الثقافة الدينية للملك عبد العزيز آل سعود

اقرأ في هذا المقال


نبذة عن الثقافة الدينية للملك عبد العزيز آل سعود:

لكي تكتمل الصورة الواضحة عن الملك عبد العزيز، وعن فكره الإسلامي وعن ثقافتة في أحكام الشريعة لا بدّ أن نشير هنا عن ثقافة الملك الدينية، في هذا السياق سنتناول الجانب الشخصي في سيرة الملك، وفي أقواله وأفعاله التي تظهر في الوضوح، حيث كان إماماً في تقواه في أثناء حكمه، وكان داعياً إلى الله في كل كلامه، هذه الصفات لا تتوفر في جميع الحكام والملوك، كان الملك عبد العزيز آل سعود يُبدي اهتماماً في الدين، وبه اعتنى في جميع أحواله ومواقفه، كان الملك يضبط علاقته مع الناس من خلال الدين، لأنه اعتبر  أنّ الدين أساساً للحياة وركيزة كبرى في حياة البشرية، وقد ذكر عن الملك عبد العزيز آل سعود أنّه قام في حبس أحد ابنائه الصغار؛ لأنه لم يصلِي صلاة الصبح جماعة.

كان الملك عبد العزيز حريصاً على تربية أبنائه على التقوى والتوحيد، إنّه جانب يهتم به الملوك في العصر الحديث، حيث كان الملك عبد العزيز نفسه من الدعاة إلى التوحيد، والدعاة إلى التمسك في الأحكام الشرعية، وسير على مبادىء الإسلام، وآدابه في الكلام إلى الناس  وإلى معاونيه، بالإضافة إلى علاقاته مع غيره من الحكّام والسلاطين.

وفي يوم من الأيام قام أحد الناس في الخطب أمام الملك عبد العزيز في عيد الأضحى، فأشار إلى فضله في تحقيق الأمن في جميع البلاد، وعلى الرغم من أن ذلك مقبولاً عند جميع السلاطين والحكام، أراد الملك عبد العزيز في تقواه وخشية من الله أن يرد الأمر إلى حقيقته فقال: ” إنّ هذا إلا نعمة من الله أنعم بها على أهل بلادي”.

وفي سنة 1345 هجري الموافق 1926 ميلادي قام الملك في الخَطب في أهل مكة المكرمة يقول به: “تكاثرت ولله الحمد وهذا ليس بفعل مخلوق، إنّما هي من نعم الله عز وجل، ويقول أيضاً بأنّ هناك نعمة حقيقية لا تزول، وهي الاعتقاد بأنّ لا إله إلا الله، وهذه النعمة موجودة في كل مكان، ولكنها لهذا البلد المبارك لازمة؛ لأن الحسنات والسيئات تتضاعف بها”.

وفي الموافق من عام 1927 ميلادي ألقى الملك عبد العزيز خطاباً لأهل المدينة يقول به: “إنني خادماً في هذه البلاد العربية لنصرة الدين، وأيضاً خادماً للرعية، ونقوم الوقف في وجه ظالمهم، ونقدم النصح لهم، ونقوم في السهر على تحقيق مصالحهم، وهكذا نكون قد صنّا الأمانة، نحن لم يهمنا ليوم الألقاب والأسماء، وإنما يهمنا القيام في حق واجب التوحيد، والنظر في الأمور التي تحقق الراحة والأمان.

يقول الملك عبد العزيز أنّ إنصاف الضعيف، وأخذ حق المظلوم، من أهم صفات الملك الدينية الناجحة، ويقول أنّ الملك خادم لرعيته، ويعتبر الملك عبد العزيز نفسه مبشراً في دين الأسلام ويقوم في نشره بين الأقوام، ويضيف أيضاً أنه داعيةٌ للعقيدة الأسلامية، التي جاء بها التمسك في كتاب الله، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والأخذ بما جاء عن الخلفاء الراشيدين، وأما ما كان ليس موجوداً بها فيقوم في الرجوع إلى ما جاء في الأئمة الأربعة وأخذ منها ما فيه خير للمسلمين، ويقول الملك أنه مسلم، ويحب جمع كلمة إسلام ومسلمين، وأنه عربي، ويحب توحيد العرب وتآلف كلمتهم، ويقول أيضاً أن دستوره وقانونه وشعاره ونظامه هو دين محمد صلى الله عليه وسلم.

وفي خطاب للمك  عبد العزيز في مكة المكرمة يتحدث ويقول: “يطلقون علينا اسم الوهابيين، ويطلقون على مذهبنا الوهابي، واعتباره  الخامس، وكل ذلك خطأ كبير، فكان ذلك إشاعة كاذبة أطلقها أهل الأغراض، فنحن التابعون إلى هذا المذهب وليس جديداً أو عقيدة جديدة، فلم يقم محمد بن عبد الوهاب بشيء جديد، فكانت عقيدتنا وما زالت عقيدة السلف الصالح التي ذكرت في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فنحن نحترم الأئمه الأربعة المَالك،الشافعي،وأحمد، أبو حنيفة.

وقد ورد في الكتب، والمصادر التي تتناول سيرة الملك عبد العزيز الكثير من الأقوال والخطب التي قام بها، ولا نستطيع الاشارة لها جميعها، ولا حصرها هنا، ولكنها تمثل فكر ملك عربي مسلم، كان الإسلام مترعرع في قلبه، وكانت نفسه ممتلئه في العروبة والافتخار بها. وهنا يكفينا أن نشير إلى العيد من أقواله التي توضح عن فكرة الأسامي وثقافته الدينية، وعن صفاته باعتباره حاكم مسلم. ومنذ أن بدأ العصر الحديث وقبل عهد الملك عبد العزيز لم يسمع المسلمون من حكامهم أمر عن الدين كما ذكر ذلك الملك عبد العزيز، ولو قمنا في جمع ما قاله الملم عن الدين والإسلام والعقيدة ومبادئه الدينية، لكانوا ملوك البلاد العربية الإسلامية في فترة حكمه، لم يعد شيء مذكوراً إلى جانب أقواله، فقد كان الملك المتفرد من بين الملوك، والحكام  على إدراك ووعي بامور الدين والعقيدة.

كان أغلب ملوك العرب وحكامهم في فترة عهد الملك عبد العزيز آل سعود، يطبقون الثقافة الغربية في السياسة والاجتماع، حيث كان الملك عبد العزيز يستمد فكره الديني من أعظم ما يملكه المسلمين، فكان ذلك مستمد من الشريعة الإسلامية والعقيدة التوحيد، حيث كان الدين بالنسبة له عبادة وسياسة وإصلاح، وكانت العروبة في النسبة له اعتزاز في التقاليد التي جاء بها الإسلام.

أقوال ومأثورات الملك عبد العزيز الدينية:

نشير  هنا إلى بعض الأقوال للملك عبد العزيز آل سعود التي تعتمد على قوة الإيمان، وسلامة فكرها ومنطلقها: “إنني والله لا أحب إلا من أحب الله حباً خالصاً من الشرك به، وأنا واالله لا أعمل إِلّا لأجل ذلك، واالله، ثم واالله إِني لأفضل أن أكون على رأس جبل آكل من عشب الأرض، أعبد االله وحده، على أن أكـون ملكاً على سائر الدنيا، وهي على حالتها من الكفر”ويقول أيضاً: “لم يقاتلونا إِلا لأننا امتنعنا أن نقول للسلطان بأننا “عبيد أمير المؤمنين ” لا لا لا، لسنا عبيداً إلا لله تعالى”. ويقول الملك عبد العزيز أنه يحب السلم، ويسعى إليه، فاذا بلي صبر، ويقول إذ لم يبقى في البلاد إلا مترع، لقام ودافع عن الدين والأوطان، وهنا لا يكون إلا أحد الحسنين، ويقول إِما السعادة، وإِما الشهادة، وكلاهما نعمة من االله “.

ويخاطب الملك كبراء الناس وفادتهم: “يجب عليكم أن ترفعوا إِليَّ كل ما يتظلم الناس منه، وترشدونني إِذا رأيتموني ضللت عن طريق الحق، وإِذا لم تفعلوا ذلك فأنتم المسؤولون، فو االله إِذا رأيت الحق أتبعه، لأنني مسترشد، وأما من رأى شيئا وكتمه، فعليه لعنة االله والملائكة والناس أجمعين. ويقول الملك: “لقد فتحت هذه البلاد، ولم يكن عندي من العتاد سوى قوة الإِيمان وقوة التوحيد”. ويقول: “ليتفق المسلمون فيما بينهم على العمل بكتاب االله، وسنة نبيه، وبما جاء فيهما، والدعوة إِلى التوحيد الخالص، فإني حينذاك أتقدم إِليهم، وأسير وإِياهم جنباً إِلى جنب في كل عمل يعملونه، وكل حركة يقومون بها، واالله إنني لا أحب الملك ولا اهتم به، ولا أبغي إِلا مرضاة االله، والدعوة إِلى توحيده.

الفكر الديني للملك عبد العزيز:

عندما طلبت الأمم المتحدة من الدول التي في عضويتها أن ترسل إِليها بنسخة من دستورها، قال الملك بأن القرآن الكريم هو أساس  البلاد، وقـانون التوحيد، وكفي بذلك دليلاً على إِخـلاصه الله، ودعوته إليه، واعتزازه بالإِسلام.  وفي العصر الحديث، لم يكن الحديث عن الإِسلام بمثل هذا الاعتزاز والفخر والتمسك به في كل شؤون الحـياة يصدر إِلا عن العلماء المنقطعين للعلم، والدعاة المتحمسين للإِسلام، ولم يحدث أن صدر عن ملك أو زعيم أو رئيس مثل ما قدمناه من حديث الملك عبد العزيز عن الدين، وعن التوحيد، وعن الدعوة إِلى تطبيق الشريعة.

هو ملك يقوم في الدعوة، وملك معلم لشـعبه، وملك يقوم في القدوة الإِسلامية لأفراد شعبه ولأمته، لقد دعا بنفسه، وقدر العلماء والدعاة، ونشر العديد من  الكتب الدينية، وليس في معاصري الملك عبد العزيز من الملوك والأمراء والرؤساء والزعماء من شغل نفسه بالدين، فكان ذو علم وعمل ونصح، كما فعل الملك عبد العزيز حتى يمكن أن يقال: إِنه كان في عصره، بل في العصر الحديث كله، ظاهرة متفردة بين الملوك والقادة والزعماء.

ولكن الغريب ما في الأمر أن الملك عبد العزيز لا يقضي سنوات كبيرة من عمره في تعلم الدين، فقد كان في صغره يتعلم مع أبيه عبد الرحمن عن الحياة ومتاعبها. وفي شبابه الباكر شغل عبد العزيز نفسه في توحيد المملكة وجمع شملها، وكان سبب نجاحه وبداية فتحه ونصره استرداد الرياض، ولم يكن لديه منذ استرداد الرياض وقت، ولا جهد ينفقه في غير الدفاع عن الدين، وعن وحدة شبه الجزيرة العربية.


شارك المقالة: