لقد نال اهتمام العلماء والدارسين والمفكرون والفلاسفة في مختلف العصور بمتابعة التحولات والتغيرات التي طرأت في جميع مجالات ونواحي الحياة الاجتماعية المختلفة والمتعددة، فكتب عن التغير الاجتماعي الفلاسفة والمفكرين اليونان ومن بعدهم فلاسفة والمفكرين العرب المسلمين، ومن بعدهم جاء دور مفكري وعلماء عصر التنوير.
مفهوم التغير الاجتماعي:
ويجب الإشارة الى أن مصطلح ومفهوم التغير الاجتماعي قد تم استعماله لأول مرة في كتابات العالم آدم سميث وبشكل خاص في كتابه المشهور الذي يحمل عنوان (ثروة الأمم) الذي تم نشره في القرن الثامن عشر، لكن هذا الكتاب لم ينتشر بشكل واسع ولم يتم تداوله إلا بعد نشر عالم الاجتماع الأمريكي أوجبرن كتاباً يحمل نفس العنوان في عام 1922 للميلاد.
رأى عالم الاجتماع أوجبرن أن التغير الاجتماعي هو ظاهرة عامة وتحدث بشكل مستمر ومتنوع ومختلف، ولا يجب ربطها بصفة محددة ومعينة لذلك وجد في مصطلح التغير الاجتماعي مفهوم ومصطلح متحرر من التقييم ولا يتم ربطه بصفات إيجابية أو صفات سلبية.
اتفق العديد من العلماء مع تعريف أوجبرن، ولكن عارضه آخرون، ومنذ ظهور مفهوم ومصطلح التغير الاجتماعي لأول مرة والعلماء في علم الاجتماع يحاولون تقديم مفاهيم وتحليلات ومختلفة ومتعددة له، ويرجع تعدد المفاهيم والتعاريف وذلك بسبب تعدّد وجهات نظر العلماء والمفكرين، وتعقّيد الظاهرة ذاتها بحيث سمحت لهؤلاء العلماء أن يركزوا اهتماماتهم إلى بعض أبعاد الظاهرة حسب اهتماماتهم.
ويشتمل مفهوم ومصطلح التغير الاجتماعي على جميع المستويات الاجتماعية والثقافية وبالتالي من الممكن القول أن التغير الاجتماعي موجود في ما يلي:
1- يوجد في مستوى الفكر ومن خلال ظهور الأفكار أو إعادة تشكيل هذه الأفكار وظهور المعتقدات الجديدة والأيديولوجيات.
2- يظهر في مستوى فعل الأفراد وسلوكيات الأفراد وما ينتج عنه من عمليات تفاعل بينهم وعلاقات ووحدات اجتماعية وتنظيمية من حيث ظهورها واستمرارها.
3- يظهر في مستوى المصالح حيث يظهر في تشكيل أو اعادة توزيع الفرص والمصالح بين الأفراد.
4- يظهر التغير الاجتماعي في مدى العمليات المنظمة والنظم الاجتماعية، ويبدو التغير الثقافي في قبول أو رفض المعايير والاعتقادات والقوانين أو قيام النظم والنسق الأخلاقي والقانوني أو انحلاله.
أنماط التغير الاجتماعي:
تظهر أنماط وأشكال التغير الاجتماعي في جميع مجالات الحياة الاجتماعية التي يعيشها الأفراد، حيث أنه من الممكن أن يلاحظ الأفراد التغيرات الاجتماعية في الأدوات ووسائل النقل الحضري وسائل الاتصال الحديث وتغيرات وحدوث ثورة تكنولوجية وحدوث تغيرات في العلاقات الاجتماعية وفي الأدوار والمكانات الاجتماعية.
تحدث تغيرات في المعايير والمعتقدات والقيم والعادات والتقاليد ويحدث تغير في الذوق والفن وفي نفس الوقت من الممكن أن يحدث التغير بشكل سريع في حين أنه من الممكن أن يحدث التغير ببطئ غير ملحوظ حيث أن المعاني والقيم من الممكن أن تكون ثابتة أما التغير في النواحي المادية قد تكون ملحوظة وسريعة، ويؤدي هذا الاختلاف في سرعة حدوث التغير وعدم الانتظام بين مجالات الحياة الاجتماعية التي اسماها وليام أوجبرن “الهوة الثقافية”.
ومن الممكن أن يحدث التغير في مستويات متعددة منها المستوى الشخصي حيث ملاحظة أن كل شخص يمر بمجموعة من المراحل نمو حيوية و عقلية، كما أنه يوجد مستوى الوحدات الاجتماعية والتنظيمات الاجتماعية والنظم الاجتماعية مثل التغير في الأشكال العائلية والأسرية والتغيير في النظام التعليمي والنظام السياسي، كما أنه يوجد مستوى الجماعات المحلية مثل التغير على مستوى الحي أو القرية.
مصادر التغير الاجتماعي:
شهدت الفترة التاريخية الماضية تطورات وتحديثات ثقافية في الأدوات والمعدات ووسائل الإنتاج والاتصال وفي التنظيمات البشرية، وظهرت فيها اكتشافات واختراعات كان لها الأثر الكبير في حياة الإنسان الثقافية والاجتماعية مثل الكتابة، كما شهدت في بداية تغيرات سكانية وظهور الأشكال الأولى للتنظيمات التي أدت فيما بعد إلى قيام مجتمعات جديدة.
استمر ظهور الاكتشافات والاختراعات بشكل سريع وحدوث التطور الاجتماعي وارتبط ذلك في زيادة قدرة الإنسان على التحكم بهذه الاكتشافات والاختراعات، فبعد أن كان أغلب هذه الاكتشافات بشكل عفوي يحصل عن طريق الصدفة تحولت إلى أفعال عن قصد وأفعال مدروسة.
وعلى الرغم من أن التغيرات التاريخية التي حدثت في القرن العشرين، حيث أن كل هذه التغيرات وما حدث فيه من تغيرات يفوق كماً وجميع ما حدث منذ وجود الحياة الإنسانية.