لقد انبثق مفهوم التخلف بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مع حصول نسبة كبيرة من الدول المستعمرة على الانفرادية، حيث بدأ استخدامه وكثرة الكتابات بشأنه بداية من الخمسينات، ورصدت خلال عشرة سنة آلاف الأبحاث والمقالات بشأن موضوع التخلف، ذاهبة في كل اتجاه ومنطلقة من مراكز مختلفة وظاهرة متباينة، لدرجة بات يعرقل معها على الباحث تنظيم هذه المعلومات في كل توليفي، يبيّن نظرية التخلف ومفهومه له.
تحديد وتعريف التخلف الاجتماعي
يوجد هناك خلاف بين حول محكات التخلف وحول منظوراته وحول تعريفه، حيث يعود هذا التنازع إلى تعدد من تعاطوا بحث هذه القضية، فبعد أن كانت حكراً على عدد من علماء الاقتصاد، إذا بعدد من الباحثين من متنوع التخصصات يخوضون فيها، وهم علماء اجتماع، سياسية، قانون، تاريخ وجغرافيا، وقد يكون من الغريب أن لا نرى ذكراً بين هؤلاء لعلماء النفس الذين يأتون في العادة متأخرين رغم أهمية إسهامهم.
بات مفهوم التخلف، ونظرية التنمية التي يتمثلها بالأهمية، مختصة بوضعية الدول العالم الثالث، إذ لم يعد من الإمكان اعتبار التخلف عائقة اقتصادية متصلة بنظرة الاقتصاد التقليدي، خارج حدود الزمان والمكان، فلقد كانت دول العالم الثالث تدخل قبل الخمسينات في النظرية والمزاولة الاقتصادية الشائعتين في الدول القديمة، حيث كان يفترض أنه يكفي لزعزعتها، واللجوء إلى الديناميات ذاتها التي زعزعت العالم الصناعي، أي حرية التفاعل الاقتصادي والمبادرة الخاصة، ونشأة الأعمال والمشاريع الصناعية والإنتاجية.
لقد أخفق هذا المنطلق بصورة واضحة في دول العالم الثالث بعد استقلالها، حين ظن أنه يكفي الحصول على أصحاب الأموال الكافية والأطر الفنية المناسبة والإدارة التقنية، كي تنطلق على طريق التنمية، لقد فشلت تماماً نظرية إدارة الاقتصاد انطلاقاً من الوسائل التي نجحت في الدول الصناعية، وبقيت هذه المحاولات في أفضل الحالات جزراً متطوره في محيط من الجمود والبؤس، عاجزة تماماً عن زعزعت المجتمع بأكمله.
هذا الإحباط هو الذي أطلق دراسات التخلف والتنمية، بعد أن بيّنت نوعية حال دول العالم الثالث وخاصيتها، فالدول النامية بوقتنا الحالي متفاوته نوعياً عن بقية العالم، لا كمياً فقط، إنها حالة منفردة في علم الاقتصاد، فرضت اتصال كل من الأوضاع السياسية، من جانب، وعلم الاجتماع من جانب آخر.