الحسبة والاحتساب:
اهتم الملك عبد العزيز بالحسبة وشؤونها، كما اهتم كذلك بمسألة بعث الدعاة والمرشدين إلى مختلف أنحاء البلاد، فقد وجهة العديد من الآيات والأحاديث النبوية إلى العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات، فذلك يقوم في الأصل على تطبيق مبادئ الإسلام العظيمة؛ ونتيجة لذلك حرص المسلمون على القيام بشؤون الحسبة والاحتساب على مختلف الفترات والدول الإسلامية.
معاهدة عام 1157 هجري:
في عام 1157 هجري تعاهد الإمام محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب على نصرة قواعد الدين الإسلامي، وتأسّست بذلك الدولة السعودية الأولى التي عرف عن أئمتها الحرص على أمور الحسبة والدعوة والدعاة، وكذلك الحرص على القواعد الإسلامية، حيث سار الأئمة من آل سعود في الدولة السعودية الثانية على تلك المبادئ الإسلامية الحميدة، ولم تكن الدولة السعودية الثالثة أو الحديثة ومؤسّسها الملك عبد العزيز ببعد عن هذه القواعد التي أصبح الالتزام بها وتطبيقها سمة تميز هذه البلاد وحكامها وشعبها.
فمن المعرف أنّ الشيخ عبدالعزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ كان يتصدى للحسبة، ولكن عندما قام الملك عبد العزيز باسترداد الرياض وتمكن من ذلك أقرّ الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف على عمله في الحسبة والاحتساب وأيده في ذلك، بحيث استمر الشيخ عبد العزيز في القيام بتلك المهمّة، فكان إذا علم أنَّ شخص قد ارتكب خطأ، بعث إليه أحد الحاضرين عنده، وأمره بإن يأتي به إليه، فإذا أتی نصحه بالبعد عن ذلك التصرف تصرفه وهدده بالعقاب، وبعد هذه المقابلة كان المذنب لا يعود لفعلته أبداً.
وفي معظم الوقت كان الشيخ يستخدم عقاب شديداً مثل الجلد في حالة عودة المذنب إلى ذنبه، ومع توسع مناطق الحكم السعودي وازدياد الاستقرار ازداد اهتمام الملك عبد العزيز بالحسبة والاحتساب، وشد من أزر الشيخ عبد العزيز وطالبه أن يستمر بعمله، وأعطاه مزيداً من المهمات، وأمده بمجموعة من الدعاة الآخرين ليكونوا سنداً له، منهم الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ، والشيخ عبد الرحمن بن إسحاق آل الشيخ، وكان ينضم إلى هؤلاء بعض المتطوعين من طلبة العلم وغيرهم.
وقد كان المحتسبون على مختلف درجاتهم ورغم قلتهم في ذلك الوقت، فقد كانوا مسيطرين على ما طلب منهم من مهام، فيأمرون وينهون ويقيمون الحدود وغيرها من أعمال العقوبة، وذلك بدعم وتشجيع من قبل الملك عبد العزيز ووالده الإمام عبدالرحمن، وإشراف الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف، الذي كان يعد المرجع الأساسي للقضاة والمحتسبين في ذلك الوقت، وبعد وفاة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ عام 1345 هجري قام الملك عبد العزيز بتكليف الشيخ عمر بن حسن بتولي إدارة شؤون الحسبة في نجد.
حيث تمّ إضافة هيئات إلى رئاسة الشيخ عمر بن حسن في جميع المنطقة الشرقية والحدود الشمالية ووادي الدواسر، وجميع بلدان المنطقة الوسطى وحائل، أمّا عن الهيئات في الحجاز فقد بدأت بالشكل المستقل من حيث الإدارة والتنظيم عن الهيئات في نجد، واستمر ذلك التقسيم إلى أن تمّ تكوين وتنظيم الهيئات في الدولة السعودية في عام 1373 هجري، ويرى الدكتور طامي البقمي في کتاب التطبيقات العملية للحسبة في المملكة العربية السعودية أنّ ذلك التقسيم للهيئات في كل من نجد والحجاز، بأنّ له مبرراته وأسبابه وظروفه في ذلك الوقت، وربما يكون لنفس هذه الأسباب والدواعي تمّ إعادة تنظيم العديد من الأنظمة للهيئة في الحجاز، ولم توضع طريقة منظمة لعمل الهيئة بمنطقة نجد.
إنّ أعمال الاحتساب في نجد مقررة ومتعارف عليها بين من يقومون بأمر الاحتساب في نجد، فلم يكونوا بحاجة إلى نظام، وعلى العموم فإنّ الإشارات التاريخية تدل على أنّ الملك عبد العزيز اهتم بالحسبة كل العناية بعدما قام بضم الحجاز واستقرار الأوضاع فيها، حيث قام الملك عبد العزيز في أثناء دخوله إلى مكة المكرمة بالطلب من الأعيان والعلماء في خطابه العام الذي ألقاه بحضورهم الاهتمام بهذا الشأن وتنصيب من يرونه مناسب للقيام بهذه المهمة.
في ذلك الوقت قام الملك عبد العزيز بتكليف العديد من العلماء وطلبة العلم بالعديد من المهمات الخاصة في الحسبة والدعوة، وإزالة بعض المظاهر العقدية الباطلة التي كانت موجودة في المنطقة قبل ضمها وتوحيدها واعتبارها قسم مهم من أقسام الدولة السعودية، وكان من ذلك قيامه بتكليف الشيخ عبدالله بن بليهد بالإشراف على الهيئة الخاصة المكلفة بإزالة بعض المظاهر التركية المخالفة للدين، ومن ذلك القباب الموجودة في بعض مناطق الحجاز، وتكليف الهيئة بإزالتها بعد دخول المنطقة في الحكم السعودي.
ويختم الملك عبد العزيز خطابه للشيخ عبدالله البليهد بتعليمات صرف مبالغ مالية تدل على محبته للخير والبذل فيه، وهذه التعليمات تشير إلى بعض المبالغ الموجودة مع الخطاب والتي بعث بها الملك عبد العزيز للصرف على موظفي الحرم، وعلى بعض الفقراء والمحتاجين، حيث يقول : ولاهتمام الملك عبد العزيز والرغبة لتنفيذ الأوامر الملكية بتأسيس الهيئة لتشاور العلماء فيما بينهم عن كيفية تأليف الهيئة و تحديده الأمور المطلوبة بها والمهام الملقاة على عاتق رجالها، ورفع الشيخ ابن بليهد إلى الملك خلاصة تلك الآراء.
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
فقام الملك عبد العزيز في إصدار أمر بتأسيس أول هيئة رسمية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة وذلك في عام 1345 هجري، ووضعت الهيئة تحت إشراف مباشر من رئيس القضاة الشيخ عبدالله بن بليهد، ووكل إلى هذه الهيئة القيام بمراقبة تنفيذ الشرع وإقامة الشعائر، ولا تتبع الأمور من ناحية المعاملات والعادات فيتوافق على ما قرره الشرع وما يتعارض معه يتم إزالته، ومنع الإساءة اللسانية المعتادة في السوق، فقد حث الناس على أداء الصلوات الخمس جماعة، ومراقبة المساجد من جهة أئمتها ومؤذنيها ومواقبتهم وحضور الناس بها.
كما أكّدت التعليمات الصادرة بإنشاء تلك الهيئات على أن تتخذ جميع الوسائل والطرق اللازمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا صعب عليها أمر من الأمور، قامت برفع مذكرة إلى أولي الأمر لتنفيذه أو تعديله، وإضافة إلى تلك الهيات وقيامها بمهامها المطلوبة منها، وحرصاً من الملك عبد العزيز على تنظيم أمور الحسبة وما يتعلق بها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بقية البلدان في الحجاز لمواكبة الحاجات المتزايدة .
في عام 1346 هجري أصدر الملك عبد العزيز أمر ملكي بتأسيس عدد من الهيئات الرسمية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكون مراكزها في كل من: مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة والطائف وينبع، بحيث أتاح ذلك الأمر الفرصة للجهات التنفيذية بأن يكون عدد أعضاء كل هيئة من الهيئات المذكورة على قدر حاجتها، كما اشترط النظام الخاص بتكوين الهيئات أن يكون العضو المعين فيها من أصحاب العلم الشرعي ويتمتع بصفات وأخلاق حميدة.