دراسة ظاهرة الجنوح عند كليفورد شو وجلوك في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


دراسة ظاهرة الجنوح عند كليفورد شو في علم الاجتماع:

هناك بعض الخطوط التي تربط بين مختلف دراسات وأبحاث أنصار مدرسة شيكاغو في علم الاجتماع، أهمها اعتقادهم بأن الانحراف عن المعايير الاجتماعية المقبولة لا يرجع إلى الضعف العقلي أو إلى الإصابة بالذهان أو عن شيء من أشكال عدم الاستواء النفسي أو اختلال الشخصية، وإنما يرجع أصلاً إلى طبيعة الظروف الاجتماعية السيئة التي ينشأ في ظلها الشخص المنحرف.

وبقول آخر إن ظاهرة الجنوح ليست وظيفة لعوامل نفسية، ولكنها وظيفة لمجموعة من لعوامل الاجتماعية المعينة، وفي مقدمة هذه العوامل إهمال أو انحلال بعض أجزاء المدن، مما يسهم في ظهور التفكك الاجتماعي الذي يؤدي بدوره إلى ظهور كافة أنواع الانحرافات، وأن أهم ممثلي هذه المدرسة كيلفورد شو، ورفاقه الذين قاموا بدراسة حول ظاهرة الجنوح.

فقد قام هؤلاء الباحثين بتقسيم مدينة شيكاغو إلى مربعات، ثم قاموا بتسجيل نسبة الأحداث المنحرفين في كل منها، وقد كشفت هذه الدراسة عن أن هذا النوع من الانحراف يتركز في عدد قليل من المناطق وهي تلك التي تتجمع حول منطقة العمل المركزية، فقد وجد أن 25% من أطفال هذه المناطق سبق أن سجلوا في سجلات الشرطة كمنحرفين، في حين لا تزيد النسبة المماثلة في المناطق الأخرى عن 1% فقط، وقد لوحظ أن سكان هذه المناطق يعانون من مستوى معيشي متخلف وتغير سريع، وصراع ثقافي نتيجة لهذا التغير السريع.

وقد استطاع كليفورد شو وأصحابه التوصل من خلال مثل هذه الأبحاث إلى بعض الاستنتاجات حول ظاهرة الانحراف، تماثل تماماً تلك التي خلص إليها دور كايم من دراسته لظاهر الانتحار، فقد أوضح كليفورد شو أنه في ظل الظروف القائمة داخل المناطق المتخلفة، يصعب سيطرة المجتمع بالامتثال للمعايير الثقافية المقررة، وقد أشار كليفورد شو إلى أنه إذا كان المجتمع مفككاً وكانت الضوابط الاجتماعية ضعيفة داخله، فإن المجال يصبح ملائماً للانحراف.

كذلك فقد أوضح هذا الباحث أنه في مثل هذه الظروف تشيع نماذج السلوك الإجرامي، بحيث يتناقلها الأبناء عن الآباء، لدرجة أنها تصبح هي النماذج الثقافية العادية والسائدة داخل تلك المناطق التي تتسم بمعدل انحراف مرتفعة، فمن الطبيعي أن يمتص الأبناء القيم والنماذج السلوكية المنحرفة ﻵبائهم، وأن ينظروا إليها على أنها القيم والنماذج السلوكية العادية أو الطبيعية.

وقد قدم كليفورد شو وأصحابه بهذه الدراسة وما خلصت إليه من نتائج، تحدياً علمياً في مواجهة ما كان سائداً من أفكار ونظريات حول الانحراف، والتي كانت ترجعه إلى عوامل سيكولوجية وبيولوجية مثل الضعف العقلي، أو النزعة الشريرة لدى بعض الأحداث بفعل عوامل مرضية.

دراسة ظاهرة الجنوح عند جلوك في علم الاجتماع:

هناك دراسات لاحقة وجهت مجموعة من الانتقادات والاعتراضات إلى نتائج دراسات مدرسة شيكاغو، ومن أبرز هذه الدراسات تلك الدراسة التي قام بها جلوك الأستاذ بجامعة هارفارد، فقد أشار هذا الباحث إلى أن فكرة المناطق المتخلفة أو ما أطلق عليه المناطق الانتقالية، لا تفسر بمفردها ظاهرة الانحراف طالما أن نسبة الأولاد المنحرفين أقل من نسبة الأسوياء داخل نفس المنطقة.

وقام جلوك وزوجته بإجراء مقارنة سوسيولوجية بين خمسمائة شخص منحرف وخمسمائة شخص سوى من بين سكان منطقة واحدة، وقد روعي في العينتين التجانس من حيث السن والذكاء والأصل العنصري، وقد دعمت نتائج هذه الدراسة ما انتهى إليه كليفورد من نتائج، حيث وجد أن العوامل السيكولوجية بمفردها لا تفسر لنا الاختلاف بين المجموعتين.

وقد كشفت دراسة جلوك عن أن المنحرفين ينحدرون في الغالب عن أسر كثيرة التنقل الاجتماعي، ولا يوجد فيها سوى أحد الوالدين سواء نتيجة للانفصال أو الوفاة، وغالباً ما يمارس آباء المنحرفين بعض العادات السيئة مثل السكر أو الإدمان.

وأوضح جلوك أنه على الرغم من انتشار ثقافة الجناح خلال المنطقة بأكملها، إلا أنها لم تؤثر إلا على الأولاد المنحرفين من أسر عريقة في الانحراف، بحيث يكتسب هؤلاء الأبناء تلك الثقافة خلال عملية التنشئة الاجتماعية، بقول آخر فإن الأولاد الذين ينشأون في أسر منحرفة يكتسبون الاستعداد للانحراف من خلال الاقتداء بآبائهم أو نتيجة لضعف الإشراف والتوجيه أو نتيجة العاملين معاً.

وقد ظهرت دراسة حديثة في هذا المجال قام بها ريتشارد كلوارد ولويد أهلين، كانت بمثابة تحد آخر للتصورات السوسيولوجية التقليدية عن الانحراف، فقد ادعى أغلب من تعرضوا لمشكلة الجناح، أن المنحرفين يرفضون القيم التي تسود الطبقة الوسطى داخل المجتمع، وعلى العكس من ذلك فقد أثبت هذان الباحثان أن هؤلاء المنحرفين يتبنون نفس القيم التي يتبناها أبناء الطبقة الوسطى.


شارك المقالة: