خرافات تسترت بغطاء الدين

اقرأ في هذا المقال


في عصرنا الحاضر لا يزال بعض المسلمين يصرون على تشويه صورة الإسلام ويظهرونه كدين خرافات وخزعبلات، مع إصرار شديد لا يقوم إلا على حجج واهية من صنع تخيلاتهم وأوهامهم، فنجد هؤلاء شديدي الإلحاح في كل مرة على أن يصوروا هذا الدين الحنيف كدين يقوم على “الخرافات والخزعبلات”.
حتى بات الناس يصبون جلّ اهتمامهم بها، وهم بذلك يهملون كل أمر عقلي وفكري وعملي، من شأنه رفعة المجتمع وتقدم أهله، ومن ينظر حوله في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، يرى أن كمية الجهل المنتشر بات بالفعل مصدر خطر كبير ومصدر فساد أكبر، وإن لم يتحرك الناس مسؤولين ورجال دين وكل فئات المجتمع، فالخطر عظيم أن يتحول التقدم والتطور الذي حققه الإنسان فيما مضى من أزمنة إلى تخلف وظلام، وإن لم نتصدى لهذه الأمور فلن نجني سوى الخراب أكثر من الخراب الذي نعانيه الآن.

هل تفسير الأحلام خرافة أم حقيقة؟

لقد أضحى الرجال والنساء ممن يمتلكون حظًّا لا بأس به من التعليم، أو الأميين سواسية في هذه المسائل، فكل واحد منهم يعلّق أخطاءه على هذه الخرافات والخزعبلات، فنرى الكسل قد ازداد والبطالة تكاثرت ونمت، وكما انتشرت المفاسد العقلية حتى أصبح هم الواحد منا مُنصبًّا على تفسير الأحلام أو كشف المندل، فهل يعقل أن يبني الإنسان حياته بناء على حلم رآه هنا أو هناك؟ وهل من المقبول عقلًا وشرعًا أن يترك رجل زوجته؛ لأنه رأى في المنام هاتفًا يطلب منه هذا الأمر؟ وهل من الممكن أن تترك سيدة بيتها وأولادها؛ لأن “مولانا الكريم”، فسر لها الحلم بضرورة هجر البيت على الفور وإلا فكارثة ستصيبها.
تُرى لمصلحة من تلك “العملية التسطيحية” للعقول في المجتمع؟ ومن هو المستفيد من أن تُسفّه العقول ويتشوّه الإيمان، ويتحول العمل به إلى مجموعة من “الخزعبلات المرفوضة، والتي لا يستفيد منها إلا بعض الدجالون والمشعوذون، والذين اتخذوا من الدين ستارًا، ومن القرآن بضاعة يتاجرون بها كيفما شاؤوا وأينما شاؤوا، فبالطبع لولا الجهل العام المراد له الثبات في مجتمعنا، لما سادت أسواقهم ولما كبرت سلطتهم ولما ذاع صيتهم.
على سبيل المثال قضية “تفسير الأحلام”، والتي تحولت إلى تجارة لدى عدد كبير من الأفراد، فكلما ناقشهم أحد قالوا له وهم ينتحلون صفة العلماء: “كيف تكذب هذا الأمر، ألم تسمع بأن أحد أكبر الأئمة الورعين كان متخصصًا به، وله مؤلف ثمين حوله، وهو الإمام ابن سيرين”، فيسكت المتحدث ولا يستطيع أن يناقش الأمر أو أن يردّ لضعف حجته وانعدام دليله.
لكن هل يعلم المجتمع بأكمله بأن العلماء كلهم أثبتوا عدم صحة أن ينسب هذا الكتاب إلى ابن سيرين، وكذلك ذلك الكتاب الآخر المنسوب إليه بعنوان: “منتخب الكلام في تفسير الأحلام”، وهل يعلم المجتمع بأن جميع من ترجموا لسيرة ابن سيرين خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة، لم يذكروا على الإطلاق أن لابن سيرين كتابًا في التعبير، غير أن من نسب تلك المؤلفات لعالم جليل كابن سيرين، أراد لأمتنا أن تبقى أسيرة المجهول، تسير خلف كل من تكلم بالغيب مدعيا ما لا يحق لبشر.
في وسائل الإعلام المرئي والمسموع، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ما نرى إلا “الشيخ فلان” يقرأ ويتنبأ بالمستقبل ويقرّب الحبيب ويجلب الرزق ويكتشف العيون الحاسدة، والتي سببت الأذى والمرض والهمّ، ونرى أو نسمع بالشيخ “فلان” يفك السحر ويزيل الحسد ويخرج الجن من أعماق الجسد ويبعد الأرواح الشريرة.
كما نسمع أن عالم روحاني ترتان متخصص في إخراج الجني من الإنسية وقادر على قهره والتغلب عليه، وكذلك الرابع الذي يمتلك القدرة على تفسير الأحلام بما ينطبق على الواقع بشكل تامّ، وهو يعلم بالتأكيد بأنه يلعب على الأوتار الحساسة لدى من يستمع لقوله، ويدرك خوف أولئك الذين يتواصلون معه من واقع صنعته تلك المخيلة التي نشأت على الخزعبلات والخرافات والأوهام، وكما أنه يتاجر بالشعور الدفين الذي يملؤه الخشية من الغيب والمستقبل الذي لا يعلم عنه شيئًا، ولا يستطيع إدراكه بحواسه المحدودة.
فإذا تفرغ كل هؤلاء المشعوذين والسحرة لقراءة الأحلام والغيبيات، ونحن نعلم بشكل مسبق بفسادهم وكذبهم، فمن سيحسن قراءة الواقع الذي نعيشه، ويعمل من أجل تغييره نحو الأفضل، الإسلام دين العقل والفكر والعمل والتوازن، فلا يشوهه المغرضون برغباتهم المشبوهة وأطماعهم المكشوفة، فدعونا نربي جيلًا يعمل بالقرآن في حياته من أجل أن يفوز بها وبالآخرة.  


شارك المقالة: