ربط جنوح الطفولة بجريمة البالغين

اقرأ في هذا المقال


تشير الأبحاث إلى أنّ السلوك المعادي للمجتمع عند الأطفال هو أحد أفضل المؤشرات على السلوك المعادي للمجتمع عند البالغين، فالأطفال الذين يتسمون بالعدوانية وعدم الامتثال أثناء المدرسة الابتدائية معرضون لخطر جنوح المراهقين وجرائم البالغين، كما تشير هذه النتيجة إلى أنّ جذور نمط الحياة المعادية للمجتمع عند البالغين تبدو وكأنها مزروعة خلال سنوات تكوين الشخص، ومن النادر للغاية أن يبدأ الشخص الذي كان نموذجًا لطفل ومراهق فجأة في الانخراط في السلوك الإجرامي كشخص بالغ.

تفسير علاقة جنوح الطفولة بجريمة البالغين

بالطبع العلاقة بين مشاكل سلوك الطفولة والسلوك المعادي للمجتمع لدى البالغين بعيدة كل البعد عن الكمال: فالكثير من الأطفال الجانحين يكبرون ليصبحوا بالغين تقليديين، إذن ما الذي يفسر الارتباط بين المخالفين في الماضي والمستقبل؟ وفي هذا السياق يحتوي الأدب الإجرامي على وجهتي نظر مختلفتين تمامًا للسلوك المعادي للمجتمع عبر مدى الحياة وهما: نظرية ضبط النفس لغوتفريدسون وهيرشي ونظرية مسار الحياة لسامبسون ولوب.

نظرية ضبط النفس في علم الجريمة

تجادل نظرية ضبط النفس لغوتفريدسون وهيرشي بأنّ الاختلافات في ضبط النفس تنشأ في سن العاشرة وتظل مستقرة بشكل معقول طوال الحياة، ويُنظر إلى ممارسات الأبوة والأمومة لدى مقدم الرعاية وبدرجة أقل مزاج الطفل على أنّهما المحددات الأساسية لضبط النفس لدى الطفل، كما تنظر النظرية إلى الاختلافات في مستويات ضبط النفس على أنّها التفسير الأساسي للاختلافات الفردية في السلوك المعادي للمجتمع طوال الحياة.

نظرية مسار الحياة في علم الجريمة

من ناحية أخرى يفترض نهج دورة حياة سامبسون ولوب أنّ استقرار السلوك المعادي للمجتمع عبر مسار الحياة هو نتيجة السلوك المنحرف في المراحل المبكرة من التطور، والذي يقوض العلاقات والأنشطة التي تعتبر مصادر مهمة للسيطرة خلال مراحل من الفترة اللاحقة، بالإضافة إلى وصف العملية السببية التي تفسر استمرارية السلوك المعادي للمجتمع تحدد نظرية مسار الحياة الأحداث والظروف التي تعمل كنقاط تحول وتمكن الأفراد الذين لديهم تاريخ من السلوك المعادي للمجتمع من تبني أنماط حياة أكثر تقليدية، وبعبارة أخرى يهتم علماء الجريمة على مدار الحياة بشرح الاستقرار والتغيير في السلوك المعادي للمجتمع.

وفقًا لسامبسون ولوب فإنّ مشاكل السلوك في مرحلة الطفولة تزيد من فرص الانحراف خلال فترة المراهقة؛ لأنّها تقلل من الروابط مع الوالدين والأقران التقليديين والمدرسة، وبشكل أكثر تحديدًا استجابةً لمعارضة الأطفال وتحديهم غالبًا ما يقلل الآباء من جهودهم للمراقبة والانضباط، ويزيد الموقف غير الممتثل أيضًا من فرص تعرض الطفل للفشل الأكاديمي.

فيميل الأقران التقليديون إلى رفض الأطفال الصعبين، مما يزيد من احتمال انجرافهم إلى مجموعة أقران منحرفين، فيصبح غير مثقل بالرقابة الأبوية وغير مهتم بالمدرسة وتحت تأثير مجموعة أقران منحرف يتخرج هؤلاء الشباب المعادين للمجتمع من السلوك المعارض أو المتحدي إلى أفعال جانحة أكثر خطورة، ويؤدي السلوك المعادي للمجتمع في الطفولة إلى الانحراف بسبب تأثيره التخريبي على الوالدين والتزام المدرسة وانتماء الأقران.

حياة تقليدية للأطفال الجانحين في مستقبلهم

نظرية مسار الحياة في علم الجريمة

تشير نظرية مسار الحياة أيضًا مع ذلك إلى أنّ العديد من الأطفال الذين يظهرون هذا النوع من السلوك المشكل لا يتبعون هذا النمط، وفي الواقع تظهر الأبحاث المطولة أنّ غالبية الأطفال المعادين للمجتمع يواصلون عيش حياة تقليدية، فعلى سبيل المثال تُظهر الأبحاث السابقة أنّ ما بين 15٪ و 20٪ من الأولاد بعمر 10 سنوات هم معارضون ومتحدون، وهم عدوانيون ومندفعون ومتمحورون حول الذات وغير ممتثلين ويميلون إلى الرفض من قبل أقرانهم التقليديين وتمثل تحديًا لوالديهم ومعلميهم، وبحلول سن 18 تكون نسبة صغيرة من المجموعة حوالي 10٪ متأخرة بشدة، بحيث ينخرطون في المعارك والتغيب عن المدرسة والسرقة وبيع المخدرات وما شابه.

أخيرًا هناك نسبة أقل نوعًا ما من المجموعة ربما 5٪ متورطة في جرائم خطيرة في سن 26، وتشمل أنشطتهم الإجرامية مجموعة متنوعة من الأعمال غير القانونية مثل السرقة والسطو وتهريب المخدرات والقمار، وكان جميع المجرمين البالغين تقريبًا منحرفين بشكل خطير خلال فترة المراهقة وكان جميع المراهقين الجانحين بشكل خطير تقريبًا معارضين أو متحدين في سن العاشرة، وهذا لا يعني أنّ جميع الأطفال المعادين للمجتمع يكبرون ليصبحوا مجرمين.

ما يقرب من نصف الأطفال الذين يعانون من اضطراب السلوك فقط ينخرطون في جنوح خطير خلال فترة المراهقة، وحوالي نصف المراهقين الجانحين بشكل خطير ينخرطون في السلوك الإجرامي كبالغين، وهكذا على الرغم من أنّ انحراف الطفولة يزيد من فرص السلوك المعادي للمجتمع لدى البالغين، فإنّ العديد من الأفراد يتقدمون في السن بعيدًا عن ميولهم المعادية للمجتمع ويتبنون طريقة حياة أكثر تقليدية.

نظرية ضبط النفس في علم الجريمة

تم اكتشاف العديد من الأفراد المعادين للمجتمع الذين يتبنون أسلوب حياة تقليديًا مع مرور الوقت، حيث يتعارض مع زعم نظرية ضبط النفس، وذلك بأنّه بحلول سن العاشرة تغلق نافذة فرصة التنشئة الاجتماعية مع أولئك الذين لم يكتسبوا ضبط النفس محكوم عليهم بالفشل وحياة الانحراف والجريمة، وتشير الأدلة بدلاً من ذلك إلى أنّ السلوك المعادي للمجتمع يُظهر الاستمرارية والتغيير حيث يُظهر بعض الأفراد سلوكًا معاديًا للمجتمع طوال حياتهم، بينما يتغير الآخرون ويتبنون أسلوب حياة أكثر تقليدية.

وهناك دليل على أنّ الأطفال الذين كانوا معارضين للغاية ولكنهم يعانون لاحقًا من تحسين الأبوة والأمومة، أو زيادة الالتزام المدرسي أو انخفاض المشاركة مع أقران منحرفين ولا يظهرون المزيد من المشاكل السلوكية خلال فترة المراهقة أكثر من الأولاد الذين أظهروا القليل من السلوك المعارض أثناء الطفولة، وعلاوة على ذلك وجدت الدراسات أنّ الرضا الوظيفي والعلاقة الرومانسية السعيدة والملتزمة والروابط الأسرية الأخرى توسطت في نسبة كبيرة من العلاقة بين جنوح المراهقين وجرائم البالغين.

بالتالي فإنّ المراهقين المضطربين القادرين على تحقيق هذه النجاحات هم أكثر عرضة لتبني أسلوب حياة تقليدي في مرحلة البلوغ، في حين أنّ أولئك الذين يفشلون في القيام بذلك هم أكثر عرضة للاستمرار في طريقهم المضطرب تجاه السلوك الإجرامي للبالغين، ولذلك تميل الأبحاث الطولية الأخيرة إلى دعم منظور مسار الحياة على نظرية ضبط النفس، وتشرح هذه الدراسات سبب إظهار بعض الأفراد سلوكًا معاديًا للمجتمع طوال حياتهم بينما يتوقف البعض الآخر عن اتباع أسلوب حياة أكثر تقليدية.

وجدت الدراسات بشكل عام أنّ الالتزام المنخفض بالأنشطة والعلاقات الاجتماعية التقليدية يفسر الكثير من العلاقة بين مقاييس الطفولة لضبط النفس والسلوك المنحرف في المستقبل، وتظهر هذه التحقيقات أيضًا أنّ الأفراد المعادين للمجتمع الذين يخالفون الصعاب ويطورون التزامات قوية بمثل هذه الأنشطة والعلاقات يميلون إلى التوقف عن أنماط حياتهم المنحرفة، وتتوافق هذه النتائج مع منظور مسار الحياة ولكنها تتعارض مع نظرية ضبط النفس.


شارك المقالة: