تقسيم تاريخ دولة الخلافة العباسية

اقرأ في هذا المقال


تقسيم تاريخ دولة الخلافة العباسية:

حكمت دولة الخلافة العباسية قرابة (524) عاماً (132-656 هجري)/ 750-1258 ميلادي)، وابتدأت بأبي العباس السفاح وانتهت بوفاة المستعصم، حيث زالت على أيدي المغول. ولم تكن هذه الفترة الزمنية على نمط واحد من حيث قدرات الدولة وقوة الخلافة.
اصطلح المؤرخون على تقسيم تاريخ دولة الخلافة العباسية إلى أربعة عصور وفقاً لقدرات الخلافة وتطور أوضاعها السياسية وازدهار الحياة الثقافية والفكرية وهي:

  1. العصر الأول: هو عصر القوة والتوسع والازدهار (132-232 هجري)/(750-847 ميلادي).
  2. العصر الثاني: هو عصر النفوذ التركي (232-334 هجري)/(847-946 ميلادي).
  3. العصر الثالث: هو عصر النفوذ البويهي الفارسي (334-447 هجري)/(946-1055 ميلادي).‏
  4. العصر الرابع: هو عصر النفوذ السلجوقي التركي (447-656 هجري)/(1055-1258ميلادي).

العصر العباسي الأول: (132-232 هجري)/ (750-847 ميلادي)

ابتدأ هذا العصر بخلافة أبي العباس السفاح وانتهى بخلافة الوائق وتميز بقوة الخلافة واستقلالها التام وتركيز السلطات العليا في الدولة بيد الخلفاء الذين تمتعوا بقدرات شخصية وسياسية وإدارية فذَّة استطاعوا من خلالها المحافظة على وحدة الدولة، وإخماد الفتن والثورات التي قامت فى وجهها.

تمتع الفرس في هذا العصر بمكانة مرموقة في الدولة وكان لنفوذهم الواسع تأثير كبير في توجيه سياستها، حتى سيطروا أخيراً على الجهازين الإداري والعسكري في بغداد والأقاليم الخاضعة لنفوذها، فأحكموا قبضتهم على قيادة الجيوش والمناصب الإدارية الكبرى كالوزارة والكتابة والولاية على البلدان.

وكان أفراد الجيش عونا للخلافة وأداة طيعة في يد الخلفاء. وقد ختم هذا الدور بانتهاء عهد الخلفاء الذين كانوا يقودون الجيوش بأنفسهم ويخوضون غمرات ولا يستسلمون لداعي الترف المضني. ومثَّل هذا العصر الزاهي كل من الخلفاء: أبو العباس، المنصور، المهدي، الهادي، الرشيد، الأمين، المأمون، المعتصم، والواثق.

العصر العباسي الثاني: (232-334 هجري)/ (847-946 ميلادي)

ابتدأ هذا العصر بخلافة المتوكل وانتهى خلال عهد المستكفي وتميز بضعف الخلافة وسقوط هيبتها شيئاً فشيئاً حتى تجرأ أمراء الأطراف بالتخطيط للانفصال عنها. وأحكم الأتراك في هذا العصر قبضتهم على أجهزة الدولة. ومنذ عهد المتوكل بدأ الانحلال يتسرب إلى جسمها بفعل ازدياد نفوذهم. وكان هذا الانقلاب من الحكم العربي إلى الحكم التركي: مظهراً من مظاهر الثورة التي شعر بها معظم أجزاء الخلافة وأدت إلى إضعاف سلطة الخليفة ثم تلاشيها في النهاية.

وازداد ضعف الخلفاء في هذا العصر بفعل تفاقم خطر الدول المستقلة التي انفصلت عن جسم الخلافة. فقد قويت شوكة علي بن بويه في فارس. ووقعت الري وأصفهان والجبال في يد أخيه الحسن بن بويه: واستقل الحمدانيون بالموصل وديار بكر وديار ربيعة ومضر. واستقل محمد بن طغج الأخشيد بمصر والشام، واستحوذ نصر بن أحمد الساماني على خراسان.

تقلصت نتيجة ذلك رقعة دولة الخلافة ولم يبقَّ في أيدي الخلفاء إلا العراق وبعض مناطق فارس والآهواز. إلا أن هذه الأقاليم التي ذكرت كانت تسودها الاضطرابات والفتن. وآل الأمر إلى أن يتولى بغداد مملوك تركي أو ديلمي يطلق عليه اسم (أمير الأمراء) له النفوذ التام والسلطان المطلق والولاية العامة وليس للخليفة من الأمر شيء.

إلا أن الخلافة استعادت في الفترة بين عامي (256-295 هجري) قدراً كبيراً من سلطتها وتشمل عهود الخلفاء المعتمد والمعتضد والمكتفي. وقد أطلق على هذه الفترة اسم (صحوة الخلافة) ومثّل هذا العصر كل من الخلفاء: المتوكل، المنتصر، المستعين، المعتز، المهتدي، المعتمد، المعتضد، المكتفى، المقتدر، القاهر، الراضي، المتقي، والمستكفي الذي ملك بنو بويه في عهده.

العصر العباسي الثالث: (334-447 هجري)/ (946-1055 ميلادي)

ابتدأ هذا العصر أثناء خلافة المستكفي وانتهى أثناء خلافة القائم، وتميّز بارتباطه بتاريخ البويهيين الذين كانوا أصحاب النفوذ الحقيقي والسلطان الفعلي في العراق. ولم يكن للخليفة إلا الاسم، وأضحى وكأنه موظف عندهم، يتناول منهم ما يقيم به أوده وليس له حق التصرف في أي أمر من أمور الخلافة دون الرجوع إليهم وأخذ موافقتهم.

لقد فقد الخليفة نفوذه في هذا العصر يؤمر فيأتمر ويُفعل ما يُطلب منه وليس له عليهم من سلطان ديني لمخالفتهم له في المذهب، إنما ارتضوا ببقاء منصب الخلافة خدمة لأغراضهم. وقد وصف البيروني أوضاع العباسيين في أيام بني بويه في هذه العبارة: “وإن الدولة والملك قد انتقل في آخر أيام المتقي وأول أيام المستكفي من آل العباس إلى آل بويه والذي بقي في أيدي الدولة العباسية إنَّما هو أمر ديني اعتقادي لا مُلك دنيوي”. ومثّل هذا العصر كل من الخلفاء: المستكفي، المطيع، الطائع، القادر، والقائم.

العصر العباسي الرابع: (447-656 هجري)/ (1055-1258ميلادي)

ابتدأ هذا العصر أثناء خلافة القائم، وانتهى بوفاة المستعصم، وتميز بانتقال السلطان الفعلي إلى أيدي السلاجقة الأتراك الذين أقاموا في بلاد الجبل. كانت أوضاع الخلافة مع هؤلاء السلاجقة، أفضل منها مع بني بويه، لأنهم احترموا الخلفاء تديناً باعتبارهم على مذهب أهل السنة وأبدوا لهم من مظاهر التعظيم والإجلال ما يقضي به منصبهم الديني.

لم يكن الخلفاء خلال هذا العصر، على نمط واحد من القدرة والتصرف. فإنهم منذ عهد المسترشد شرعوا يستردون بعض نفوذهم الفعلي. واستقلوا بحكم بغداد والأعمال التابعة لها منذ عهد المقتفي واستعادوا نفوذهم منذ عهد الناصر، واستقلوا بحكم العراق ومكثوا ستة وستين عاماً لم يخضعوا فيها لأي سلطان إلى أن قام المغول بتحركهم الواسع منطلقين نحو الغرب يحتلون الممالك ويدمرون المدن حتى وصلوا إلى بغداد فاحتلوها وأسقطوا الخلافة العباسية. ومثّل هذا العصر كل من الخلفاء: القائم، المقتدي، المستظهر، المسترشد، الراشد، المقتفي، المستنجد، المستضيء، الناصر، الظاهر، المستنصر، والمستعصم.

من أوجه الاختلاف بين العصر الأول والعصور الأخرى من حياة دولة الخلافة العباسية، ظهور عنصر جديد هو العنصر التركي، وانتقال الخلافة من المركزية إلى اللامركزية في نظام الحكم، نتيجة قيام دول منفصلة إما انفصالاً تاماً كاملاً أو ذاتياً مع الاعتراف بسلطة الخليفة.

وكان الفرس قد نقلوا نشاطهم إلى الشرق بعد ما تغّلب نفوذ الأتراك ونجحوا في إقامة دول انفصالية في بعض أقاليم الدولة العباسية. فقامت الدولة الطاهرية في خراسان (205-259 هجري) /(820-873 ميلادي)، وأسس يعقوب بن الليث الصفّار الدولة الصفّارية على أنقاض الدولة الطاهرية (254-298 هجري) /(867-911 ميلادي)، وأسس السامانيون دولتهم على أنقاض الدولة الصفارية (261-389‏ هجري)/(874-999 ميلادي)، وسقطوا في أواخر القرن الرابع الهجري؛ أي العاشر الميلادي.

وحل محلهم الغزنويون وأقاموا الدولة الغزنوية (351- 582 هجري)/(962- 1136 ميلادي)، وسيطر البويهيون على فارس والعراق والأهواز وكرمان وأقاموا الدولة البويهية (334-447 هجري)/(946-1055‏ ميلادي)، وقضى الأتراك السلاجقة على الدولة البويهية في العراق ودخل طغرلبك السلجوقي مدينة بغداد واستقل بها وأسس سلطانه على أنقاض سلطان البويهيين.


شارك المقالة: