بداية كل عام يأخذ البعض بالنظر في أهدافه للعام الماضي، ويتصفح الذي تم تأخيره من أعمال وأهداف والتي كان واجبًا عليه تأديتها، وذلك ليباشر في تنفيذها العام الجديد. والكثير منا للأسف سيستمر في تأخير الأعمال، كما فعلوا في العام المنصرم، والذي قبله والذي قبله، ولربما سيدوم التسويف للأبد، وكحلٍّ لهذه المعشكلة وفي محاولات للتصدي للتسويف وإعطائه مبرراته، رأى الباحثون أن المبررات واهية؛ ففضلوا تسميتها بالخرافات.
أشهر خرافات التأجيل والتسويف:
خرافة أنا أعمل بصورة أفضل تحت الضغط:
الكثير من الناس يقومون بتأخير كثيرًا من أعمالهم الهامة لآخر لحظة؛ والسبب أنهم يدعون بأنهم ينجزون عملهم بشكل أفضل تحت الضغط، فإن كان على أحدهم عمل تقرير معين وتسليمه خلال مدة محددة، تجده مشغولًا بأعمال جانبية أو غير مهمة كترتيب خزانة الملابس، بعدها يبدأ بكتابة التقرير قبل الموعد المحدد بأمد قصير لنقل يومين؛ ظنًّا منه أنه بتأجيل العمل لآخر لحظة سيمكنه من أدائه بتركيز أكبر، وبشكل أسرع وأفضل، ولكن الأبحاث العلمية أثبتت العكس تمامًا؛ فتأجيل العمل إلى آخر لحظة يزيد من درجة التوتر ويقلل من نسبة التركيز والتفكير الإبداعي.
إن تأخير المهام إلى آخر لحظة يرفع من درجة التوتر ويخفف من نسبة التركيز والتفكير الإبداعي، وتنصح الأبحاث الإنسان الذي يجد صعوبة في أداء أعماله في الوقت المحدد، ولديه الميول إلى التأجيل أن يقوم بتحديد ما يسمى بـالموعد الافتراضي، فيحدد موعدًا وهميًّا لإنجاز العمل الذي عليه القيام به، ويلتزم بهذا الموعد، كما أن هناك طريقة أخرى فعالة، وهي تحديد وقت افتراضي لإنجاز المهمة، فيحدد مثلًا ثلاثين دقيقة أو ساعة لينجز ما يريد القيام به.
أما إذا استمر هذا التسويف مع عدم اقتناع الشخص بفائدة تنظيم العمل وخطورة التأجيل، فالواجب عليه تجربة أن يقوم مرة بأحد الأعمال بطريقة التسويف لآخر لحظة، ثم يختار عملًا آخر ويقسمه على مدار المهلة، وبعد ذلك يعمل على تقييم كل عمل ويلاحظ فرق الإتقان والإنجاز.
خرافة سأبدأ في المهمة حين ينزل الوحي:
“وحي الإبداع لا يأتي فعلياً إلا حين الشروع في العمل”، وهذا ما أثبتته العديد من الأبحاث والدراسات ، فإن من أسباب تأخير المهام الأساسية والتي يقوم بها بعض الأشخاص هو أنهم يعتمدون على وقت يهبط فيه “وحي الإبداع”، وإلى أن يهبط ذلك الوحي، فهو رابض في انتظاره، ولكن اتضح علميًّا أن “الوحي” والإبداع لا يأتيان فعليًا إلا حين يشرع صاحب العمل به.
خرافة شعار “غدًا سأكون أفضل”:
من جانب آخر، فإن القول الشهير الذي يخص التأجيل، والذي يلجأ إليه كثير من الناس، وهو: “غدًا سأكون أفضل، وسأتمكن من القيام بهذا العمل على نحو جيد” لا أصل له، فلا شيء من الناحية العلمية يدل على أن الغد سيكون أفضل ليقوم بإنجاز أي عمل، طالما أن الشخص والظروف هي ذاتها لم تتغير، فإذا لم يتخذ الإنسان أية خطوات فعلية أو عملية لتحسين أو تطوير الوضع الحالي، فحقيقة أن “غدًا سيكون أفضل” تعتبر خدعة جديدة، وخرافة أخرى من خرافات التأجيل.
خرافة أحتاج لوقت أكبر لإنجاز المهمة:
تعدّ هذه الخرافة من أكثر الخرافات سحرًا وانتشارًا في ذات الوقت، فقد لا يتوفر لأحدهم أربع ساعات متتالية لإنهاء كتابة مقال علمي، أو يوم كامل لإعداد تقرير، وبالتالي يدخل في دوامة التأجيل، ولعل من أنجح الطرق التي وجدها الباحثون والدارسون لحل مثل هذا الإشكال، هو توزيع العمل الواحد المراد إنجازه على أوقات متفرقة، وأثبتت الأبحاث فعالية هذه الخطوة وتأثيرها على المدى البعيد، “فمتى ما بدأ الإنسان في إنجاز ولو جزء بسيط من المهمة، زال الحاجز وتيسرت الأمور”.
على سبيل المثال لا الحصر، إذا رغب أحد ما في كتابة بتقرير من عشر صفحات، وكان هذا من وجهة نظره يحتاج يوما كاملًا من التفرغ للتقرير، بينما لا يملك هو رفاهية التفرغ الكامل على الإطلاق، ففي هذه الحالة، يُنصح بأن يلجأ إلى تقسيم كتابة التقرير إلى عدة فترات، فمثلًا قد تتوفر له ساعة فراغ قبل وقت خروجه إلى العمل، وعشرون دقيقة أخرى قبل الغداء، و خمسة عشرة أخيرة قبل النوم وهكذا، فعليه إذن أن يستغلّ هذه الأوقات في أداء جزء من المهمة إلى أن يتمّها، كما أن هناك فائدة أخرى لهذه الطريقة ألا وهي تشجيع الإنسان على التقدم والانطلاق في تأدية المهمة متى ما شرع فيها، وقد أُثبت أن أصعب خطوة لأي عمل هي خطوة البدء فيه.