دور التعليم في كبح الجريمة

اقرأ في هذا المقال


على الرغم من أنّ موضوع التعليم والجريمة قد يبدو واضحًا، إلّا أنّ هناك العديد من وجهات النظر المختلفة التي يمكن فحصها من خلالها، فلقد درس الباحثون هذا الموضوع من وجهات نظر مختلفة، ويمكن تناول موضوع التعليم والجريمة من عدة زوايا مختلفة لذلك يجب تطوير إطار عمل لفهم أساسي، والمجال الأول للمناقشة هو تأثير التعليم على الجريمة والسلوك الإجرامي، وعلى الرغم من أنّ هذه القضية قابلة للنقاش إلّا أنّ هناك إجماعًا ساحقًا بين المسؤولين الحكوميين والأكاديميين والمعلمين وأولياء الأمور على أنّ التعليم بعد الثانوي هو أحد أكثر الأساليب نجاحًا وفعالية من حيث التكلفة لمنع الجريمة.

التعليم كمنع للجريمة

تم اشتقاق الكثير من هذا الإجماع من أحجام البحوث التجريبية التي درست التحصيل التعليمي من حيث صلته باتجاهات الجريمة والسلامة العامة، ودعمت مقارنات بيانات التعليم على مستوى الدولة ومعدلات الجريمة والسجن باستمرار حقيقة أنّ الدول التي ركزت أكثر على التعليم (بشكل عام الدعم المالي) تميل إلى انخفاض معدلات جرائم العنف والسجن، وعلى الرغم من أنّه لا يمكن أبدًا النظر إلى التعليم على أنّه علاج للجميع أو رصاصة سحرية تضمن تخفيضات في النشاط الإجرامي أو معدلات الجريمة، بل تشير الأبحاث إلى أنّ زيادة الاستثمارات في التعليم الجيد يمكن أن يكون لها فائدة إيجابية للسلامة العامة.

من أكثر الأفكار السائدة في إطار المفهوم الشامل لتأثير التعليم على الجريمة الاعتقاد بأنّ الحد من الجريمة يمكن تحقيقه في أغلب الأحيان عن طريق زيادة منع الجريمة، وأنّ أكثر أشكال منع الجريمة فعالية يتحقق من خلال التثقيف، وقد يجادل معظم الناس بأنّ التعليم يمكن أن يكون عنصرًا مهمًا في منع الأفراد من الانخراط في السلوك الإجرامي، كما تؤدي المستويات المتزايدة من التعليم عمومًا إلى العديد من الخصائص الأخرى التي يُنظر إليها على أنّها ارتباطات إيجابية لتقليل السلوك الإجرامي أو غير الاجتماعي للفرد.

تفسير غايات التعليم كوقاية من الجريمة

تقدم الأدبيات بشكل عام تفسيرين للقوة الوقائية للتعليم على الجريمة والسلوك المعادي للمجتمع وهما:

  • التفسير الأول هو أنّ التعليم قد يغير تفضيلات الأفراد (وبالتالي اتساع نطاق خياراتهم): حيث يجادل بعض العلماء بأنّ التعليم يؤدي إلى تفضيل وقت أقل للاستهلاك في الوقت الحاضر كتعليم أحد الجوانب السلبية المحتملة للإشباع الفوري، وتفضيل وقت أعلى للاستهلاك في المستقبل كتعليم المرء فوائد العمل في الوقت الحاضر للاستعداد للمستقبل.
  • التفسير الثاني هو أنّ التعليم يساهم في تقليل التفضيل الزمني: أي أنّ تعلم عواقب أفعال الفرد غالبًا ما يجعل هذا الفرد يؤجل الإشباع المباشر للاحتياجات، حيث يجادل العديد من الباحثين بأنّ التعليم الرسمي (أي التحصيل العلمي) له تأثير قوي جدًا على تعليم الطلاب (من خلال دراسة التاريخ وعلم الاجتماع وغيرها من الموضوعات)، والتي يجب أن يركزوا عليها المزيد من اهتمامهم في المستقبل، ويمكن للتعليم توصيل صور لمواقف وصعوبات حياة الكبار، وهي قضايا مستقبلية حتمية لجميع المراهقين، وبالتالي يجب أن يكون المتعلمون أكثر إنتاجية في الحد من بُعد ملذات المستقبل.

كما يجادل العديد من الباحثين أيضًا بأنّه كلما زاد تعليم الفرد كلما زاد وزنه في العواقب المستقبلية (أي العقوبة) لأعماله أو أفعالها الإجرامية أو المعادية للمجتمع، وإذا دفع المزيد من التعليم الأفراد إلى فهم فائدة تأخير الإشباع فيجب عندئذٍ ردع الأشخاص الحاصلين على تعليم عالٍ عن ارتكاب أعمال إجرامية، ويُعتقد أنّ المستويات الأعلى من التعليم ستجعل الإشباع الفوري لتفضيلات الفرد ورغباته من خلال الأنشطة الإجرامية أقل أهمية.

العلاقة بين التعليم والجريمة

يفترض علماء الجريمة أنّ مناقشة التعليم والجريمة قد تتضمن نظرة عامة على التأثير الذي قد يحدثه مستوى تعليم الفرد على سلوكه الإجرامي أو غير الاجتماعي، وتناولت معظم الدراسات التجريبية العلاقة بين التعليم والجريمة، وقد وجد البعض أنّ المراهقين الذين ينخرطون في وظائف مدفوعة الأجر أو يلتحقون بالتعليم من رياض الأطفال وحتى التعليم الثانوي هم أقل عرضة للانخراط في السلوك الإجرامي.

ويشير هذا إلى أنّ انخفاض السلوك الإجرامي يساهم بشكل كبير في معدل العائد الاجتماعي للأموال التي يتم إنفاقها على التعليم في الولايات المتحدة مثلًا، وهناك الكثير من الجدل حول العلاقة بين الأموال التي يتم إنفاقها على التعليم ونوعية التعليم وما ينتج عن ذلك من تأثير عام على السلوك الإجرامي.

ومع ذلك لم تجد جميع الدراسات أنّ الأشخاص الأكثر تعليما هم أقل عرضة للانخراط في السلوك الإجرامي، ويجادل بعض الباحثين بأنّ متوسط ​​مستوى التعليم في بلد ما ليس بالضرورة له تأثير مهم إحصائيًا على عدد جرائم العنف (مثل جرائم القتل والسرقة)، كما جادل الكثير أيضًا بأنّ زيادة مستويات التعليم تسهل بالفعل السلوك الإجرامي لدى بعض الأفراد بسبب قدراتهم ومعرفتهم المتزايدة (على سبيل المثال الاحتيال على الكمبيوتر والمخططات الهرمية).

الدعم التجريبي لعلاقة التعليم بالجريمة

النتائج المدعومة تجريبياً حول الروابط بين منع الجريمة والتعليم جاءت كالتالي:

1- وجدت معظم الدراسات أنّ معدلات التخرج ترتبط عمومًا بنتائج إيجابية تتعلق بالسلامة العامة وانخفاض معدلات الجريمة في المجتمعات.

2- كما أنّ معدلات الجريمة في الدول ذات المستويات الأعلى من التحصيل العلمي أقل من المتوسط ​​الوطني.
الدول ذات معدلات الالتحاق الأعلى بالجامعات تشهد معدلات جرائم عنيفة أقل من الدول ذات معدلات الالتحاق بالجامعات المنخفضة.

3- الدول ذات معدلات الالتحاق الأعلى بالجامعات تشهد معدلات جرائم عنيفة أقل من الدول ذات معدلات الالتحاق بالجامعات المنخفضة.

4- الدول التي تقوم باستثمارات نقدية أكثر أهمية في التعليم العالي تشهد نتائج أكثر إيجابية في مجال السلامة العامة وتقلل من معدلات الجريمة.

5- يتركز خطر السجن وارتفاع معدلات جرائم العنف وانخفاض التحصيل التعليمي بين المجتمعات الملونة، والتي من المرجح أن يعاني أعضاؤها من عوائق تحول دون فرص التعليم.

6- تساهم التباينات في الفرص التعليمية في وضع تكون فيه المجتمعات ذات اللون الأقل تحصيلًا تعليميًا أقل من البيض، وتكون أكثر عرضة للسجن وأكثر عرضة لمواجهة معدلات جرائم عنيفة أعلى.

7- بالنسبة لمعظم الناس من السهل رؤية العلاقة بين التعليم ومنع الجريمة، فقد أمضى علماء الجريمة قرونًا في محاولة تحديد أسباب السلوك الإجرامي والمعادي للمجتمع.

العنصر المركزي الذي يظهر مرارًا وتكرارًا هو فكرة الدافع الفردي والرغبة، والدافع البشري والرغبة هي أحداث طبيعية معقدة للغاية ومن الصعب فهمها، على الرغم من أنّ معظم الناس قد يجادلون بأنّه من السهل فهم العلاقة بين هذه السمات والسلوك الإجرامي، كما يمكن للتعليم أن يزيد الصبر مما يقلل من معدل الخصم للأرباح المستقبلية وبالتالي يقلل من الميل لارتكاب الجرائم، وقد يزيد التعليم أيضًا من النفور من المخاطرة مما يؤدي بدوره إلى زيادة الوزن الذي يعطيه الأفراد لعقوبة محتملة وبالتالي يقلل من احتمالية ارتكاب الجرائم..


شارك المقالة: