الدستور اللبناني:
في عام 1926 تم إصدار الدستور اللبناني، بحيث لم يكن مفاجأة للبنانيين؛ لأنه لم يشمل تغييراً جذرياً للأنظمة الموجودة داخل لبنان في ذلك الوقت، فقد كانت توجد مجموعة من القرارات التي أصدرها المفوض السامي الفرنسي في عام 1922، والتي تتعلق بتنظيم المحاكم وتحديد اختصاصاتها.
بالإضافة إلى إقامة مجلس تمثيلي منتخب بالاقتراع العام ويختص بدراسة الميزانية ومناقشتها والقيام بإصدارها مع الاحتفاظ بحق المفوض السامي في التشريعات الخاصة بالأحوال الشخصية وتنظيم القضاء وتحديد العقوبات وبيع أملاك الدولة وتغيير المناطق الإدارية.
بحيث لا تتم عملية تطبيق القوانين، إلا بعد موافقة المفوض السامي عليها، بالإضافة إلى القيام بنشرها في الجريدة الربحية، إنّ الإضافة الجديدة في الدستور هي المواد التي تنص على إلغاء وقوع لبنان تحت حكم فرنسا، مع بقاء المفوض السامي هو صاحب القرار في تعيين الحاكم.
لقد حددت صلاحيات الحاكم بدراسة شؤون الدولة التي يجب أن تُعرض على المجلس التشريعي، بالإضافة إلى حصر حق اقتراح القوانين في يد الحاكم فقط ومنح الحاكم حق العفو الخاص. أما بالنسبة للعفو العام فيجب الرجوع إلى المفوض السامي، كما كان من اختصاصيات الحاكم تعيين الموظفين، باستثناء السكرتير العام للحكومة والمدراء، ويتم ذلك بعد الحصول على موافقة المفوض السامي، ولم يكن الحاكم مسؤولاً أمام المجلس التمثيلي.
صدور دستور لبنان:
قامت وزارة الخارجية الفرنسية في عام 1925 بتشكيل هيئة تتكون من ثلاثة أقسام، تقع مسؤولية إدارتها في يد بول بونکر، بحيث تنحصر مهمتها في وضع دستور لدولة اللبنانية، فقد قام موظفي مكتب المندوب السامي الفرنسي في بيروت بجمع آراء نخبة من الشعب اللبناني، وذلك عن طريق توزيع بعض الأسئلة عليهم والحصول على أجوبتهم، وعند الانتهاء يقوموا بإرسال تقاريرهم المختصة في هذا السياق إلى وزارة الخارجية الفرنسية.
وفي ذلك الوقت تجاهل المندوب السامي وجود المجلس التمثيلي المنتخب الذي كان له الحق في تمثيل أبناء الشعب، إلا إنه قام باتخاذ قراراً في العام نفسه بحل المجلس والدعوة لإجراء انتخابات جديدة بحجة أنّ المجلس خالف النهج الذي يسير عليه من حيث أعماله، وعدم كفايته عن حل المسائل التي تعرض عليه،
إنّ أعضاء المجلس احتجوا أمام الفرنسيين على هذا الموقف، إلا إنّ هذه السلطات لم تمنح الأمر أي أهمية، فقد بررت موقفها بأنها استندت کدولة منتدبة إلى المادة الأولى من صك الانتداب، والتي تنص على السماح لها بوضع الدستور بمساعدة السلطات المحلية.
إنّ السلطات المحلية في نظر الدولة الفرنسية هي أداة للتعرف على رغبات وميول المواطنين، وليس من الضروري الأخذ بآراء الرسميين المحليين، إلا أنّ ذلك لم يقنع معظم النواب، مما دفعهم إلى مناقشة الموضوع داخل المجلس، وانتهت المناقشة بالموافقة على اقتراح تقدم به أحد النواب.
والذي ينص على أنّ المجلس التمثیلي يمثل سلطة أعلى من السلطة المحلية في البلاد، لذلك فإنّ من حق المجلس أن تقوم السلطة بعرض القانون الأساسي عليه لدراسته بالاتفاق معها بناءً على صك الانتداب، بحيث وقع على هذا الاقتراح أغلب النواب، بالإضافة إلى قيام فرنسا بتغير المندوب السامي، وتعيين هنری نوجوننیل محله.
وفي تلك الفترة أعلن حاکم لبنان أمام المجلس باسم المفوضية الفرنسية، بحيث أشار أنّ للمجلس النيابي حق الاحتفاظ بحقوق الدولة المنتدية، وفي نفس الجلسة كونت هيئة من داخل المجلس من 12 شخصاً، فكانت مهمتها استشارة اللجان الرسمية والدينية ومختلف الشخصيات في تحديد نوع الحكم ونظام الانتخاب، بحيث تتمكن من وضع دستور يتناسب مع حاجات البلاد.
فقد اشترك في أعمال اللجنة ممثل عن الحكومة وممثل عن المندوب السامي الفرنسي، وفي نهاية ذلك وضعت الهيئة مشروع الدستور وقامت بإصداره، بالإضافة إلى قيامها في عرضه على المجلس لمناقشته ودراسته في عام 1926، فقد أخذت مدت دراسته قرابة 3 أيام، وفي 23 من شهر مايو تم نشر الدستور اللبناني الأول، والذي يعتبر مرتكز الدستور اللبناني المأخوذ به في الوقت الحالي، مع إضافة التعديلات التي تمت عليه.
هيكل الدستور في لبنان:
اتبع الدستور اللبناني في قواعده أحكام الدستور الفرنسي الذي صدر في عام 1875، دون الأخذ بأسباب الاختلاف بين وضع لبنان الذي يختلف بشكل كبير عن وضع فرنسا، بحيث احتوى الدستور اللبناني على مجموعة من الأحكام الأساسية المتعلقة بشؤون الدولة وأراضيها، بالإضافة إلى تحديد الجنسية اللبنانية وحقوق اللبنانيين وواجباتهم، ووضع أحكام مختصة بسلطات الحكم والقواعد الخاصة بعملية تعديل الدستور، بالإضافة إلى الأحكام المتعلقة بالشؤون المالية.