خرافة التطير عند العرب في الجاهلية

اقرأ في هذا المقال


كانت حياة العرب في الجاهلية الأولى حافلة بالكثير من العادات والمعتقدات، والتي اتصفت بالسطحية والسذاجة؛ وذلك لأنهم افتقدوا المصدر الإلهي الذي يتبعون هديه ويستمدون منه النور والهدى، ويأخذهم بعيداً عن منطق الخرافة، الذي هيمن على عقولهم وحجبها عن التفكير الصحيح، فلما جاء الإسلام بين لهم خرافة هذه المعتقدات، وأنها قائمة على الأوهام التي يلقيها الدجالون والسحرة والمشعوذون، إذ نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الإيمان بهذه المعتقدات والعمل بها، وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئًا، وأن الحافظ الضارَ النافع هو الله سبحانه، وأن تلك العادات التي يمارسونها لا تجلب لهم نفعًا، ولا تدفع عنهم ضررًا.

الطّيرة:

الطيرة هي عادة جاهلية قديمة، محتواها أنه إذا أراد أحدهم السفر في الجاهلية، قام مبكرًا إلى أعشاش الطير فهيَّجها وأثارها، فإن توجهت في طيرانها نحو اليمين تيامن واستبشر، ومضى في سفره أو أمره الذي نوى عليه، وإن اتجهت نحو الشمال تشاءم ورده ذلك عن إمضاء أمره، ثم أُطلق اللفظ على كل أمر يتوهم أنه سبب في إلحاق الشرّ والضرر، فأصبح رديفًا للتشاؤم، كالتشاؤم برؤية الأعمى أو النعل المقلوب أو التشاؤم من الرقم سبعة أو من يوم الأربعاء أو الجمعة، وغير ذلك من الخرافات التي لا تليق بإنسان يمتلك عقلًا فضّله الله به على باقي المخلوقات.

خرافة التطير معتقد وموروث موغل في القدم، قام أعداء الرسل باستخدامها في رد ورفض دعوة الحق والهدى بزعم أنها سبب لمجيء المصائب والبلاء، وكما نعرف أن قوم صالح قد تشاءموا بنبيهم صالح– عليه السلام –، حيث قالوا له: “اطَّيرنا بك وبمن معك ” أي تشاءمنا بك وبمن اتبعك، وتطيّر فرعون وقومه بموسى – عليه السلام – ومن معه، قال تعالى: ” فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه “.

جاء ردّ الله سبحانه عليهم جميعًا: أنّ ما أصابكم من شر وما وقع عليكم من بلاء، إنما سببه كفركم وعنادكم واستكباركم، ولا يخرج عن قضاء الله وحكمته وعدله، ولما بُعث محمد_ صلى الله عليه وسلم _  للناس على إيمانهم بهذه الخرافة، بل ربما أسلم بعضهم وبقيت معتقداته هذه ضمن رواسب ومخلفات الجاهلية التي علقت بالنفوس، فتصدى لها النبيّ – صلى الله عليه وسلم – ووقف لها موقفاً حاسماً، ونفى وجود أي تأثير لحركة الطير في فعل الإنسان سلبًا أو إيجابًا، فقال – عليه الصلاة والسلام – : ” لا طيرة ” ، أي: لا حقيقة لما يعتقده العرب من أن لحركة الطير تأثيرًا، فكل ذلك من خرافات الجاهلية وأوهامها ومعتقداتها الباطلة.

في مقابل هذه الخرافة والمعتقد السيء تأتي عادة حسنة حثّنا عليها الإسلام، وهي التفاؤل، فقد كان – صلى الله عليه وسلم – “يعجبه الفأل”، والفرق بين الطيرة والتفاؤل أن التفاؤل يبعث في النفس الرجاء في عطاء الله وتيسيره، فيقوى عزمه ويتجدد أمله في نجاح مقصوده ويحمله التفاؤل على صدق الاستعانة بالله وحسن التوكل عليه، فلا يعدو سماع الكلمة الطيبة أن يكون محركًا وباعثًا للأمل، أما التشاؤم أو التطير فعلى خلاف ذلك إذ يجعل المرء مترددًا ضعيفًا في توكله وإيمانه، جاعلًا من قلبه مجالاً خصبًا للوسواس والأوهام .


شارك المقالة: