التعريف بالحارث بن سريج:
هو الحارث بن سريج بن زيد من بني مجاشع بن دارم التميمي، يُكنى بأبو خالد، وهو عربي من قبيلة تميم، وكان قد وصف بأنه مسلم ورع، واشترك في حروب كثيرة مع المسلمين ضد الترك، وفي إحدى المعارك نادى بالناس مُخاطباً: أيها الناس القتل بالسيف في أكرم الدنيا وأعظم أجراً عند الله من الموت.
وفي عام 116هـ ترك الحارث طاعة الخليفة هشام بن عبد الملك في خراسان، وكات أسباب ثورته تتخلص في سوء الأحوال في خراسان وبلاد ما وراء النهر، وأيضاً الضعف الذي حصل في سلطة بعض ولاة الدولة الأموية، وكان قد اتخذ الأسود شعاراً لثورته، ونستطيع القول أن الحارث لم يكن راضياً عن الوضع في خراسان، ومعاملة بعض الولاة القاسية.
وكان الموالي قد تحالفوا معه، وليس غريباً ذلم، فقد اشتركوا في كل ثورة ضد الحكم الأموي؛ بسبب سوء أحوالهم والظلم الذي تلقوه، وعدم المساواة بينهم وبين العرب، وكان يدعو لكتاب الله ورسوله وذلك للدفاع عن المظلومين ونصرة الحق، وسبب اتخاذه للسواد لكسب التأييد والأنصار، وانطلقت ثورته من النخذ.
وسار الحارث من نخذ إلى فاريات واستولى عليها، ومن بلخ خرج نصر بن سيار والتجيبي بن ضبيعة المري ومعهم أربعة ألف مقاتل، لملاقاة الحارث وكان معه عشرة ألآف مقاتل، وانتهت بهزيمة الجيش الأموي وعادوا إلى بلخ، فلحق بهم الحارث خرج منها نصر بن سيار.
ثم ذهب لجوزجان وغلب عليها، وغلب أيضاً على الطالقان ومرو الروذ، وعندما استشار أصحابه منعوه أن يذهب إلى مرو لأنها بيضة خراسان وفرسانها، ولكنه رفض ولم يستمع لهم، فخرج إليها ومعه ستون ألف مقاتل من الفرسان وكبار العجم، وكاتب أهل المرو ووعدوا الحارث أن يساندوه، وعندما علم عاصم الهلالي والي خراسان بذلك ههدهم بإخلاء المدينة وأن يلحق أرض قومه أبرشهر.
فأعطى أهل مرو عاصماً المواثيق والعهود بأن يناصروه، وأن يقفوا معه للنهاية حتى لو قتلوا في سبيل ذلك، وذلك على أن يعطيهم المال فأعطاهم الوعد بذلك، فخرج عاصم ومعه أهل مرو وعسكروا بجياسر، وأعطى المال للجنود، وعند التقاء الجيشان جرى حديث على أن ينهوا النزاع ولكن لم تحصل أي نتيجة، وانضم الكثير من جيش الحارث إلى الجيش الأموي.
ودارت معركة انتهت بهزيمة الحارث، وغرق الكثير من أصحاب الحارث في النهر، وبعد هذه الهزيمة جرت مفاوضات بين عاصم والحارث لم تحصد أي نتيجة، وجرى أيضاً قتال عنيف انهزم على أثره الحارث واجتاز النهر ومعه ثلاثة ألآف مقاتل.
وفام عام 117هـ قام هشام بعزل عاصم بن عبد الله وأمر بأن يذهب أسد بن عبد القسري لخراسان؛ لإصلاح ما أفسده عاصم، وعندما علم عاصم بذلك أرسل إلى الحارث بأن ينزل إلى أي مكان يريده من خراسان، وأن يبعثا للخليفة بيسألانه بكتاب الله، فأن رفض اجتمعوا عليه.
واستمر أسد بقتال الحارث، وعمل على تقسيم جيشه إلى قسمين، قسمٌ من أهل الكوفة وأهل الشام وعلى رأسهم عبد الرحمن بن نعيم الغامدي، وأُرسل الجيش لملاقاة الحارث، والقسم الآخر ذهب أسد إلى رأسه إلى آمل، واستطاع أن يرجع الكثير من المدن التي وقعت في يد الحارث، واستعمل أسلوب السياسة والهدنة تارة، وتارةً أخرى أسلوب العنف.
وحقق أسد الكثير من الانتصارات وحيث هزم خيول آمل، وكانت بقيادة زياد القرشي، وقام بمحاصرة آمل وكان عليها أحد أنصار الحارث وهو خالد بن عبد الله الهجري، فقام أهلها بطلب الأمان فوافق على جميع طلباتهم، وجعل على مدينة آمل يحيى بن نعيم الشيباني.
وفي سنة 118هـ جعل أسد القسري مدينة بلخ مقراً له، فنقل لها الدواوين واتخذ المصانع، وقام بتجهيز جيش وإرسالها لغزو طخارستان، وقام بإرسال جديع الكرماني للقلعة التي كان فيها الحارث ومن معه، وتدعى بقلعة التبوشكان، فحاصرهم حتى استسلموا وقتل مقاتليهم، وعندما حدث ذلك نقم مجموعة ممَّن كانوا مع الحارث عليه، وكان ععدهم أربعمائة وخمسين رجلاً، وعلى رأسهم جرير بن ميمون القاضي، وطلبوا من أسد القسري الأمان.
وعندما رأى الحارث ما حصل له ولأصحابة، ذهب إلى طخارستان، وعندما قامت الحرب بين العرب والترك في عام 119، انضم للترك وأصبح يقاتل في صفوفهم ضد العرب، فحصلت حرب طاحنة انتهت بانتصار أسد وحصد الكثير من الغنائم، بهزيمة الترك وفرارهم، وفرَّ خاقان الترك وكان الحارث يقوم بحمايته أثناء فراره.
وناصر الحارث الترك مرَّة أخرى في عام 121هـ في الوقت الذي كان نصر بن سيار والياً على خراسان، وانضم لصفوف خاقان الترك الجديد، كورصول الذي قام بقتل سلفه وحل محله، وحدثت معارك بين الطرفين وانتهت بمقتل الزعيم التركي وتفريق أصحابه.