منذ زمن قديم حرصت البيئات وكافة المجتمعات على الاحتفاظ بمكوناتها الداخلية، كما أنها قدستها كونها كانت توقن بالخرافات والمعتقدات المتجذرة، والتي جعلت منها كعبادة من بعض العبادات بات الناس يلجؤون إليها في حالات الخوف من الأمور التي لا يجدون لها تفسيرًا،أو إذا ما ألم مرض أو حلت مصيبة.
فراشة المنزل رمز الخير:
لم يُعرف في القديم أن هناك بعضًا من القبائل والعائلات تقدس عادات ومعتقدات، جعلت منها إيمانًا ويقينًا ملزمًا على الأطفال والأقارب وحتى على الضيوف، وهذا الاعتقاد والموروث اتبعه الناس سرًّا إلى أن هيمن عليها الاستسلام وجاهر الأشخاص والمجتمعات بها.
خرافة “فراشة المنزل” ذلك المعتقد الخرافي الذي كان كتابًا مغلقًا في بعض المنازل وسطورًا من خيال تحمل معها أخبارًا وأمنيات محققة ونجاحًا سيكون حليف البيت ورفيقه في المستقبل.
“فراشة المنزل” هي خرافة متجذرة في القدم، مفادها بأنه لحظة دخول الفراشة لأي منزل من المنازل القديمة، فهي بالتأكيد محضر خير وطريق مليء بالأحلام التي كانت يرجوها من قبل بعض المجتمعات، وفي تلك الحقبة الزمنية كانت المنازل التي تدخلها الفراشة هي من أكثر المنازل حظًّا، ولربما كانت الأكثر بركة كون الناس كانوا يعتقدون بأن هذا الطائر الصغير يحمل بين جناحيه الخير الوفير والأخبار السارة والمناصب العليا.
وفي اللحظة التي تدخل لأي بيت تبدأ الضحكات والسعادة تملأ وجوه العائلة، وكأن الفراشة بالفعل تضع بين أيديهم النجاح، وقد كانت العائلات في القديم بمجرد أن تختار الفراشة مكانًا وتستقر عليه، فالواجب على أهل المنزل تركها دون ان يزعجوها ويهجروا ذلك المكان حتى تغادره الفراشة، وأما عملية قتلها أو طردها يعاقب عليها أو يقتل فاعلها.
هذه المعتقدات والخرافات تعود في أصولها إلى القبائل اليونانية والتي تولى حاكمهم الحكم بفضل هذه الفراشة، إذ كان فقيرًا ويعمل في الخياطة، ولا يجني من المال شيئًا إلا نادرًا، إلى أن دخلت فراشة إلى كوخه الصغير، وغيرت حياته وقلبتها رأسًا على عقب فأصبح هو حاكم مدينته كاملة، ومنذ ذلك الحين صارت الفراشة كائنًا يرمز إلى التفاؤل ويبشر بالخير.
ووفق المعتقدات والخرافات القديمة فقد ذكر ذلك الحاكم اليوناني بأن السبب الذي جعل القبائل تقدس وتعظم “فراشة المنزل” هو بأن شكلها مختلف بشكل كلي عن باقي أنواع الفراشات الأخرى، والتي تحمل ألوانًا وتكون كبيرة الحجم، بينما “فراشة المنزل” لونها هو واحد ويحمل اللون الرمادي الفاتح وهي صغيرة الحجم، وقليلًا ما تتنقل بين أنحاء البيت، وتحمل على جناحيها رسومات غريبة تنشر من خلالها الخير والسعادة؛ لأي بيت تدخله بحسب منظور تلك القبائل في القديم.
لقد احتفظت تلك القبائل بأمر هذه الفراشة الجالبة للخير سرًّا، ذلك أنهم كانوا يعتقدون وفق موروثهم الشعبيي بأن إخبارهم للناس عن دخول الفرشة لبيوتهم سيطرد الخير، وقد يتحول الخير لغيرهم ممن قاموا بإخبارهم ذلك السر، فكان كل من تدخل إلى بيته فراشة يعلن حالة الطوارئ بين أفراد أسرته، ويبدأوون حينها بالتوصيات ويهتمون بها حتى تغادر بنفسها ذلك البيت.
وبعد أن حافظت تلك القبائل اليونانية على هذا المعتقد الغريب قررت أخيرًا أن يورثوها للأجيال اللاحقة حتى تناقلها الجميع فيما بينهم، وقد وصلت إلى بلاد الفراعنة الذين صنعوا منها آلهة يقتدون بها، وحتى هذا اليوم باتت هذه الفراشة محطّ اهتمام العائلات، وبالتأكيد هناك من يعتقد بأن الخير بين جناحي الفراشة الصغيرين.
على الرغم من أن البعض الآخر لا يصدقها ويعتبرها خرافة قديمة أبدعت بها قصص الخيال فتعمل جاهدة على طردها من المنزل لأجل حماية الاطفال كونهم كانوا وما زالوا يعتقدون أنها تؤذي، ولكنها تبقى سيدة الخرافات لما تحمله من قيمة تاريخية كبيرة جعلتها القبائل اليونانية رمزًا للخير الحقيقي القادم.
مما لا شك فيه أن للفراشات رموز ودلالات تخلتف بالتأكيد باختلاف ثقافات الشعوب، فنجد بعضًا من الشعوب يصيدونها ليطلقوها خلال تلك الأوقات التي يقومون فيها بمراسم دفن موتاهم الأعزاء على قلوبهم، وذلك لأنهم يعتقدون بأنه يوجد رابط خفي بين الموت والفراشات حسب ما يزعمون، وفي الحقيقة أن الأساطير والخرافات التي تدور حول الفراشات، كثيرة وهي تدّعي أنّ هناك علاقة تربط بين الفراشات والموت.
إذ أنه حسب زعمهم حين يقوم شخص ما بتحرير فراشة كانت في يده فهو يشعر أنّ شيئًا صافيًا روحانيًا قد حلّ به، وهو كما يعتقدون شيء لا يستطيع المرء تحديده عند السؤال عنه، فيبدو كشعور داخلي كامن يستمتع به من يقوم بإطلاق الفراشات.