استقلال دولة قطر:
لقد اتخذت دولة قطر مجموعة من الإجراءات أدت إلى تطورات كبيرة في شتى المجالات خلال مرحلة التحول السابقة، فاتخذت مجموعة من الخطوات في سبيل التحرر من الوجود الأجنبي وامتلاك الإرادة الوطنية وتجسيد مبدأ الوعي الوطني والقومي، فقد ساعدتها في ذلك الظروف التاريخية والخارجية بشكل خاص.
فقد تواكب ذلك أثناء ضعف الامبراطورية البريطانية الذي هرم وفقد عناصر قوته بشكل تدريجي منذ الحرب العالمية الثانية، فانتهى الوجود البريطاني في الهند وباكستان عام 1947 ميلادي، وقلت قوته عن مصر وقناة السويس ابتداء من عام 1954 ميلادي، وانتهى وجوده من منطقة عدن وجنوب البحر الأحمر منذ عام 1966 ميلادي.
وفي تلك الفترة جاء القرار البريطاني في بداية عام 1968 ميلادي، بالانسحاب بشكل تدريجي من منطقة الخليج في وقت مع نهاية عام 1971 ميلادي، جاء ليدفع ببلدان الخليج العربية خطوة هامة تجاه الاستقلال وتخلص من معاهدات الحماية البريطانية، وما ارتبط بها من نفوذ سياسي وتواجد عسكري في المنطقة.
وكانت العوامل الأساسية من ظروف خارجية وداخلية السبب في تهيئة سبيل استقلال دولة قطر، وفي بداية عام 1971 ميلادي تمت أول محادثات ووثائق ليتم من خلالها إعلان الاستقلال، ليعلن ولي العهد ونائب الحاكم استقلال البلاد في بيان أصدره للشعب.
حيث جاء في ذلك البيان: أنه تنفيذاً لقرار إعلان استقلال بلدنا، قررنا إنهاء العلاقات الخاصة، وجميع الاتفاقات والالتزامات والتنظيمات التي تترتب عليها الموقعة مع الحكومة البريطانية، وبذلك تصبح قطر دولة مستقلة استقلالاً كاملاً وذات سيادة عامة، تمارس مسؤولياتها الدولية بنفسها، وتتولى وحدها سلطانها الكامل في إطار الدولة الخارجية والداخلية على السواء، وسنبدأ فوراً باتخاذ الإجراءات اللازمة لانضمام دولتنا العربية إلى جامعة الدول العربية وإلى هيئة الأمم المتحدة.
فقد أكد بيان الاستقلال على توجهات الدولة العربية والإسلامية ومدى ارتباطها بالدول المجاورة لها، بالإضافة إلى تأكيدها على منح شعب فلسطين ودول المواجهة العربية مع إسرائيل حقوقه، والتأكيد على أهمية اتحاد الإمارات والإيمان بقواعد وأهداف الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة.
حيث ترتب على إعلان الاستقلال عملية إصدار قانون ينص على تأسيس وزارة للخارجية، تولاها بالنيابة ولي العهد ونائب الحاكم، كما صدر قرار بتغيير لقب رئيس الدولة من حاكم إلى أمير، وفي تلك الفترة انضمت دولة قطر إلى جامعة الدول العربية.
بالإضافة إلى انضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة، بحيث بدأت تمارس سياستها الخارجية بنفسها لأول مرة في تاريخها، وانطوت بذلك صفحة الحماية البريطانية وما رافقها من نفوذ وسيطرة على المنطقة، لتبدأ دولة قطر مرحلة الاستقلال منذ عام 1971.
معاهدة الصداقة بين بريطانيا ودولة قطر:
لقد استبدلت معاهدة الحماية بمعاهدة صداقة بين دولة قطر وبريطانيا تمت في 3 أيلول، أي بعد يومين من إعلان الاستقلال، وقد تضمنت مجموعة من الوثائق الجديدة التي أشارت إلى البنود المتبادلة بين الدولتين بشأن إنهاء العلاقات التعاهدية الخاصة بينهما؛ بسبب عدم مطابقتها لتولي دولة قطر کامل مهامها الدولية كدولة مستقلة بشكل خاص.
كذلك أشارت المعاهد الجديدة إلى استمرار العلاقات بين كلا الدولتين، حيث كانت تغمرها روح التعاون والصداقة الوثيقة، فجاء ذلك من خلال تنظيم علاقتهما في المستقبل، فقد اتفق كلاهما من خلال محادثاتهما على أسس هذه المعاهدة، التي تضمنت أيضاً ضرورة تشاورهما معاً حول الأمور التي تهم الدولتين لتسوية خلافاتهما بالوسائل السلمية وتشجيع التعاون بينهما من خلال المؤسسات التعليمية والميادين الثقافية والهيئات المهنية والمعلومات الفنية، بالإضافة إلى تنمية وتقوية العلاقات التجارية بين البلدين.
وقد اتفق الجانبان البريطاني والقطري على أن تكون هذه المعاهدة مستمرة لمدة لا تقل عن عشر سنوات ابتداء من تاريخ توقيعها، إلا في حال تراجع أحد الطرفين عن العمل بها، حيث تم توقيعها في جنيف في عام 1971، وقام بتوقيعها حاکم دولة قطر الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، والمقيم السياسي البريطاني في الخليج السيد جيفري آرثر، وهكذا حددت المعاهدة الجديدة قواعد الصداقة والتعاون بين دولة قطر وبريطانيا في الوسائل السلمية، ولم ترد بها أي التزامات عسكرية بريطانية تجاه دولة قطر، فقد تميزت بطابع التوازن من حيث حق کلا الطرفين وحريته في إنهائها.
وهكذا شهدت دولة قطر خلال الفترة التاريخية التي بدأت من 1950 إلى 1970 مجموعة من التغيرات، فقد اعتبرت تلك الفترة فترة تحول كبير في تاريخ دولة قطر، فقد بدت وكأنها مرحلة انتقالية من عصر تاريخي إلى آخر، فقد انفتحت خلالها على العالم الحديث المتطور.