تنظيم الإقطاعات الأيوبية وأصنافها

اقرأ في هذا المقال


إدارة الإقطاع الأيوبي:

كان السلطان الأيوبي هو مصدر الإقطاع فهو المسؤول عن منح الإقطاعات للأمراء والأجناد وفق منشور كتب له، ويحدد مقدار إقطاعه وفيه النصوص الواجب الالتزام بها وليس لنائب السلطان مدخل في تأمير أمير إلا بموافقة السلطان الذي يعين الأمراء ويقطعهم الإقطاعات.

وكان يخصص لأولاد الأمراء الإقطاعيين رواتب ومؤن حتى يؤهل للإقطاع. يقول القلقشندي (اذا انشأ لأحد الأمراء ولد اطلق له دنانير وخبز ولحم وعليق إلى أنّ يتأهل للإقطاع). إنَّ توزيع الإقطاعات وتركيبها وتحديد دخلها كان يتم بواسطة ديوان الجيش وكان المسؤول عن النظر في (أمر الإقطاعات بمصر والشام والكتابة بالكف ومشاورة السلطان عليها وأخذ خطة). ويشمل ذلك الأجناد السلطانية والأمراء وأجنادهم، يذكر ابن الفرات عن ذلك الديوان (فلا يعمل فيه إلا ما يقطع للأجناد). يقوم هذا الديوان بتسجيل أسماء الأمراء المقطعين وجميع أفراد الجند في سجلات خاصة تعرف بالجرائدة.

كانت هناك دواوين محلية إقطاعية في بعض الأقاليم إلى جانب ديوان الإقطاع المركزي، كان عمل موظفي هذا الديوان تثبيت أسماء أصحاب الإقطاعات على اختلاف رتبهم وأسماء أفراد الجند السلطاني وجيوش الأمراء وابتداء أمرهم، وعدد الجنود الذين يجمعهم الإقطاع وأمام كل اسم دخل إقطاعية ويعمل الديوان على تثبيت الإقطاعات في كل اقليم وما بها من ضياع ومزارع والدخل المالي لذلك الإقليم وما متحصل منه.

كما تثبت أسماء الجند الذين يتناولون أرزاقهم رواتب نقداً لا إقطاعاً في سجل خاص، فكان معظم الجنود من الأكراد والتركمان في الجيش الأيوبي يحصلون على رواتب أضافة إلى الخلع. وفي رواية نقلها أبو شامية، تقول (فأراه جرائد الأجناد ومبالغ إقطاعاتهم وتعيين جامكياتهم (الرواتب)، ورواتب نفقاتهم).

لقد استهدف صلاح الدين من نظامه الإقطاعي تنظيم العلاقة بين المقطعين والفلاحين من أجل إقامة العدل، فقد حددت الضرائب والرسوم التي يدفعها الفلاح للأمير المقطع وقد نصت المناشير الإقطاعية على المقطعين باتباع العدل بالرعية والأمر بالمعروف والنهي عن أخذ الرشوة والمحافظة على الأمن وحياة الفلاحين وعمارة الإقطاعية بأحسن ما يكون وكان على الفلاحين، أنّ يقوموا بعملهم خير قيام من عمارة الأرض وتهييأها للزراعة وسقيها وجمع الغلال والمحاصيل في موسمها.

ومن أجل ذلك فقد انتهج السلطان صلاح الدين أسلوباً جديداً ميّز النظام الإقطاعي الأيوبي عن سابقيه عن طريق إعادة توزيع الإقطاعات وتحديد مساحتها ودخلها بما يتلائم، والظروف المستجدة نتيجة أسباب طبيعية كظاهرة الجفاف والفيضانات وعوامل اخرى.

يذكر المقريزي في عام (575 هجري)، قام صلاح الدين بإعادة توزيع الإقطاعات استمر حكم السلطان صلاح الدين في هذه السنة في أمور الإقطاعات ومعرفة عبرها النقص منها والزيادة وإثبات المحروم وزيادة المشكور، ويبدو أنَّ إعادة التوزيع الإقطاعي خضع لعوامل عديدة منها ما هو سياسي من منح الموالين وإبعاد المناوئين، أو عجز بعض المقطعين عن دفع ما عليهم، أو تذمر الفلاحين نتيجة كثرة ما طلب منهم من الرسوم والضرائب، ومن أجل ذلك اتخذ الروك الصلاحي سنة (571 هجري).

أنَّ الجانب الاقتصادي له أهمية في هذه العملية، إذ أنَّ الأرض تحتاج إلى عمارة واعتناء بها كذلك إنَّ وسائل الري تحتاج إلى صيانة مستمرة، وهذا الأمر يتطلب مبالغ كبيرة يصرف عليها وفي بعض الأحيان تصل الحالة بالمقطع إلى عدم قدرته على الاعتناء بالإقطاعية بسبب مشاغلته بالحرب أو لكبر سنة أو نتيجة قلة الأيدي العاملة.

وكان السلطان صلاح الدين قد اعتاد على تكرار عملية إعادة توزيع الإقطاعات فقد أشار أبو شامة في حوادث (571 هجري)، قال: (وفيها شرع السلطان بإقطاع البلاد والتوقيع بها على الأجناد)، وبذل السلطان الكامل بن الملك العادل جهوداً كبيرة في هذا المجال الذي شدد على المقطعين في الحفاظ على الإقطاعات وصيانة مشاريع الري ومن يهمل ذلك وجب عزله.

واجبات المقطع الأيوبي:

كان على المقطع واجبات مالية باعتبار أنَّ الإقطاع مورداً من موارد الدولة الأيوبية وهو أنّ يدفع المقطع إلى ديوان الإقطاع المركزي ما متفق عليه من دخل إقطاعه، ويكون الدفع نقداً أم غلة، مثلاً كان الملك العادل يدفع للسلطان من إقطاعه في الصلت والبلقاء والقدس ستة آلاف غراره غلة تحمل السلطان، ويكون كالدفع بما يُناسب وحجم الإقطاعية.

وكان يطلق على هذا الدخل (العبرة) وهي مقدار ما تغله في السنة وقد تختلف العبرة من إقطاع إلى آخر فمثلاً إنَّ عبرة إقطاع الملك العادل كان سبعمائة ألف دينار في السنة، وكان عبرة إقطاع الملك شمس الدولة أخو صلاح الدين من إقطاعه في قوص وأسوان وعيذاب مائة ألف دينار وستة وستين ألف، وكان ذلك سنة (565 هجري).‏

وكانت عبرة نابلس (300 ) ألف دينار ثلثها يصرف على مصالح القدس والثلثين للأمير عماد الدين بن المشطوب. وكان مبلغ عبرة إقطاع الملك تقي الدين عظيماً بالديار المصرية.
يذكر صاحب مضمار الحقائق، أنَّ مقدار ما يرفع من الأعمال المصرية كالآتي:

  1. الجيزة وعبرتها (‎(400‏ ألف دينار.
  2. الفيوم (‎(300‏ ألف دينار.
  3. قاي فايان وبوش (‎(70‏ ألف دينار عوض عن بوش بالواحات وسمنور وكانت عبرتها (‎(60‏ ألف دينار وقوة والمزاممتين (40) ألف دينار حرف ورمسيس (‎(30‏ ألف دينار وكانت له الأسكندرية (‎(1500‏ دينار تدفع له شهرياً.

أصناف الإقطاعات الأيوبية:

أما الاقطاعات الأمراء فكانت تحدد عبرتها حسب رتبهم (ويتناقض باعتبار إنحطاط الرتبة). الفئة الأولى كانت تشمل كبار الأمراء وكان مبلغ إقطاعهم مائة ألف دينار وربما زاد عليه وأمراء الطبلخانة ثلاثين ألف دينار وأمراء العشرات التسعة آلاف دينار ومقدمي الحلقة (‎(1500‏ دينار.

وكان يأخذ من الفدان الإقطاعي من (2.5 – 3 أردب)، ويحصل من الأردب من (2 – 3) دراهم، ويلزم بعض الفلاحين تأدية بعض الضرائب للإنفاق على الإقطاع. وهناك رسوم أخرى مثل رسوم الحراسة وإصلاح الجسور ورسوم الكيالة والمراعي والأتبان، وكان على المقطع ألا يتصرف بكل خراجه إلا بموافقة السلطان ونص المنشور على ذلك فمثلا عام (578 هجري)، أقطع تقي الدين عمر الإسكندرية ودمياط ثم أضيفت إليه البحيرة والفيوم ويوش على أنّ يكون واردها خاصة لا يدفع منه شيئاً.

كان على المقطع مسؤولية تامة في إدارة إقطاعية من حيث إشرافه على زراعة الأرض واختيار الفلاحين والحفاظ على قنوات الريّ والجسور والحفاظ على أمن الإقطاعية، وفي موسم جني المحصول كان الإقطاعي يشرف بنفسه على حصاد المحصول وتكديسه وتخزينه، هذا الأمر يتطلب تفرق العساكر السلطانية في إقطاعاتهم ذلك الموسم.

هذا الأمر شكل نقطة ضعف في الهيكل التنظيمي العسكري الأيوبي إذ أنَّ العناصر المناؤئة لحكم الأيوبيين استغلت هذه الثغرة لتحقيق أهدفها وهذا ما حدث في عام (569 هجري)، عندما تفرقت العساكر الأيوبية في إقطاعاتهم فأنتهز أنصار الفاطمين هذه الفرصة وأعلنوا الثورة إلا أنَّ مؤامراتهم قد انكشفت، وكذلك عندما هاجم الأسطول الحقلي على الإسكندرية تلقى المدافعين إمدادات من أصحاب الإقطاعات المجاورة للإسكندرية.

يبدو أنَّ سلاطين الأيوبيين اتبعوا المنهج ذاته الذي طبقه الوزير السلجوقي نظام الملك في فترة الإقطاع وعدم تركيزه في مكان واحد، لأمور سياسية وعسكرية خشية من تكتل المقطع وتكوين جبهة مضادة على حساب السلطة المركزية. والأمثلة كثيرة أبرزها إقطاعات الملك العادل في مصر والشام.

أما الواجبات العسكرية فكان على الأمير الإقطاعي أنّ يتعهد بتقديم عدد من الجنود كاملي العدد والعدة للقتال إلى جانب قوات السلطان الأيوبي زمن الحرب وهو أمر تعهد به المقطع قبل حصوله على توقيع بالمنشور الذي يضمن له الإقطاع، تختلف الروايات في عدد الفرسان الذين يجب أنّ يقدمهم الأمير الإقطاعي ففي سنة (592 هجري).

أقطع الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين الأمير فارس الدين ميمون القصري مقطع نابلس وحدد له عدد الفرسان الذين يجب أنّ يقدمهم لقتال الصليبين بسعمائة فارس (الذين من أمراء الظاهر غازي بن صلاح الدين وكانت له صيداً أقطاعاً قبل أنه يقطع نابلس)، وفي سنة (627 هجري)، رتب الملك الكامل بن العادل صاحب مصر نائبه في الشام الأمير شمس الدين صواب العادلي وجعل تحت أمره ثلاثمائة وخمسين فاراساً إضافة إلى إعطاء إقطاع مائة فارس.

إذا دخل المقطع بهذا الشرط سحب منه إقطاعه ففي عام (587 هجري)، أقطع السلطان صلاح الدين إقطاعات من هرب من الأمراء أثناء حصار عكا. كذلك أخذ العزيز عثمان بن صلاح الدين إقطاعات الأمراء الذين في الشام نتيجة عدم تقديمهم ما مقرر عليهم من الجنود.

المصدر: ❞ كتاب الإقطاع في الدولة العباسية ❝ مؤلفه د. محمد حسن سهيل الدليمي صفحة (191 – 200).❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفه سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث.❞ كتاب الخلافة العباسية في عهد تسلط البويهيين ❝ مؤلفته د. وفاء محمد علي. ❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفه د.محمد سهيل طقوش.


شارك المقالة: