دراسة التقنيات الطبية الحيوية في الأنثروبولوجيا الطبية

اقرأ في هذا المقال


دراسة التقنيات الطبية الحيوية في الأنثروبولوجيا الطبية:

في تاريخ صحة الإنسان تعد التكنولوجيا موضوعًا أساسيًا، إذ يرى علماء الأنثروبولوجيا الطبية أن التقنيات الطبية في الحياة البشرية قد تغيرت، فقد زادت من معدلات العمر المتوقع، وخفضت معدلات وفيات الأطفال، واعتادت على أن تتدخل في علاج آلاف من الأمراض وغالبًا ما تعالجها، وبالطبع تأتي هذه الإنجازات مع الكثير من العواقب الثقافية، والجهود الناجحة للتدخل في الجسم بيولوجيًا لها أيضًا آثار على القيم الثقافية والتنظيم الاجتماعي للمجتمعات، كما هو موضح في الأمثلة أدناه.

دراسة الآثار الثقافية للمضادات الحيوية والتطعيمات في الأنثروبولوجيا الطبية:

يرى علماء الأنثروبولوجيا الطبية أن الأمراض المعدية التي تسببها الفيروسات والبكتيريا تسببت في خسائر فادحة في البشر لآلاف السنين، فخلال الأوبئة المتكررة مات عشرات الآلاف من الأشخاص بسبب تفشي أمراض مثل الحصبة أو الأنفلونزا أو الطاعون الدبلي أو الموت الأسود، كما أن تفشي جائحة الطاعون انتشرت في جميع أنحاء أوروبا وأوراسيا وقتل ما يصل إلى 200 مليون شخص، أي ما يصل إلى ثلث سكان أوروبا، وتم اكتشاف البنسلين في عام 1928 وانتاج كميات كبيرة من أجل العلاج منه، وكانت المرة الأولى في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي كنقطة تحول في معركة الإنسان ضد الالتهابات البكتيرية.

وكان يسمى بالعقار العجيب، وأصبح البنسلين متاحًا في وقت كانت فيه الالتهابات البكتيرية قاتلة، وفي كثير من الأحيان تم تمجيد الدواء كعلاج للجميع، ومن العوامل المهمة التي يجب مراعاتها حول إدخال المضادات الحيوية التغيير في فهم المرض الذي أصبح علميًا وعمليًا وبشكل متزايد فني، فقبل أن يقدم العلم علاجات تم تحديد المسببات العرقية والطبيعية والأسباب الجذرية المختلفة للمرض، ولكن اختراع المضادات الحيوية ساهم في تقوية النموذج الطبي وكذلك حقبة جديدة من الربحية لصناعة الأدوية.

ولم تكن تأثيرات المضادات الحيوية إيجابية تمامًا في جميع أنحاء العالم جنباً إلى جنب مع غيرها، حيث أن مساهمت المضادات الحيوية في التقدم التكنولوجي في مجالات مثل الصرف الصحي والحصول على المياه النظيفة أدى إلى تحول وبائي يتميز بانخفاض حاد في معدلات الوفيات، لا سيما بين الأطفال، وفي العديد من البلدان كان التأثير المباشر هو زيادة عدد السكان بالإضافة إلى تحول في أنواع الأمراض الأكثر انتشارًا.

وفي البلدان الغنية على سبيل المثال حلت الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب أو السرطان محل الالتهابات البكتيرية كأسباب رئيسية للوفاة وتم إطالة متوسط ​​العمر، وكانت النتائج متباينة في البلدان النامية، فملايين الأرواح التي تم إنقاذها من خلال توافر المضادات الحيوية واجهوا الفقر الشديد وعدم القدرة على الوصول إلى الخدمات الطبية المنتظمة من حيث الرعاية لذلك العديد من الأطفال الذين نجو من الأخطار المباشرة للعدوى أثناء الطفولة يستسلمون لاحقًا في مرحلة الطفولة لسوء التغذية أو الجفاف أو أمراض أخرى.

وصعوبة أخرى هي حقيقة أن العديد من أنواع العدوى أصبحت غير قابلة للعلاج نتيجة لمقاومة البكتيريا، ويهتم علماء الأنثروبولوجيا الطبية بزيادة معدلات الأمراض المعدية مثل السل والملاريا التي لا يمكن علاجها بالعديد من المضادات الحيوية الموجودة، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية هناك ما يقرب من 500000 حالة من السل المقاوم للأدوية كل عام، ويركز بحث جديد الآن على مقاومة الأدوية فضلاً عن المكونات الاجتماعية والثقافية لتلك المقاومة مثل العلاقة بين الفقر وانتشار سلالات البكتيريا المقاومة.

دراسة المتلازمات المرتبطة بالثقافة في الأنثروبولوجيا الطبية:

المتلازمة المرتبطة بالثقافة من وجهة نظر الأنثروبولوجيا الطبية هي مرض يتم التعرف عليه فقط في ثقافة معينة، وهذه الشروط التي تجمع بين الأعراض العاطفية والنفسية والجسدية، وليست نتيجة لمرض أو أي خلل وظيفي فسيولوجي يمكن تحديده، وبدلاً من ذلك فإن المتلازمات المرتبطة بالثقافة لها معنى جسدي حيث إنها مظاهر جسدية للألم العاطفي، ويدل وجود هذه الشروط على تأثير عميق للثقافة والمجتمع على تجربة المرض.

دراسة متلازمة فقدان الشهية في الأنثروبولوجيا الطبية:

يعتبر فقدان الشهية متلازمة مرتبطة بالثقافة من وجهة نظر علماء الأنثروبولوجيا الطبية بسبب ارتباطها القوي بالثقافات التي تضع قيمة عالية على النحافة كمقياس للصحة والجمال، وعندما يتم التفكير في مفاهيم الجمال من الثقافات في جميع أنحاء العالم تعتبر النظرة العامة للجمال هي رؤية شخص لديه دهون إضافية، وهذا قد يكون بسبب وجود دهون إضافية في مكان يكون فيه الطعام باهظ الثمن يعني أن الشخص من المحتمل أن يكون ذو مكانة عالية، ففي المجتمعات التي يكون فيها الغذاء وفير، يكون أمر النحافة أكثر صعوبة مما هي عليه أن يصبح المرء ثقيل.

وعلى الرغم من أن فقدان الشهية حالة معقدة، فقد لاحظ علماء الأنثروبولوجيا الطبية والأطباء أنها أكثر شيوعًا في السياقات الثقافية الغربية بين الأشخاص ذوو الوضع الاجتماعي والاقتصادي المرتفع، وفقدان الشهية يعتبر شكل من أشكال الحرمان الذاتي، وله جذور عميقة بالثقافة الغربية لعدة قرون وبممارسات إنكار الذات، وفي سياق معاصر قد يتعامل فقدان الشهية مع رغبة مشابهة لتأكيد التحكم الذاتي خاصة بين المراهقين.

فخلال بحث في فيجي لاحظ عالم الأنثروبولوجيا الطبية آن بيكر عام 2004 أن الشابات اللواتي تعرضن للإعلانات والبرامج التلفزيونية أصبح لديهن وعي ذاتي بأجسادهن وبدأوا في تغيير عاداتهم الغذائية لمحاكاة النموذج النحيف الذي رأوه على التلفاز، وأصبح فقدان الشهية الذي لم يكن معروفاً في فيجي مشكلة شائعة بشكل متزايد وقد لوحظ نفس النمط في المجتمعات الأخرى التي تمر بالتغريب من خلال الانكشاف لوسائل الإعلام الأجنبية والتغيرات الاقتصادية المرتبطة بالعولمة.

دراسة متلازمة ابتلاع الضفادع في الأنثروبولوجيا الطبية:

يرى علماء الأنثروبولوجيا الطبية أن هناك العديد من الأمثلة على المتلازمات المرتبطة بالثقافة التي تصيب الأطفال وكذلك البالغين، والنساء معرضات بشكل خاص لهذه الحالات المرتبطة بالضيق العاطفي، ففي أجزاء من البرازيل حيث ينتشر الفقر والبطالة وسوء الصحة البدنية، هناك مناطق ثقافية لديها قواعد تثبط التعبير عن المشاعر القوية مثل الغضب أو الحزن أو الغيرة، وبالتاكيد يستمر الناس في تجربة هذه المشاعر لكن لا يمكنهم التعبير عنها علانية.

والرجال والنساء يتعاملون مع هذه المشكلة بطرق مختلفة.، فقد يختار الرجال شرب الكحوليات بكثرة أو حتى التعبير عنها بالغضب الجسدي بالهجوم على الآخرين، بما في ذلك زوجاتهم، وهذه ليست سلوكيات مقبولة اجتماعيًا للنساء اللواتي يلاحظن بدلاً من ذلك إنه يجب عليهن كبت مشاعرهن، وهو فعل يصفنه بأنه يتعين عليهن ابتلاع الضفادع، وهي متلازمة مرتبطة بالثقافة تتميز بأعراض مثل الصداع والارتعاش والدوخة والتعب وآلام المعدة ووخز في الأطراف وحتى الشلل الجزئي.

ويتم عرضه نتيجة للحمل العاطفي وكحالة من الضعف المستمر للصدمة، وقد يتم تشخيص الجسم على إنه نوع مختلف من المرض يعرف باسم “كدمات الدم المغلي”، ويُعرّف ثقافيًا بأنه نوع من الطاقة التي تتدفق في جميع أنحاء الجسم، ويعتقد الكثيرون أن ذلك بسبب التحمل أكثر من اللازم  ولذلك تنتج الأعراض ويؤدي إلى ظهور كدمات أو يحدث صداعًا شديدًا وغثيانًا ودوخة، كما له شكل ثالث يسمى الصدر المفتوح ويحدث عندما يكون الشخص وفي أغلب الأحيان امرأة، من تحمل الكثير من الوزن العاطفي أو المعاناة.

وفي الأماكن المجهدة مثل المجتمعات في المناطق الفقيرة يكون هذا شائعًا بأن يصاب الناس بأمراض مرتبطة بالثقافة طوال حياتهم، ويمكن أن يعاني الأفراد من حالة واحدة أو مزيج من عدة حالات، ويمكن للمعانين استشارة المعالجون بالإيمان الذين يعالجون الحالة بالصلاة أو العلاجات العشبية أو طقوس الشفاء، وبسبب هذا لا يميز الممارسون بين أمراض الجسم والعقل، فهم يعالجون الأعراض بشكل كلي كدليل على الاضطراب الشخصي، ويتوافق هذا النهج لمعالجة هذه الأمراض مع وجهات النظر الثقافية أن قمع المشاعر نفسها هو الذي تسبب في المشاكل الجسدية.


شارك المقالة: