إسهام في نقد الاقتصاد السياسي، يدخل الناس خلال عملية الإنتاج الاجتماعي في علاقات محددة مع بعضهم البعض، وهذه العلاقات ثابتة عن إرادتهم، وتتفق هذه العلاقات الإنتاجية مع مرحلة التطور في القوى المادية في الإنتاج لديهم، ومجموع هذه العلاقات الإنتاجية يشكل البناء الاقتصادي للمجتمع أو الأساس الحقيق له الذي يبني عليه الأبنية الفوقية القانونية والسياسية، والذي تقابله أشكال محددة من الوعي الاجتماعي.

ونمط الإنتاج في الحياة المادية، هو الذي يحدد الطابع العام للعمليات الاجتماعية والسياسية والروحية للحياة، فليس إدراك المواطنين هو الذي يحدد وجودهم، ولكن على العكس من ذلك يحدد الوجود الاجتماعي للمواطنين إدراكهم.

ويتضح من ذلك أن ماركس على عكس الفلاسفة المثاليين وعلى عكس الاتجاه المثالي في علم الاجتماع المستمد من هذه الفلسفة مثل مؤلفات أوجست كونت وإميل دور كايم، وماكس فيبر ومن تلاهم من علماء الاجتماع المثاليين، يبدأ بالتسليم بأن الأساس الاقتصادي المادي للمجتمع هو الذي يتشكل بناء عليه الوعي الاجتماعي وأن القوى الأساسية المحركة للتاريخ هي القوة الاقتصادية الاجتماعية، وليست القوى الفكرية.

وماركس ينظر أن علاقات الإنتاج هي أساس الإدراك الاجتماعي، والإدراك الاجتماعي عند ماركس يمكن تعريفه بأنه، سلسلة من الأفكار والنظريات والآراء والأحاسيس الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تكون موجودة لدى المواطنين، والتي تعكس حقيقتهم الموضوعية أي مجتمع الإنساني والطبيعة، وبما أن الوجود الاجتماعي للمواطنين يتسم بتعقد والتنوع، فإن الوعي الاجتماعي يتسم أيضاً بالتعقيد والتنوع، ويشير التاريخ الاجتماعي أنه مع تغير الوجود الاجتماعي للناس، يتحول أيضاً وعيهم الاجتماعي فتخفى الأفكار السالفة.

وتبيّن بدلاً منها أفكار جديدة تتفق مع الظروف الجديدة والاحتياجات الاجتماعية الحديثة، ويمكن أن نلاحظ ذلك بما طرأ على الأفكار والايديولوجيات في المجتمعات الأوربية بعد أن انتقلت هذه المجتمعات من المرحلة الإقطاعية إلى المرحلة الرأسمالية، التي اتسمت بنوعية جديدة من العلاقات الإنتاجية.

إن النظريات والفلسفات والآراء القانونية والأخلاق والقيم والعادات والتقاليد التي ظهرت في المجتمع الإقطاعي، إنما تثبت صدق هذه المقولة، ﻷنها تختلف اختلافاً كبيراً عن ذلك التي كانت سائدة في العصر الإقطاعي.

وبالمثل يمكن القول أن الوعي الاجتماعي في المجتمعات الاشتراكية يختلف عنه في المجتمعات الرأسمالية، فمع زوال الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج واستبدالها بالملكية العامة أو الجماعية، تظهر روح جديدة بين الناس، وتحل الاتجاهات الجماعية محل الاتجاهات الفردية الأنانية.

لقد أثبت ماركس على أن الوجود الاجتماعي، أي النشاط الإنتاجي المادي للمواطنين، هو الذي يعين وعيهم الاجتماعي، ولكنه أثبت أيضاً على أن الوعي الاجتماعي يتسم أيضاً بخاصية على أنه مستقل نسبي في تطوره، فالإدراك الاجتماعي قد يتراجع عن تطور الوجود الاجتماعي أو قد يسبقه، وتبيّن الاستقلالية النسبية للإدراك الاجتماعي في تواصل التطور، فالوعي ليس في علاقة سلبية مع الوجود، ولكن الإدراك يؤثر بشكل إيجابي على الوجود الاجتماعي.

ويتراجع الوعي الاجتماعي عن الوجود الاجتماعي، ﻷن الوجود الاجتماعي للمواطنين هو الذي يتحول أولاً ثم بعد ذلك، تحول في إدراكهم وتنجم هذه الهوة بين الوجود والوعي أيضاً نتيجة لقوة الأفكار والآراء السالفة، ذلك أن الطبقات الحاكمة تستخدم الأساليب المتاحة لها في نشر أيديولوجيتها بين أعضاء المجتمع.

والوعي الاجتماعي للمواطنين لا يتراجع عن وجودهم الاجتماعي فقط، ولكنه في ظل ظروف محددة يمكنه أن يسبق هذا التطور في الوجود الاجتماعي، فيمكن للأفراد الذين يقومون بتفسير قوانين المجتمع ويكشفون عن الاتجاهات العامة للتطور التاريخية، أن يتنبأوا بالمستقبل أو يخلقوا نظريات تسبق عصرهم وتوضح الطريق للتطور لسنوات كثيرة قادمة.

والاستمرارية في التطور الأيديولوجي، إنما هي دليل واضح على الاستقلال النسبي للوعي الاجتماعي، فالطبقة الجديدة أي التي تصل إلى السيطرة على الإنجازات السابقة للفكر الإنساني، ولكنها تتمثل هذه الإنجازات وتضعها في خدمتها والاستمرارية في تطور الأفكار ذات أهمية عظيمة في الحياة الاجتماعية.

فإذا كان الناس عاجزين عن استخدام إنجازات حضارة الماضي، فإنهم سوف يكونون مضطرين دائماً إلى أن يبدؤا من نقطة الصفر وإلى أن يكتشفوا قوانين تم اكتشافها منذ زمن بعيد مضى، ولكن الطبقات المختلفة، تختلف في نظرتها إلى التراث الأيديولوجي، فالطبقات الرجعية تأخذ من الماضي الأفكار الرجعية وتكيفها، بحيث تجعلها تتمشى مع الظروف التاريخية الجديدة ومع مصالحها، أما الطبقات الثورية فإنها تأخذ من التراث الأيديولوجي ما لم يفقد دلالته الإيجابية، وما يمكن أن يساعد على التطور الإنساني.


شارك المقالة: