خصائص الزمن الثقافي المعاصر

اقرأ في هذا المقال


خصائص الزمن الثقافي المعاصر:

يتصف الخطاب الثقافي، في ظل ما تعيش به المجتمعات المعاصرة المتقدمة والحديثة من تحديات وتحولات في هذا الزمن المتغيّر، بأنه خطاب إشكالي: فمن جهة، هناك الانهيارات السياسية والأيديولوجية التي أصابت العديد من الأفكار والنظم والمشاريع.

ومن ناحية أخرى، هناك الثورات المعرفية التي تشهدها الفلسفة وعلوم الإنسان، وقد نتجت عنها ظهور قراءات متجددة للحداثة وشعاراتها حول العقل والحرية والتقدم. ومن جهة ثالثة، هناك الثورات العلمية والتقنية والمعلوماتية التي ندخل معها في طور حضاري جديد.

ولربما أحد أهم ملامح أزمة الخطاب الثقافي المعاصر تكمن في محاولة التعرّف على عناصر ومكوّنات ثقافة العولمة وأدواتها الوظيفية، وكذلك ما تنطوي عليه من قضايا الثقافة الوطنية والهوية الحضارية والخصوصية القومية وتعدد الثقافات.

وبالإضافة إلى كل ذلك، من الظاهر أنه من الضروري والمهم جداً أن يقوم كل شخص بين الاشخاص على إعادة صياغة وصيانة، وبالإضافة إلى القيام بترتيب وتنطيم الأفكار التي تختص به، بما يمكّنه من فهم وتشخيص هذه التحولات العميقة بداية؛ ومن ثم الانخراط في تغيير الواقع الثقافي في اتجاه التكيّف الإيجابي مع معطيات وتحولات هذا الزمن المتغيّر.

المحتوى الرئيسي والمكان الرئيسي لتطور وتحديث وتكوين الأنماط والتصاميم الثقافية:

ولربما المحتوى الرئيسي والمكان الرئيسي لتطور وتحديث وتكوين الأنماط والتصاميم التي تختص بالثقافة اليوم اختصاصها راجع إلى تضارب حقيقتين ظاهرتين: أولاهما، الالتزام الذي يكون من الأفراد والذي يختص بمقتضيات الكونية الناتجة عن مسار توحّد البشرية واقتران مصائر أبنائها، من خلال الثورة الاتصالية والاندراج في الاقتصاد العالمي.

والحقيقة الثانية فهي تختص بالقرارات النظرية والمعيارية، وهي التي تختص بالثقافات وتساعدها في الاختلاف والتنوع والتمايز وتماثلها من حيث القيمة والمشروعية.

والحقيقة أنه من الممكن أن يكون هذا الإشكال يرجع إلى الصعوبة في الصياغة التأليفية لهاتين الحقيقتين، فغني عن التوضيح أنّ حركة العولمة قد ولّدت وعيًا متناميًا بضرورة بناء نسيج ثقافي كوني منسجم مع الواقع الجديد الذي أفرزته، بيد أنّ هذا المضمون ظل خلافيًا ومدار تباين واسع، حتى داخل الفضاء الغربي الذي لا يشكل مجالًا منسجمًا وموحَّدًا، على عكس الصورة السائدة.

فمن ناحية، يكون الحديث عن خصوصية الثقافة الفرانكفونية المؤسسة على تراث التنوير بقيمه الإنسانية، والإطار الفرانكفوني، بصفته مجالًا رحبًا للتنوع الثقافي يستوعب الروافد الأفريقية والآسيوية والأمريكية في الساحات التي امتد إليها الإشعاع الثقافي الفرنسي. ومن جهة أخرى، فإنّ تيار “العولمة البديلة” امتد إلى الجامعات الأميركية العريقة؛ فظهرت مجموعات “الثقافة المضادة”.

إنّ محتوى العقد الثاني من القرن الثاني والعشرين سيأخذ شرعيته من مطابقته للقيم العقلانية والإنسانية دائمًا، ومن عمق قراءته للظواهر الجديدة. وتبدو أهمية دور المثقف النقدي واضحة على ضوء ما نشاهده من انتشار كاسح للثقافة الشعبية الأميركية، بما تنطوي عليه من أنماط الحياة اليومية.

ومن هذه الإشكاليات، الأنماط التي تختص في اللباس والأطعمة السريعة وغيرها من السلع الاستهلاكية، ومحدودية انتشار ثقافة النخبة الأميركية، بما تحتضنه من قيم براغماتية نفعية تساهم في التقدم الحقيقي لشعوب العالم.

في الوقت الذي ظهر فيه أنّ العالم اليوم دخل مرحلة جديدة، تمركز فيها امتثالية ثقافية قوية، تمتلك طابع تسلّطي. فالسياسة الدولية تشهد حراكًا مستمرًا، يعكس صور النزاعات الثقافية الكامنة وراءه، صحيح أنّ العناوين المطروحة للنزاعات لا تبدو ثقافية في الوهلة الأولى، ولكن عند التحقبق في مضامينها ومعلوماتها تظهر بوضوح الصفات الثقافية التي تسكن فيها، فهي مرحلة يُسعى من خلالها إلى فرض رؤية أحادية للعالم، والتهرّب من أي حس نقدي، في سياق محاولتها منح شرعية للقوة العالمية الساعية إلى فرض رؤية ذات بعد واحد على بني البشر.

وبالاعتماد على ذلك، لا بدَّ من إعادة طرح جملة من الأسئلة عن مآل الحداثة وأزمتها، وتجديد التساؤل بشأن إمكان الوصول إلى عقد إنساني جديد، ينقذ العالم من دوامة العنف التي تكتسي طابعًا دينيًا في أيامنا هذه، ويؤمّن أفضل السبل لإنقاذ البشرية من التعصب والطائفية والعنصرية.

وبالتحديد بعد أن طرحت عوائق ثقافية لإعطاء الأفكار والقيم، إذ تكونت حدود رمزية فاصلة بين المجتمعات بفعل النزاعات السياسية والدينية والثقافية، فبذرائع المحافظة على الأصالة والهوية ظهرت ردات أفعال مناهضة للتغيّرات الاجتماعية والثقافية.

وفي وقت الصراعات والمشاكل التي يواجهها العالم، وقوى المجتمعات تريد إعادة تشكيلها، طبقًا لرؤاها ومصالحها، لجأت كثير من المجتمعات إلى الاعتصام بنفسها، بقيمها وبثقافتها، وذلك في رغبة عارمة للحماية الذاتية.

ومن المعتاد أنّ الرغبة في تصليح النفس ستؤدي إلى درجة من الانقطاع عن جملة التحولات الجارية في العالم، فيحلُّ الرفض محل القبول، ويسود الخوف بدل الأمان، والريبة مكان الطمأنينة، وتندلع نزاعات ثقافية بمؤازرة الصراعات العسكرية والاقتصادية والسياسية.

إنّ جميع الدول تشهد مرحلة إعادة نظر متعمقة في قضية الثقافة، بل إعادة اعتبار لها من زاوية استراتيجيات المستقبل، ولا سيّما أنّ التطورات الجارية تبشّر بمستقبل جديد على مستوى الإنجاز المادي والتقدم التكنولوجي، ومراكز البث الإلكتروني، وبرامج التنفيذ في مجالات الإدارة والعمل الوظيفي، فضلًا عن المؤسسات التي تقتضي طبيعة عملها صرامة متناهية في التنفيذ.


شارك المقالة: