هذه خرافة ليبية “Fabula Libyca” وهي حكاية قديمة جدًّا عن أنثى النصف الأعلى منها امرأة جميلة، وأما النصف الآخر حيّة، وقد كانت تغري وتفتن الرجال وتلتهمهم، ويُطلق عليها كذلك “الغولة الحسناء”.
من حكايات كوبسيس الليبية – الغولة الحسناء:
كما يُعتقد ترجع أصول هذه الخرافة إلى “حكايات كوبسيس الليبية”، والتي أُشتهرت في القرنين الأول والثاني الميلاديين، ولربما هي نسخة أخرى من أسطورة لاميا آكلة الأطفال.
حكاية الغولة الحسناء:
يُروى في الحكاية: أنه كان هناك نوع من الحيوانات يتصف بالوحشية والخطورة، كان يتخذ من الأجزاء غير المأهولة في ليبيا مسكنًا له؛ ذلك لأن هذه البلاد، وحتى يومنا هذا، تأتي فيما يبدو كل أنواع الكائنات من الحيّات والثعابين وغيرها على حدّ سواء، ومن بين هذه المخلوقات بطل حكايتنا الخرافية.
هذا الحيوان ذو جسم يتكون من أطراف متباينة بصورة غريبة وبشعة، ومن عاداته أن يطوّف حتى يصل البحر المتوسط وخليج سرت سعيًا للحصول على الطعام، وقد كان يصطاد الحيوانات المفترسة كالأسود والنمور، على الرغم من أن هذه تصيد الغزلان وحمر الوحش والغنم، وأما متعته القصوى فقد كانت في صيد البشر، الأمر الذي جعله يقترب من خليج سرت.
خليج سرت عبارة عن فجوة من البحر المتوسط ممتدة بشكل عميق في البر، ويقال أن الذين أبحروا في خليج سرت مرةً وجدوا من المستحيل الخروج منه، لامتداده وتياراته وحواجزه الرملية الطويلة التي تمتد إلى مسافات بعيدة، تجعل اجتياز البحر أمرًا عسيرًا غير ممكن، وأما المناطق التي تحيط بالخليج فما هي إلا شريط موحش من الكثبان الرملية.
فيما يُروى أنه إذا جنحت سفينة إلى اليابسة، أو أُجبر بعض الليبيين على المرور من هناك أو ضلوا طريقهم، فالذي ستقابلهم تلك الكائنات، وبالتأكيد هي ستنال منهم، وأما كيف تبدو هذه المخلوقات، فالوجه وجه إمرأة جميلة، وكذلك الصدر والنهدان والعنق، هي كما قيل غاية في الحسن، وجمالها لا يمكن أن تبلغه عذراء أو عروس إنسية في أوج الشباب، ولا يمكن لنحات أو رسام أن يأتي بشيء مثله، أما بشرتها فبيضاء ناصعة، ونظرات عينيها قادرة على إثارة الهوى والشوق في نفس كل من رآها، غير أن بقية جسدها كان صلبًا قاسيًا تحميه حراشيف كحراشيف السمك، ونصفها الأسفل كله عبارة عن أفعى ينتهي برأس الأفعى ذي السمّ الزعاف.
ليس في الخرافة ما يؤكد فيما إذا كانت هذه الحيوانات مجنّحة مثل السفنكس، أو أنها تتكلم مثلها أو تصدر أصواتًا، ماعدا صوت فحيح كفحيح التنين شديد الحدة، ولكنها تقول أنها كانت أسرع مخلوقات الأرض، فلم يكن لأحد أن ينجو من قبضتها.
كانت هذه الكائنات تتغلب على باقي الحيوانات بالقوة، أما مع بني البشر فإنها تسلك سبيل الخداع، وتسحر ضحاياها في الوقت نفسه بتركيز نظراتها عليهم، فتملأهم باللهفة والشوق للوصال، بعدها يقترب الرجال منها، في حين تقف ساكنة دون حراك، وقد أرخت أهدابها كما تفعل المرأة ذات الخفر، وما أن يقترب الرجل قربًا كافيًا حتى تنقضّ عليه بأيد كالمخالب والتي أخفتها وراءها، ثم تنهش الحية ضحيتها وتقتل الرجل بسمّها، وتبتلع جسده الميت ابتلاعًا.
يضاف إلى هذه الخرافة محاولة أحد ملوك ليبيا القضاء على عقب هذه الكائنات، انتقامًا لهلاك قومه، وقد وجد أن كثيرًا منها استقر به المقام هناك، فنزل في غابة كثيفة موحشة في ما وراء خليج سرت، وجمع الملك جيشًا عظيمًا وبحث عن كهوفها حتى وجدها؛ إذ لم يكن من الصعب معرفتها بسبب الجُرَّة التي كانت تتركها ذيولها الأفعوانية والرائحة النتنة الكريهة المنبعثة من الكهوف، فعمد إلى الإحاطة بها من كل جانب وأوقد النيران من حولها، وعزلها عما يحيط بها حتى هلكت مع صغارها.
أما الليبيون فقد بادروا إلى الفرار بقدر استطاعتهم من الإقليم، فلم يرتاحوا في ليل أو نهار حتى نزلوا بمكان للراحة، وقد ظنوا أنهم ابتعدوا بقدر كاف قرب واد من الأودية، إلا أن بعض تلك الكائنات كانت قد خرجت تصطاد، وما إن عادت ورأت دمار كهوفها حتى خرجت خلف الجيش وطاردته حتى الوادي، وقد وجدت فريقًا منه نائمًا، والفريق الآخر منهكًا من عناء الترحال، فقضت عليهم عن بكرة أبيهم، وبذلك فإن الملك قد فشل في إهلاك ذلك الجنس الخرافي يومئذ.
وتقول الخرافة: إن هرقل، بعد ذلك، وهو يطهّر الأرض كلها من الحيوانات المتوحشة والمتجبرين، جاء هذا المكان أيضًا وأضرم النار فيه، وكانت تلك الكائنات تهرب من اللهب، فيقتل هرقل ما كان يهاجمه منها بهراوته ويلاحق بسهامه ما كان يحاول الهرب، وبذلك قضى على تلك الكائنات الخرافية.