تحديات العلاقة السببية بين العمل والجريمة

اقرأ في هذا المقال


يجب أن تواجه أي دراسة للأثر السببي للعمالة على الجريمة تحديين تجريبيين على الأقل وهم: الأول التجانس والثاني التبادلية أو التزامن، وهذه هي التهديدات للاستدلال السببي التي يمكن أن تحيز بشكل خطير التقديرات التجريبية لاتحاد الجريمة والعمالة.

علاقة العمل بالجريمة وتحدي التجانس

الجريمة ومشكلة الاختيار

تعد مشكلة الاختيار من أخطر التحديات التي تواجه الدراسات الحالية حول العمالة والجريمة، كما إنّها مشكلة التجانس الداخلي لآثار التوظيف على الجريمة، مما يعني أنّ الأفراد الذين يتم توظيفهم (أو يعملون في وظائف عالية الجودة) يختلفون بشكل أساسي عن الأفراد الذين لا يعملون بطريقة تفسر انخراطهم الأقل في الجريمة، فقد يتصور المرء خصائص على مستوى الشخص مثل القدرة والتخطيط والموافقة التي قد تزيد بشكل فردي أو مشترك من احتمال أن يتم توظيف الفرد بأجر ويقلل في الوقت نفسه من احتمال ارتكاب الشخص للجريمة.

تنشأ مشكلة الاختيار عندما يكون من الصعب أو غير عملي ملاحظتها وقياسها، والنتيجة هي تحيز منهجي في التأثير المقدر للعمالة على الجريمة، وعلاوة على ذلك فإنّ اتجاه التحيز في ظل هذا السيناريو يمكن التنبؤ به حيث سيتم المبالغة في تقدير تأثير التوظيف على الجريمة.

وجد سامبسون ولوب أنّ الالتزام المهني الضعيف وعدم الاستقرار الوظيفي من سن 17 إلى 32 عامًا، حيث سيتم التنبؤ به من خلال الجنوح الرسمي والجنوح غير الرسمي (تقدير الذات والوالدين والمعلم) ونوبات الغضب المبكرة (تقرير الوالدين) أثناء الطفولة، كما ربط كاسبي ورايت وموفيت وسيلفا بين بطالة الشباب (الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 21 عامًا) مجموعة متنوعة من العوامل التي تعود إلى مرحلة الطفولة، وكما تم قياسه في مرحلة الطفولة المبكرة (من سن 3-5 سنوات) تم التنبؤ بمدة أطول للبطالة من خلال الحالة المهنية المنخفضة للأسرة وانخفاض الذكاء والأم غير المتزوجة عند الولادة والمزاج الصعب.

كما تم قياسه في مرحلة الطفولة المتأخرة (من سن 7-9) وتم توقع بطالة الشباب من خلال نفس هذه المتغيرات بالإضافة إلى الصراع الأسري والمشاكل السلوكية، وتتمثل إحدى المساهمات المهمة لهذه الدراسات في أنّها تعالج مشكلة الاختيار بشكل مباشر وتحدد العوامل الأساسية المسؤولة عن الفرز التفاضلي للأفراد في سوق العمل وفي كثير من الأحيان قبل ذلك بوقت طويل.

علاقة ضوابط الاختيار بالجريمة

في ظل هذه الظروف يساعد الاستدلال السببي حول طبيعة العلاقة بين العمل والجريمة من خلال توافر البيانات الطولية، والتي تسمح للباحثين بالتغلب على التجانس الداخلي لتأثير التوظيف على الجريمة المنسوبة إلى الفروق الفردية المستقرة زمنياً وما يسمى عدم التجانس غير الملحوظ، فدرست مثل هذه الدراسات الطريقة التي يؤثر بها التغيير في التوظيف على التغيير في الجريمة ووجدت أنّ علاقة العمل والجريمة (على الأقل بين البالغين) لا تصمد أمام ضوابط الاختيار الأكثر صرامة وليست متحيزة بشكل خطير بسبب التجانس الداخلي.

مع ذلك تجدر الإشارة إلى أنّ قوة الارتباط تميل إلى أن تكون ضعيفة مقارنة بالعوامل الأخرى المتغيرة بمرور الوقت مثل استهلاك المخدرات وترتيبات المعيشة (على سبيل المثال الحياة الزوجية والمعاشرة)، وتم التركيز بشدة على نتائج مشكلة الاختيار في أبحاث عمالة الشباب الأخيرة، ف تناولت دراسات باتيرنوستر وآخرون وأبيل وآخرون مشكلة الاختيار باستخدام بيانات طولية عن التوظيف والسلوك المعادي للمجتمع لمدة 3 سنوات.

كما كررت كلتا الدراستين العلاقة الإيجابية بين العمالة المكثفة خلال العام الدراسي والسلوك المنحرف باستخدام الأساليب التقليدية، ومع ذلك وجد كلاهما أيضًا أنّ العمل المكثف كان مرتبطًا بشكل إيجابي بالتأخر فقط عند فحصه عبر الأفراد، ولكن التغيير داخل الفرد في المشاركة في العمل لم يكن مرتبطًا على الإطلاق بالتغيير في السلوك المنحرف واستخدام المواد، وخلصوا إلى أنّ التأثير الإجرامي للعمل المكثف بين المراهقين كان مدفوعًا بعملية الاختيار وليس السببية ويمكن فهمه بشكل أفضل على أنّه ارتباط زائف.

في واحدة من أحدث البيانات حول موضوع توظيف المراهقين استغل أبيل وآخرون الاختلاف بين الدول في قوانين عمالة الأطفال في الفترة الانتقالية من 15 إلى 16 كمصدر لتحديد السببية، كما وجدوا في تحليلهم أنّ كثافة العمل كانت مرتبطة عكسياً بالسلوك المنحرف، أي أنّ الزيادة في المشاركة في العمل من سن 15 إلى 16 التي تُعزى إلى تخفيف قيود عمالة الأطفال كانت مرتبطة فعليًا بانخفاض كبير في المشاركة الجانحين.

وبمجرد معالجة مشكلة التجانس من خلال استخدام البيانات الطولية والمتغيرات الآلية تم العثور على رابطة العمل والجنوح على أنّها معكوسة، وعلى عكس معظم أبحاث توظيف الشباب السابقة ولكنها تتماشى جيدًا مع أبحاث التوظيف والجرائم بين البالغين، وعلاوة على ذلك فإن التقنيات التي استخدمها أبيل وآخرون سمحت لهم بتفسير هذا على أنّه ارتباط سببي.

علاقة العمل بالجريمة وتحدي التبادلية

الجريمة ومشكلة التغذية الراجعة

عادة ما يتم تفسير الارتباط المعاصر العكسي بين التوظيف والجريمة على أنّه التأثير السببي للعمالة على الجريمة، ومع ذلك قد يمثل الارتباط في الواقع التأثير السببي للجريمة على التوظيف وهي مشكلة التغذية الراجعة، وهذه هي مشكلة التبادلية أو تزامن الآثار السببية، حيث يؤثر كل من العمل والجريمة على بعضهما البعض، وتتمثل النتيجة العملية لتحيز التزامن في المبالغة بشكل منهجي في تقدير تأثير التوظيف على الجريمة لأنّ التأثير العكسي المتزامن للجريمة على العمل سيعزى خطأً إلى تأثير التوظيف على الجريمة.

تتوقع نظرية الملصقات على سبيل المثال هذا النوع من تأثير ردود الفعل من الجريمة إلى التوظيف، وهذا هو مفهوم الانحراف الثانوي أو تضخيم الانحراف بين الأشخاص الذين تم توجيه العقوبة تجاههم، فعلى سبيل المثال يشكل الاعتقال أو الإدانة وصمة عار اجتماعية قد تؤدي إلى الاستبعاد من العمل المشروع، وقد لا يرغب العديد من أرباب العمل المحتملين في توظيف الأفراد الذين لديهم سجل إجرامي لأنّه بمثابة إشارة من نوع ما حول نوع الموظف المحتمل أن يكون.

فعلى سبيل المثال قد يكون أرباب العمل حساسين تجاه المسؤولية عن التوظيف الإهمال أو قد يرون أنّ المخالفين غير جديرين بالثقة، وقد يؤدي السجل الجنائي أيضًا إلى إبعاد الأفراد إلى سوق العمل الثانوي أو إلى ما أشار إليه ناجين ووالدفوغل باسم وظائف السوق الفورية بدلاً من الوظائف المهنية، وقد يُعزى هذا التأثير جزئيًا إلى القيود التي تفرضها الدولة على التوظيف في صناعات معينة (مثل التوظيف الحكومي) وتلبية احتياجات العملاء المعرضين للخطر (مثل الأطفال) والترخيص المهني في بعض المهن.

الجريمة وعلاج مشكلة التغذية الراجعة

تؤكد الأبحاث التجريبية أنّ السجل الجنائي في شكل اعتقال أو إدانة أو سجن يعيق بالفعل آفاق العمل المستقبلية للفرد، ويقلل السجل الجنائي من العمالة ويزيد البطالة ويقلل الدخل ويبطئ نمو الأجور ويقلل من حيازة الوظائف ويؤدي إلى تفاقم معدل دوران الوظائف، وبالتالي فإنّ مشكلة التغذية الراجعة حقيقية ويجب أن يكون البحث الذي يدرس التأثير المعاصر للعمالة على الجريمة منتبهًا لتحيز التزامن الذي يبالغ في التأثير الوقائي للعمالة على الجريمة.

إحدى الطرق التي عالج بها الباحثون مشكلة التغذية الراجعة هي من خلال تقدير النماذج المتبادلة للعمالة والجريمة، فأكدت دراسات المعادلة المتزامنة أنّ الارتباط المقطعي بين العمل والجريمة هو مزيج من تأثير العمل على الجريمة وكذلك تأثير الجريمة على التوظيف، وفي هذه الدراسات يتطلب عزل التأثيرات السببية استخدام قيود الاستبعاد (أي المتغيرات الآلية) أو قيود النمذجة الأخرى القادرة على تحديد التأثيرات المتزامنة في النموذج، ففرض ثورنبيري وكريستنسون قيودًا عبر الزمن للمساواة على معايير النموذج لتحديد الآثار المتبادلة للبطالة والاعتقال.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: