أبو سلمة الخلال
هو أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال الهمداني، مولى لقبيلة السبيع بسن همدان، أو لبني الحارث بن كعب من العراق، وقد اختلفت الروايات بشأن لقب هناك من يقول أنه يعود إلى خلل السيوف ومنهم من يقول أنه ينسب إلى حارة الخلاليين بالكوفة، لأنه كان يسكن فيها.
دور أبي سلمة السياسي
كان لأبي سلمة دور مهم في الدعوة العباسية، وقد جاءت علاقته بالدعوة عن طريق كبير دعاة العباسيين بالكوفة بكير بن ماهان، حيث كان أبو سلمة نسيباً له (أي زوج ابنته)، فعندما مرض بكير وحضرته الوفاة أوصى أن يكون أبو سلمة نائباً على ما كان يقوم به من أمر الدعوة، وكان ذلك سنة (127 هجري)، حيث كتب الإبراهيم بن محمد الملقب (بالإمام) زعيم الدعوة بذلك وزكاه له وأثنى عليه، فوافق إبراهيم على ذلك، وكتب إلى أبي سلمة يعلمه ويأمره بما يريد من أمر الدعوة وكذلك أنبأه بغير المسلمين بخراسان بأنه قد أسند أمرهم إليه، فمضى أبو سلمة إلى خراسان فصدقوه وقبلوا أمره، ودفعوا إليه ما اجتمع لديهم من نفقات غير المسلمين وخمس الموالي.
ومن هنا بدأت رحلته مع الدعوة، وبدأ نشاطه السياسي يزداد من خلال إنفاقه الكثير من أمواله الخاصة، من أجل الدعوة العباسية ورجالها، وتنقله المستمر بين الكوفة وخراسان، وذلك من أجل الدعوة لبيعة إبراهيم الإمام والإشراف على تطورات الدعوة العباسية، يقول ابن خلكان: كان أبو سلمة ذا يسار ويعالج الصرف بالكوفة وأنفق أموالاً كثيرة في إقامة دولة بني العياس وسار إلى خراسان وكان يدعو لبيعة إبراهيم الإمام. وقد بقي نشاطه في خراسان إلى سنة (128 هجري)، ثم سلم الأمر إلى أبي مسلم الخراساني بناء على أمر زعيم الدعوة إبراهيم الإمام.
وعندما انتصرت الدعوة العباسية، ودخل الحسن وحميد ابنا قحطبة بن شبيب على رأس الجيش العباسي مدينة الكوفة يوم (11) محرم سنة (132 هجري)، بعد هزيمة ابن هبيرة، أظهروا أبا سلمة وسلموا إليه الرياسة وسموه وزير آل محمد، وأظهر الإمامة الهاشمية، ولم يسم الخليفة، وقد عسكر أبو سلمة بحمام أعين، وأقام بها.
خيانة أبي سلمة الخلال للدولة العباسية
ذكرنا سابقاً إقدام أبي سلمة الخلال على كتم أمر أبي العباس وتأخير إعلان بيعته بين الناس، وكيف إن قادة الدعوة العباسية ارتابوا من تصرفاته، حيث حاول في الوقت نفسه تحويل مسار الثورة إلى اتجاه مضاد، ويدل على ذلك قوله: أظن قد مات الإمام الذي كان يؤتمر له، ويفهم من ذلك أنه عزم على نقض ولاثه للعباسيين.
لقد خان أبو سلمة الخلال الثورة العباسية، وذلك حين أراد أن يُبايع للعلويين حيث راسل ثلاث شخصيات من كبار العلويين عارضاً الخلافة لأحد منهم، وهم الإمام جعفر بن محمد (الصادق)، وعبد الله بن الحسن المحض، وعمر بن علي بن الحسن، وكان أبو سلمة الخلال قد أمر رسوله بأن يقابل أولاً جعفر الصادق، ويعطيه الرسالة الخاصة به فإن قبلها أعدم الرسالتين الأخريين، وإلا ذهب إلى الثاني فالثالث. أما جعفر الصادق فإنه رفض ذلك العرض رفضاً قاطعاً، حيث قال وما أنا وأبو سلمة هو غير مسلم لغيري، وقام بإحراق الرسالة فور وصولها إليه وتمثل بقول الكميت بن زيد: (أيا موقدا ناراً لغيرك ضوؤنا ويا حطباً في غير حبلك تحطب).
أما عبد الله بن الحسن فقد قبل العرض، ولكنه تردد قليلاً، حيث توجه إلى جعفر بمن محمد الصادق ليأخذ رأيه، فحذره جعفر من عاقبة ذلك، وقال له: (ومتى صار أهل خراسان من غير المسلمين؟ أأنت وجهت إليهم أبا مسلم! هل تعرف أحداً منهم باسمه أو بصورته فكيف يكونون غير مسلمين وأنت لا تعرفهم وهم لا يعرفونك). ثم أخبره أنَّ أبا سلمة مخدوع مفتول، وأن هذا الأمر لا يتم لكم فإن أبا هاشم أخبرهم بأنه سيكون في ولد العباس، وأن هذه الدولة ما هي لأحد من ولد أبي طالب، وفي هذه الروايات دعاية عباسية واضحة، ولكنها إن صحّت فإنها تدل على معرفة جعفر الصادق بنشاطات العباسيين السرية خاصة بعد اجتماع بني هاشم في الأبواء.
وفي رواية لليعقوبي أن عبد الله بن الحسن ذهب إلى الإمام جعفر الصادق وأخبره بأنه سيكلف ابنه للقيام بالأمر، ولكن الإمام جعفر نهاه عن ذلك، وقال له: (أيها الشيخ لا تسفك دم ابنك، فإني أخاف أن يكون المقتول بأحجار الزيت). ولكن عبد الله بن الحسن لم يقتنع بما ذكره الإمام جعفر الصادق، وعد ذلك من ضروب الحسد، ثم اجتمع بأهل بيته وقال لهم: (أنا شيخ كبير وابني محمد أولى بهذا الأمر). فأوصاهم بمُبايعة ابنه والدعوة له، أما المرشح الثالث عمر بن علي بن الحسن، فلم يذهب الرسول إليه بسبب الرد المقنع نوعاً ما والذي حصل عليه من عبد الله بن الحسن.
ولا بد من الإشارة أن رسول أبي سلمة حمل موقف عبد الله بن الحسن إلى أبي سلمة، ولكن بعد فوات الأوان فقد كان التنظيم العباسي قوياً، إذ أنَّ الدعاة اكتشفوا مكان اختفاء أبي العباس وأعلنوا بيعته بين الناس، مما اضطر الخلال إلى الاعتراف بالأمر الواقع والبيعة لأبي العباس، وقد اعتذر الخلال من أبي العباس (كما ذكرنا سابقاً)، وقبل اعتذاره. وبهذا فشلت محاولة الخلال، ولقد اختلف المؤرخون الرواد فيما بينهم في تفسير هذه المحاولة فمنهم من يقول أنه أراد أن يجعل الأمر شورى بين بني هاشم من عباسيين وعلويين، ولكنه عدل عن ذلك وقال: (أخاف أن لا يتّفَقِوا).
وتؤكد روايات تاريخية أخرى أن أبا سلمة كان عازماً على نقل الخلافة إلى العلويين، وخطط لذلك بأن أخر إظهار الخليفة العباسي أو البيعة له، ويذكر البلاذري: أن أبا سلمة أراد أن يعد لها إلى ولد فاطمة. ويعضد هذا الرأي ما قاله اليعقوبي: أنَّ أبا سلمة إنما أخفى أبا العباس وأهل بيته ودبر أن يصير الأمر إلى بني علي بن أبي طالب. يمكن القول أنّ السبب الرئيسي الذي دفع الخلال إلى الانحراف هو طموحه السياسي ورغبته في الاحتفاظ بموقع قوي في الدولة الجديدة جعله يخطط لترشيح خليفة علوي ضعيف يختاره بنفسه، فيكون أبو سلمة المدبر الفعلي للدولة، وليس للخليفة غير الاسم فقط.
ويرى الدكتور فاروق عمر أن ولاء الخلال كان لإبراهيم الإمام بالذات وعلاقته كانت وطيدة بشخصه، ولهذا لمّا سمع بمقتله على يد مروان آخر الخلفاء الأمويين، أراد أن يجعل الخلافة علوية إذ أنه أدرك أن تسلم أبي العباس للسلطة ربما سيحد من نفوذه القوي في العراق، والذي أخذ يتعاظم بعد نجاح الدعوة العباسية، ويبدو أنه أراد بذلك العمل أن يكون صاحب فضل على العلويين الذين كانوا يرون أن الخلافة من حقهم، وأن العباسيين سلبوهم ذلك الحق.
ويرى مؤرخ حديث آخر أن أبا سلمة في مؤامرته هذه يدخل في عداد الشعوبيين، فقد كانت عملية الخلال هذه مؤامرة أراد بها إيقاع الفتنة بين العلويين والعباسيين في الوقت الذي كانت فيه جيوش العباسيين لا تزال في حرب مع جيوش الأمويين فتتمكن القوات الفارسية من الانقضاض على الجيوش العربية المتنازعة وتقضي عليها فيعود الملك للفرس، ويؤيد هذا الرأي الدكتور فاروق عمر حيث يعد خيانة الخلال أول مؤامرة فارسية تواجه الخلافة العباسية وهي لم تعلن بعد وهذا ما يؤكد أنَّ أبا سلمة الخلال لم يستطع التخلص من العقدة الفارسية والتي ظهرت بصورة واضحة ومكشوفة في تصرفه هذا.
أما عن أسباب فشل محاولة الخلال، فيمكن القول أن هذه المحاولة التي عدها بعضهم دسيسة لجس النبض أولاً، ولتردد الشخصيات العلوية بالمغامرة والجرأة في الوقت المناسب التي تتطلبها السياسة ثانياً، ولقوة الدعاة العباسيين وجهودهم في التحري عن الخليفة ثالثاً، إضافة إلى ذلك فإن العلويين لم يكن لهم من قوة التنظيم وكثرة الأنصار ما يمهد لهم سبيل الوصول إلى الخلافة.
إنّ الخليفة أبا العباس لم يقض على أبي سلمة حال كشف خيانته ولعل ذلك يعود إلى أنّ أبا العباس كان قد أيقن أنه لم يكن من الممكن القضاء على الخلال في حينه لسعة نفوذه وسطوته السياسية، لذلك أبقاه وزيراً حتى تحين الفرصة المناسبة للتخلص منه، كما أنه كان يتمتع بهيبة كبيرة بين أنصار الدعوة العباسية.
لقد كانت مُدة انفراد الخلال بالسلطة الفعلية إلى أن بويع أبو العباس شهرين ونصف، قام خلالها بإجراءات زادت من استياء أبي العباس عليه، فقد استأئر أبو سلمة بالسلطة، وقام بتعيين القواد والعمال دون الرجوع إلى الخليفة، فعين أبا الجهم على ديوان الجند وأبا غانم عبد الحميد الربعي على الشرطة وعبيد الله بن بسام على الحرس، وعمروية الزيات على حجابته، والمغيرة بن الريان على الخراج، كما أنه فرق عماله على السهل والجبل، وصارت الدواوين بحضرته والكتب تنفذ وترد إليه وبعث إلى فارس عمالاً من قبله.
إضافة إلى ذلك فإن منصب الخلال بصفته وزيراً لآل محمد لم يكن مديناً به لأبي العباس مما حدا بالخلال إلى الشعور بأنه ليس للخلافة أي فضل في تبوئه هذا المنصب مما جعله يشعر بالاعتداد بنفسه، قال ابن قتيبة: (وكان أبو سلمة يظهر الإدلال والقدرة على أمير المؤمنين)، ويظهر من هذا النص أيضاً أن أبا سلمة الخلال كان يفتخر أمام الخليفة بقدرته وقوته ونفوذه، كما أنه كان ينفذ الأمور بمفرده دون مشاورة أبي العباس، ففي رواية أنه كان ينفذ الأمور من غير مؤامرة، كل هذه الأمور جعلت الخليفة يخاف من نفوذه الذي أصبح يتعاظم يوماً بعد يوم، فكان من اللازم قتله والتخلص من خطره.
أبرز إنجازات أبي سلمة الخلال
- كان صلة الوصل بين خراسان ، والحميمة (مركز بني العباس).
- سلم الخراسانيون الرئاسة إليه بعد دحر قوات الأمويين عن خراسان والكوفة.
- سُمّي وزير آل محمد.
- أعلن الإمامة الهاشمية.
- كان يريد تسليم الخلافة لثلاثة من العلويين، وهم :جعفر الصادق، وعبد الله بن الحسن المثنى، وعمر الأشرف بن علي زين العابدين.
أهم المصادر التي تذكر سيرة أبي سلمة الخلال
- تاريخ الطبري.
- البداية والنهاية.
- سير أعلام النبلاء.
- الكامل في التاريخ.