ثقافة التعايش وقبول التنوع الثقافي:
تطرح العديد من الأسئلة التي يبحث عنها العلماء المختصون بعلم الاجتماع ومن هذه الأسئلة أنه كيف يتم تكون المجتمعات المتميزة الراقية والمتقدمة؟ وما هي الأسس التي قامت بتوصلها لهذه النتيجة؟
وقد أكد المتخصصون بذلك المحتوى أو بعضهم قد تحدثوا بأن الاختلاف في المجتمعات يتطلّب طرازاً قوياً مترابطاً من التعايش بين العناصر المتنوعة للمجتمع، وما تقدم المجتمعات المتطورة اليوم إلى ما حققته إلا من خلال اعتماد مبدأ التعايش بين مكونات المجتمع الواحد.
ولا يوجد أي شك بأن التأقلم لا يمكن أن يتكون بشكل ذاتي، أي أنه لا يبني نفسه، بل هناك الكثير من الأجزاء والعوامل التي تشترك في تكوينها وبنائها أهمها مبدأ الاحترام، والرأي واحتواء الاختلاف، وباعتباره عاملاً يقدم المساعدة لتنمية الأواصر الاجتماعية وتطويرها، كما أن أهم مؤشرات النضوج المجتمعي، هو احترام الرأي الآخر، وحتى لو كان مختلف القبول.
مع أهمية التعامل معه بطريقة حضارية، تدل على مدى اتساع البال والنفس والعقلية التي يحملها الإنسان، ويزن بها الأفكار والأشياء وأنماط الحياة التي تختلف عن حياته وأفكاره وقناعته، إذاً لا ينبغي لنا أن نتعاون مع الفكر المختلف، لكن لا يصح لنا نسفه أيضاً بأية حال، بل علينا قبوله والتعامل معه بحيادية من دون أن نعمل به، أو تقبل فرضه علينا من قبل الطرف الآخر.
مثلما لا يجوز لنا إطلاقاً أن نفرض رأينا على الآخرين، أو نحسبهم ممن لا تصلح آراءهم في أي محتوى كان وتقصيهم خارج ساحة التفاعل المتبادل، ولا يجوز أيضاً أن نعلن أن رأينا هو الأنسب وهو الذي يكمن فيه الصحيح حصراً، لاغياً بذلك أي حضور وتفاعل ومشاركة للآخرين في إدارة شؤون المجتمع المختلفة، فهذا في الحقيقة نوع من عزل الآخرين وتهميشهم، والاستحواذ على صناعة القرار، وانتفاء العدالة، إذا ما ضعف أو غاب مبدأ التعايش بين مكونات المجتمع.
أهمية التعايش في المجتمع:
ومن الأدلة والأساليب التي تضع المجتمعات المتطورة في الصدارة دائماً، هو تطبيق هذا المبدأ على الواقع، بالإضافة إلى أهمية أن يتفق المعنيون من مفكرين وسياسيين وغيرهم، على أن درجة التعايش بين مكونات المجتمع، هي المعيار الأكثر دقة على مدى تحضّر ذلك المجتمع.
بمعنى آخر، كلما كان المجتمع ومكوناته أكثر تهيؤاً للتعايش والترابط والتقارب والتناغم، كلما كان المجتمع أكثر تطوراً وتقدماً واستقراراً واقتراباً من كمال التحضّر، في العيش والتفكير والسلوك على نحو عام.
لذلك تقوم المجتمعات بإدراك أهمية نشر ثقافة التعايش بين صغار السن أولاً، وبعد ذلك إلى الفئات العمرية الأخرى، ولكن هي تقوم بضمان نشر هذه الثقافة بين الأطفال في البداية؛ لكي ينمو الإنسان وهو يحمل في نموه الفكري والسلوكي، ثقافة التعايش والاندماج في المجتمع.
وهكذا تمكنت كثير من الشعوب من التخلص من حالات الاحتقان المجتمعي بسبب اختلاف المكونات من حيث طبيعة الانتماء، ولكن درجة تحضّر تلك المجتمعات وتمدنها، جعلها أكثر قدرة على الاندماج السريع، وفض الخلافات عن طريق القيمة الارقى من بين قيم التقدم إلا وهي قيمة التعايش التي تمحو حالات الصراع.
وتتغير حالات التعصب والصراعات إلى حالات انسجام وتفاهم ووعي، مما يخلق حالة من الاستقرار الدائم والقوي وهذا بدوره يشجع على الإبداع وتنمية المواهب والقدرات الكامنة في دواخل الإنسان.
على العكس من ذلك ما إن لو كانت الأجواء محتقنة ومتوقفة بين عناصر المجتمع، إذ يؤدي هذا إلى قتل المواهب وتبعثر الطاقات واندثارها، بسبب حالات الصراع والتراكمات المتلاحقة التي يعاني منها المجتمع الذي لا يؤمن بالتعايش ولا يعمق هذه القيمة الكبيرة.
أما الطريقة التي يتم من خلالها نشر مبدأ التعايش بين مكونات المجتمع بدايةً من الأطفال، فإن الأمر يتطلب جهداً وتخطيطاً دقيقاً وتنفيذاً مخلصاً من لدن الجهات المعنية، لا سيما الجانب الحكومي والجهات التعليمية التربوية المعنية.
وبالإضافة إلى المؤسسات والمنظمات التي تبرز بنشر مبادئ المحبة والسلام والتسامح بين أنماط الشعب جميعاً، ولا شك أن المجتمع من المستحب له أن يدعم هذا الاتجاه وتقديم التسهيلات اللازمة للجهات الفاعلة والناشطة في هذا المجال.