اقرأ في هذا المقال
في عام 50هـ بدأت الولاية الإفريقية عهداً آخر مع عقبة بن نافع، وكان عالماً بكل ما يخص الأمور الإفريقية منذ صغر سنه، وكان يلاحظ إخلافهم للوعود وارتدادهم بكثرة، وكان يرى بأن الطريق الوحيد لكي يحافظ على أفريقيا وينشر الإسلام فيها هو بناء مدينة؛ لتكون مكاناً ليرتاح به الرحالة المسلمين، وتنطلق الجيوش للفتوحات منها، فقام ببناء مدينة القيروان وأسس جامعها.
الخصائص المتوفرة في موضع مدينة القيروان:
- لا يفصل موقع القيروان ومركز القيادة العسكرية في الفسطاط أي نهر أو بحر؛ حيث تقع على الطريق البري الذي يفصل بين مصر والمغرب.
- كان موقع القيروان يتوافق مع المواضع الذهنية للعرب والمتطلبات الضرورية التي يحتاجونها.
- يتمتع موقع القيروان بالعديد من الإنتاجات والموارد الذاتية؛ إذ كانت تحتوي على أراضي زراعية التي تتضمن العديد من المحاصيل.
- يحتوي موقع القيروان على مياه صالحة للشرب تأتي من مصدرين وهما: الأمطار؛ إذ كانوا يخزنونه في صهاريج تُسمّى بالمواجل، أما المصدر الثاني مياه وادي السراويل.
القيروان مركز الحضارة الإسلامية في المغرب وعاصمتها العلمية:
بدأت الحياة العلمية المركزة بعد أن تم تأسيس مدينة القيروان في عام 50هـ، وبسرعة فائقة أضحت مدينة القيروان مركزاً للحضارة الإسلامية في بلاد المغرب والعاصمة العلمية له؛ إذ رحل إليها الكثير من طُلّاب العلم من كل الأنحاء، وهناك العديد من العوامل التي رشّحت هذه المكانة للقيروان وهي:
1- إنشاء مدينة القيروان:
إن إنشاء مدينة القيروان يعني أن إفريقيا أصبحت ولاية إسلامية جديدة:
حدث ببناء مدينة القيروان بأن إفريقيا أصبحت جزءاً عظيماً من العالم الإسلامي الواسع، وأن المسلمين سوف يقطنون فيها ويعيشون بطريقة طبيعية، وكان وأهمها العلم والثقافة الإسلامية، وكان على أهل المغرب وجوب نشر الدين الإسلامي في المغرب، بالإضافة إلى أنها كانت قاعدة ينطلق منها الجيش إلى الفتوحات، كما أن الدُعاة كانوا ينطلقون منها لنشر الإسلام في جميع أنحاء العالم.
2- بناء الجامع في مدينة القيروان:
تم بناء الجامع في مدينة القيروان وهو المدرسة الأولى في الإسلام:
عندما قام عقبة بن نافع ببناء مدينة القيروان كان مالعديد من الصحابة، واستمرت مدة البناء لخمس سنوات، وكان تعليم اللغة العربية ونشر الدين الإسلامي في جامع القيروان، وكانت غزوات المسلمين في تلك الفترة قصيرة ولا تحتاج إلى التغيب طويلاً.
3- استقطبت مدينة القيروان أعداداً هائلة من البربر:
استقطبت مدينة القيروان أعداداً هائلة من البربر المسلمين لتعلُّم الدين الجديد:
قال ابن خلدون عندما تحدث عن عقبة بن نافع: فدخل إفريقيا وأضاف إليه مسلمة البربر، فكبر جمعه ودخل أكثر البربر إلى الإسلام ورسخ الدين.
انتشر الإسلام من القيروان إلى كافة أرجاء بلاد المغرب، وقد عمل عقبة بن نافع على بناء العديد من المساجد في المغربين الأقصى والأوسط، كما قام بترك صاحبه شاكراً في العديد من مدن المغرب؛ حتى يُعلِّم البربر تعاليم الإسلام، وعندما جاء أبو المهاجر دينار إلى ولاية إفريقيا أحسن إلى كسيلة زعيم البربر وشعبه، فدخل الكثير منهم للإسلام وأكمل حسان بن النعمان مسيرة عقبة في نشر الإسلام.
4- اصطحاب زوجات أفراد الجيش:
كان الكثير من أفراد الجيش قد صحبوا زوجاتهم معهم:
كان لا بُدَّ من الاهتمام بنشر اللغة العربية ومبادئ الإسلام وتعليمها عد المسلم النشء، ولهذا تم إنشاء الكتاتيب في مدينة القيروان في وقت مبكر، فقد روي عن غياث بن شبيب أنه قال: كان سفيان بن وهب صاحب رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يمر بنا ونحن غلمة بالقيروان فيسلم علينا ونحن في الكُتّاب وعليه عمامة قد أرخاها من خلفه.
وكان سفيان بن وهب قد قام بزيارة مدينة القيروان مرّتان: أول مرة في عام 60هـ عندما تم الإنتهاء من تأسيس مدينة القيروان، والمرة الأُخرى في عام 78هـ.
5- الموقع الجغرافي لمدينة القيروان:
الموقع الجغرافي لمدينة القيروان له دور كبير في إثراء الحياة العلمية وإنعاشها:
كانت مدينة القيروان تقع متوسط المشرق والمغرب، فكان العلماء وطالبو العلم عندما يأتون من الأندلس والمغرب عندما يذهبون للشرق، فكانوا يتعلمون من علمائها، وكان أهل المشرق يدخلونها عندما يريدون الذهاب إلى الأندلس والمغرب.
6- التجارة في مدينة القيروان:
كانت التجارة في مدينة القيروان راحة والسلع نافقة:
كان هذا العامل من العوامل المهمة التي أدت إلى إزدهار الحياة العلمية في مدينة القيروان؛ إذ كان يقصدها الكثير من تجار المشرق والمغرب، والكثير منهم كانوا من العلماء والمثقفين.
7- القيروان العاصمة السياسية للدولة الأموية:
كان الأمراء عندما يأتون إلى مدينة القيروان يصطحبون معهم الكثير من العلماء والأُدباء، والكثير من العلماء يذهبون إلى عاصمة إفريقيا ضمن الجيوش التي تأتي من المشرق، وكان قد استمر وفودها إلى بعض منتصف القرن الثاني، كما أن الشعراء كانوا يقصدون الأمراء لمدحهم.
8- اكتساب مدينة القيروان الاحترام:
اكتساب مدينة القيروان الاحترام لأنها تأسست على أيدي صحابة رسول الله:
وهذه من الأمور التي جعلت مدينة القيروان تتهيأ لدور الريادة العلمية في المغرب وإفريقيا، وقال أبو إسحاق الجبنياني: القيروان رأس وما سواها جسد، وما قام برد الشبه والبدع إلا أهلها، ولا قاتل ولا قتل على إحيء السنة إلا أئمتها.