انتقادات أنصار الاتجاه الإمبيريقي لأنصار التنظير السوسيولوجي في علم الاجتماع:
1- المهتمين ببناء نظريات سوسيولوجية يقفون عند مرحلة عرض المفاهيم والتصورات:
وذلك لأنهم لا يقدمون لنا الوسائل الدقيقة التي يمكن من خلالها اختبارها في الواقع الاجتماعي، أو التأكد مما إذا كانت هذه المفاهيم صالحة لفهم الواقع، أم أنها ليست سوى مجرد تأملات جوفاء.
2- المنظرين يفشلون في توضيح كيفية الاستفادة من المفاهيم:
فهم في الواقع لا يقدمون لنا سوى لافتات أو أسماء جديدة، كي تحل محل الأسماء أو اللافتات القديمة والمستخدمة في اللغة العادية للناس.
ويشير جورج هومانز إلى أن العديد من النظريات السوسيولوجية قد توافق ﻷي شيء ولكنها لا توافق على الإطلاق في توضيح الحقيقة الاجتماعية وهو هدفها الأول، وهو هنا يسخر من أغلب النظريات المطروحة في الفكر السوسيولوجي، وينتهي هومانز من عرض أساسيات النظرية العلمية بما يتفق تماماً مع النظرية كما يعرض لها أكبر علماء المناهج مثل كارل بوير، إلى القول بعدم وجود نظرية في علم الاجتماع ومستوفاة تماماً لشروط العلمية.
3- الخروج بتعميمات إمبيريقية:
يحدد ميرتون التعميم الإمبيريقي مقتدياً في ذلك بجون ديوي، بأنه القضية القادرة على تلخيص الانتظامات الملاحظة للعلاقة بين متغيرين أو أكثر، ويضرب لنا مثلاً على ذلك مستمداً من دراسات هالباك، التي تشير إلى أن طبقة العمال ينفقون نسبة كبيرة من دخولهم على الطعام، بالمقارنة بالنسبة التي ينفقها الموظفون الكتابيون الذين يتقاضون نفس الأجر.
ويشير ميرتون إلى الدراسات السوسيولوجية زاخرة بالعديد من النتائج أو التعميمات الإمبيريقية المماثلة، ولكن أنصار الاتجاه النظري في علم الاجتماع يعترضون على فكرة التعميمات الإمبيريقية كأساس وحيد لبناء نظريات علم الاجتماع، فالنتائج التي تتمخض عن عدة أبحاث إمبيريقية قد تتفات تفاوتاً كبيراً على حسب طبيعة الظروف الاجتماعية والثقافية التي تتم في إطارها، وعلى حسب طبيعة العينة المستخدمة، وعلى حسب عدة عوامل أخرى كثيرة.
ولعل ما هو أهم في نظرهم هو أن محصلة الدراسات الإمبيريقية لا تسهم في تراكم البناء المعرفي أو في نمو قدرتنا على التنبؤ والضبط، فالنتائج التي خرجنا بها حتى الآن من مختلف الدراسات الإمبيريقية فشلت تماماً في تحقيق فهم أفضل للواقع الاجتماعي أو حتى الظواهر المدروسة.
ويعبر روبرت لند، عن عدم رضاء أنصار التنظير السوسيولوجي عن النتائج عير المترابطة للدراسات الإمبيريقية أو عن النزعة الإمبيريقية بقوله، أن مثل البحث الإمبريقية بدون اتخاذ موقف نظري إيجابي بطريقة انتقائية، مثل الحقيبة التي يحملها مجنون ويوجد داخلها مجموعة من الحصى والقش والريش وأشياء أخرى غير مترابطة.
4- التوصل إلى النظرية العلمية:
يقال دائماً أن ما هو مطلوب في أي علم من العلوم هو التوصل إلى القوانين العلمية التي تحكم الظواهر المدروسة، ولعل المشكلة في علم الاجتماع كما يعترف بها ميرتون نفسه هي عدم إمكان ذلك العلم على الرغم من تاريخه الطويل نسبياً من التوصل إلى قوانين علمية.
وقد استطاع بعض علماء الاجتماع التوصل إلى ما يشبه القوانين العلمية وهي ما يمكن أن نطلق عليه قوانين سوسيولوجية، والمثل التقليدي الواضح على ذلك دراسة، دور كايم لظاهرة الانتحار، وتوضيحه العلاقة بين معدل الانتحار وبين درجة تكامل الجماعة، وبناء على هذا القانون الذي يذهب إلى أن معدل الانتحار يتلاءم عكسياً مع درجة تكامل الجماعة، يمكن لنا التنبؤ مقدماً بأي الجماعات يحتمل أن يرتفع داخلها معدل الانتحار من بين الجماعات التي تختلف من حيث الدين والظروف الزوجية والجنس المستوى التعليمي.
ويحاول ميرتون أن يبين لنا سبب صحة هذا القانون بطريقة منطقية، من خلال الخطوات التالية، أولاً أن يسهم التماسك الاجتماعي داخل الجماعة في مساعدة ومساندة الأعضاء الذين يعانون من قلق أو توتر عنيف، ثانياً أن يرتبط الانتحار بمختلف أنواع القلق والتوترات التي يعاني منها الشخص ولا يجد وسيلة التخفيف منها أو إفراغها، ثالثاً تعد الجماعات الكاثوليكية أكثر تماسكاً من الناحية الاجتماعية وذلك بالمقارنة بجماعات البروتستنتية أو جماعات المحتجين، رابعاً ولهذا فإنه من المنطقي أن نتوقع أن يقل معدل الإنتحار داخل جماعات الكاثوليك بالمقارنة بالمعدل المقابل داخل جماعات المحتجين.
ويجب الإشارة إلى أن النموذج العلمي في البحث يتحقق بإقفال الدائرة، حيث ننتقل من مثل هذه القضايا المنطقية إلى تصميم بحث واقعي قادر على تحقيق هذه القضايا أو اختبار صدقها، وبعد ذلك نعود ثانية إلى النظرية كي نعدلها أو نبقيها أو نحذفها من التراث العلمي كله، على حسب نتائج الأبحاث الواقعية.