سقوط إمبراطورية باغان

اقرأ في هذا المقال


استمرت إمبراطورية باغان خلال فترة الملك ألونغ سيثو بالصعود وأصبحت من أقوى الممالك وكانت تعتمد خلال فترة حكمها على توحيد الأنظمة الاقتصادية والإدارية وقام الملك بتوسعة أراضي الإمبراطورية، حيث تم اعتماد أنظمة جديدة في النظام الحدودي وفي القطاع الزراعي، وقد ساعد ذلك في تقوية النظام الزراعي فيها وقد اعتمدت خلال تلك الفترة على قطاع التجارة، إلا أنّ ذلك لم يستمر طويلاً حيث أخذت الإمبراطورية بالضعف والانهيار.

سقوط إمبراطورية باغان

كانت إمبراطورية باغان في بداية تأسيسها تعتمد على النظام الزراعي وغيرت من النظام الزراعي لديها وأخذت تعتمد على أنظمة جديدة للري، الأمر الذي ساعدها على أنّ تحتوي على العديد من المزروعات ونشط النظام التجاري لديها وقد ساعدها موقعها الاستراتيجي على تنشيط التجارة وكانت تقوم بتصدير العديد من المنتوجات الزراعية، كما كانت تعتمد على أنظمة معمارية هندسية مميزة وكانت من أكثر الإمبراطوريات التي تحتوي على تركيبة متنوعة من الثقافات واللغات؛ وذلك بسبب الغزوات الكبيرة التي قامت بها.

أخذ أعداد السكان في الإمبراطورية بالازدياد، الأمر الذي دفعها إلى القيام بالعديد من الغزوات؛ من أجل توسعة أراضيها واحتوى العدد الكبير من السكان فيها، خلال فترة حكم الإمبراطور ناراباتيسيثو أخذت إمبراطورية باغان بالتطور الاقتصادي والسياسي والعسكري وأصبحت ذات مساحة كبيرة، كما أصبح النظام الزراعي في بورما العليا من أقوى الأنظمة، الأمر الذي دفع حكامها إلى اتباع أنظمة جديدة للبلاط الملكي؛ وذلك من أجل السيطرة على الأراضي الشاسعة وجعلها تحت الحكم.

خلال تلك الفترة كان رجال الدين البوذيين من أغنى الطبقات في إمبراطورية باغان، كما تم وضع جميع القوانين والأنظمة باللغة البورمية؛ وذلك من أجل بقائها مستمرة حتى الأجيال القادمة، في عام 1174 ميلادي قام الإمبراطور سيثو الثاني بتأسيس أول جيش كبير واعتمد سياسة معينة في عملية قيادة الجيش والنظام الذي سوف يقاتل فيها الجيش، كما تم خلال فترة حكمه اعتماد ايادي جديدة في القطاع الزراعي وتم توسعة الأراضي الزراعية التي من خلالها زادت ثروة أصحاب الإقطاعات.

خلال القرن الثالث عشر ميلادي وصلت إمبراطورية باغان ذروة قوتها إلى جانب إمبراطورية الخمير في جنوب شرق آسيا البري، كما شهدت إمبراطورية باغان خلال فترة حكم سيثو الثاني التطور الثقافي الكبير من خلال دمج الثقافات وعادت البوذية من جديد وانتشرت في جميع أراضي الإمبراطورية وتم تأسيس العديد من المدارس لتدريس البوذية والتي عادت من جديد إلى سيلان واخذت الثقافة البورمية بالانتشار في أراضي سيلان بشكل كبير.

تمكن الإمبراطور سيثو الثاني من جعل إمبراطورية باغان خلال فترة حكمه تعيش في حالة من الغنى والسلام، إلا أنّ الحكام من بعده لم يحافظوا على ذلك ولم يتمكنوا من الحفاظ على الأنظمة التي تم تأسيسها ولا الحفاظ على الاستقرار، فعندما تولى الملك هتيلو مينلو الحكم من بعد سيثو الثاني لم يحافظ على النظام الداخلي ولا على البوذية وترك أمر قيادة الجيش إلى رئاسة الوزراء، وتم خلال فترة حكمه انهيار النظام الزراعي في جنوب إمبراطورية باغان ولم تستمر الإمبراطورية في عملية التوسع.

على الرغم من الوضع السيء الذي أصبحت تعاني منه الإمبراطورية، إلا أنّ الملك هيتلومينلو استمر في منح رجال الدين الأراضي المعفاة من الضرائب، الأمر الذي قلل من الأموال الداخلة إلى خزينة الدولة، كما كان يقوم بمنح الأراضي البعيدة التي تبنى فيها المعابد وقد أدت كل تلك الأمور إلى سوء الوضع الاقتصادي في الإمبراطورية.

مع منتصف القرن الثالث عشر ميلادي زادت المشاكل في الإمبراطورية، حيث بدأت الأراضي الصالحة للزراعة في بورما العليا تقل وبشكل كبير، وكان رجال الدين يسيطرون عليها، حاولت الدولة إنهاء دور رجال الدين والقضاء على البوذية واسترجاع تلك الأراضي وإعادة زراعتها لصالح الدولة، تمكنت الإمبراطورية من استعادة بعض الأراضي من رجال الدين، إلا أنّ البوذيين كانوا يقومون بمقاومة تلك العملية، استغل بعض الوزراء الوضع الذي تعاني منه الإمبراطورية وقاموا بالسيطرة على بعض الأراضي التي تعود للملك.

في عام 1280 ميلادي تم التبرع بعدد كبير من الأراضي الصالحة للزراعة في بورما العليا لصالح رجال الدين؛ ممّا أدى إلى دخول إمبراطورية بورما في حالة من الصراعات الداخلية، وتدخل المغول فيها من أجل السيطرة عليها، في عام 1256 ميلادي تولى الإمبراطور ناراثيهابيت الحكم والذي اتصف بعدم وجود الخبرة لديه، وعند توليه الحكم بدأت الصراعات والمشاكل تزداد وبشكل كبير وخاصة بأنّه لا يوجد لديه الخبرة بالثروات الموجودة في أراكان.

بدأت التمردات في عدد من المقاطعات، حيث تمكن في البداية من قمع التمرد في مقاطعة مارتابان والتي عاد فيها التمرد من جديد في عام 1281 ميلادي، حاولت إمبراطورية باغان فعل المستحيل من أجل الحفاظ على مقاطعة مارتابان وخاصة أنّها كانت تواجه مشاكل في مناطق الجنوب، في عام 1271 ميلادي طلب المغول الجزية، إلا أنّه الإمبراطورية رفضت وعاد المغول بعد عامين وطلبوا الجزية وعندما تم رفض، قامت الإمبراطورية المغولية بغزو إمبراطورية باغان وتمكن المغول من هزيمة البورميين وسيطروا على منطقة كانيجيا.

في عام 1283 ميلادي عاد المغول من جديد وغزو المناطق الجنوبية من الإمبراطورية وتحرك الجيش المغولي إلى منطقة بهامو ودخلوا إلى الأراضي الجنوبية وبدلاً من قيام الملك من الدفاع عن الإمبراطورية قام بالهرب إلى بورما السفلى حتى تم اعتقاله فيها، هناك بعض الدراسات تقول بأنّ المغول لم يصلوا إلى أراضي باغان وأنّ وصلوا إليها فأنّهم لم يدمروا فيها شئياً، وإنما الدمار الذي حدث في المقاطعات وذلك بعد وفاة الملك ويام سكان المقاطعات بالتمردات.

حيث قامت كل مقاطعة بعد وفاة الملك باتباع سياسة خاصة بها وأعلنت بعضها عن استقلالها عن الإمبراطورية واتباعها نظام حكم مستقل فيها، وقامت مقاطعة أراكان بالتوقف عن دفع الضرائب وقد أدى ذلك إلى انهيار إمبراطورية باغان والتي استمرت لمدة مئتي وخمسون عاماً.

في عام 1287 ميلادي بدأ المغول بالتحرك إلى مناطق الشرق، ولم يكن بنية المغول السيطرة على حكم إمبراطورية باغان، ولكن كان الهدف الرئيسي لهم جعل الأراضي في بر جنوب شرق آسيا أراضي مفككة ومقسمة، تم وضع إمبراطور جديد في باغان ولكنه لم يكن يحكم سوى مساحات صغيرة من الأراضي، كما أنّه لم يكن يملك جيشاً كبيراً وقوياً.

قدم بعد ذلك ثلاثة من الأخوة وكانوا يحاولون السيطرة على الحكم وإخراج المغول من أراضيهم، لكنهم لم يتمكنوا من الصمود طويلاً، واستمرت إمبراطورية باغان حتى القرن الخامس عشر ميلادي كدولة ضعيفة ومفككة حتى تم انهيارها بشكل كامل بعد ذلك.


شارك المقالة: