عندما توفي أبو بكر الصديق عام 13هـ بويع للخلافة من بعده عمر بن الخطاب، فسار على نهج صاحبيه النبي صلَّ الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق في الثقة ببنو أمية، فلم يقم بعزل أي منهم عن منصبه، وكان الكل يعرف صرامة عمر وتحري أمر ولاته والتحقيق في عملهم وأخبارهم ومحاسبتهم في كل صغيرة وكبيرة، فكان استمرار الأمويون في عهده دليلاً على كفايتهم وأمانتهم.
بداية ظهور معاوية بن أبي سفيان:
بدأ نجم معاوية بن أبي سفيان باللمعان في ميدان العمل السياسي والإداري في عهد عمر بن الخطاب، وقد عمل على فتح قيسارية سنة 15هـ، وقد ولَّاه عمر عليها وكان هذا اختباراً كبيراً لمعاوية، فذهب لها معاوية ومعه الجنود، وكان فتحها فتحاً شرساً، فقد قُتل مائة ألف من أهلها، وبهذا يكون قد أظهر جدارته في القيادة، وبعدها أسند إليه يزيد بن أبي سفيان والي دمشق مهمة فتح السواحل وأبلى بلاءً حسناً.
ولاية معاوية بن أبي سفيان على دمشق وبعلبك والبلقاء:
في سنة 18هـ توفي يزيد بن أبي سفيان بسبب إصابته في الطاعون، فتولَّى معاوية بن أبي سفيان الولاية على دمشق وبعلبك والبلقاء بدلاً من أخيه، وكان عمل عمر بن الخطاب في جعل معاوية والياً أثراً كبيراً على نفسية معاوية وأبيه بعد وفاة يزيد.
وقد أرسل أبو سفيان لمعاوية رسالةً لينصحه في عمله فقال له: يا بني إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا، فرفعهم سبقهم وقدمهم عند الله ورسوله صلَّ الله عليه وسلم، وقصر بنا تأخيرنا، فصاروا قادة وسادة، وصرنا أتباعاً، وقد ولوك جسيماً من أمورهم فلا تخالفهم، فإنك تجري إلى أمد فنافس فإن بلغته أورثته عقبك.
وكتبت والدة سفيان له أيضاً وقالت: والله يا بني قل أن تلد مثلك وإن هذا الرجل قد استنهضك في هذا الأمر، فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت، وكان الناس قد تعجبوا من تولية عمر لمعاوية لحداثت سنه ولوجود من هم أكبر وأفضل منه، فقال لهم عمر: تلومونني في ولايته، وأنا سمعت رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يقول: اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به.