سوسيولوجية الفكر القانوني في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


سوسيولوجية الفكر القانوني في علم الاجتماع:

يهتم علم الاجتماع بتتبع الأصول الاجتماعية للأفكار والنظريات العلمية والقانونية والفلسفة، ويطلق على الفرع الذي يهتم بالخلفية الاجتماعية للأبنية الفكرية علم اجتماع المعرفة، كذلك يهتم هذا الفرع بدراسة الخلفية للمفكرين والعلماء باعتبارهم صفوة المجتمع أو ذوي العقول داخله على حد تعبير المفكر روبرت أبنهيمر.

ويهتم هذا الفرع كذلك بتتبع الأصول الاجتماعية والتاريخية للنظريات القانونية أو توضيح الارتباط بين الفكر القانوني وبناء المجتمع ذاته، فالقانون كظاهرة اجتماعية لا يصدر عن تأمل فلسفي أو عن المنطق التجريدي، وإنما يصدر عن واقع اجتماعي وثقافي محدد، بهدف أداء وظيفة اجتماعية معينة، وتعد مثل هذه الدراسة مجالاً مشتركاً بين علم اجتماع القانون وعلم اجتماع المعرفة في نفس الوقت.

ويكشف لنا التحليل التاريخي والسوسيولوجي عن اختلاف تصور المجتمعات للجريمة والانحراف وبطبيعة السلطة، ومثال هذا أنه ظهر العديد من النظريات التي تحاول تفسير مصدر السلطة داخل المجتمع، ومن أبرز هذه النظريات، النظريات الثيولوجية التي حاولت إرجاع السلطة إلى عوامل الهيئة، والنظريات الوعظية التي حاولت إرجاع أصل السلطة إلى عوامل بشرية واجتماعية، مثل نظريات سيادة الملك وسيادة الأمة وسيادة الطبقة الكادحة وسيادة الدولة.

ولم تصدر أي من هذه النظريات من فراغ، وإنما كان لكل منها دوراً اجتماعياً اقتضته الظروف التاريخية، ومثال ذلك أن النظريات الثيولوجية كانت عبارة عن محاولة فكرية لدعم الاستبداد والتسلط والحكم المطلق، أما نظرية سيادة الأمة عند المفكر روسو، ونظرية العقد الاجتماعي عند المفكر لوك، فقد كانت محاولة فكرية لدعم الطبقة البرجوازية الصاعدة.

كذلك كانت نظرية سيادة الطبقة الكادحة تعبيراً عن أيديولوجية وتطلعات الطبقة العاملة المستغلة في فترة من الفترات، وأخيراً فقد ظهرت نظرية سيادة الدولة في ألمانيا نتيجة لمجموعة من الظروف التاريخية المتعلقة بتأخر تحقيق الوحدة القومية داخلها بالمقارنة ببعض الدول الأوربية الأخرى.

وما نريده تأكيده في هذا الصدد هو أن القانون داخل أي مجتمع عبارة عن إقرار اجتماعي يرتبط ببناء هذا المجتمع التاريخي وبنظمه الاجتماعية والثقافية القائمة.

ويشير المفكر دافيد رسمان، وهو باحث في كل من القانون وعلم الاجتماع إلى أن سبب الاختلاف القائم حول العلاقة بين القانون وعلم الاجتماع يرجع إلى حداثة هذا العلم من ناحية، وما يتسم به من طابع دينامي يتطلب ضرورة إعادة النظر في النسق القانوني الجامد.

ويشير كذلك إلى أن بعض رجال القانون يحاولون التنصل من إعادة النظر في النسق القانوني لمجتمعهم، برفض الدخل السوسيولوجي تماماً، ويزعم أن أنصار هذا المدخل يتجاهلون الضرورات المنطقية للقانون والنتاج العقلي لقرون طويلة من المحاولة والخطأ وهي تاريخ الفكر التشريعي القانوني.

والحقيقة أن علماء الاجتماع لا يتجاهلون هذا الفكر، ولكنهم يحاولون تفهم القانون كظاهرة وسط سياقها الاجتماعي، وتفهم النسق القانوني من منظور سوسيولوجي، أي داخل السياق السوسيولوجي الثقافي لكل مجتمع على حدة.

وقد أكد تالكوت بارسونز أن القانون هو أحد الميكانزمات الهامة، لتحقيق الاستقرار المتوازن نسبياً داخل المجتمعات الدينامية أو ذات التوازن غير الثابت نسبياً، وهكذا يكون القانون في علم الاجتماع هو أحد عوامل الضبط الاجتماعي، وإن كان يتسم بخصائص تميزه عن العوامل الأخرى.

ولعل أهمية الدراسة السوسيولوجية للقانون هي ما جعلت بعض الباحثين يرون ضرورة ظهور فرع جديد لعلم الاجتماع يهتم بدراسة النظام القانوني داخل المجتمعات، وهو علم اجتماع القانون أو علم الاجتماع القانوني.

تعريف علم الاجتماع القانوني عند بعض الباحثين في علم الاجتماع:

فقد ذهب الباحث كاربونيه، في دراسة له عن علم الاجتماع القانوني إلى أن هذا العلم يهتم بدراسة الجانب القانوني من الظواهر الاجتماعية، باستخدام مناهج وأدوات البحث السائدة في علم الاجتماع العام، بالإضافة إلى مناهج وأدوات بحث خاصة به وتتفق مع طبيعة موضوعاته.

أما الباحث كوفلييه، فقد ذهب إلى أن علم الاجتماع القانوني لا يركز على تفسير النصوص القانونية أو البحث حول قيمة الأفكار القانونية، حيث أنه يهتم بدراسة الظواهر القانونية كواقع موضوعي شأنها في ذلك شأن الظواهر الأسرية والاقتصادية والسياسية.

ويشير الباحثين ليونارد بروم وسلزنيك، إلى أن علم الاجتماع يهتم بدراسة القانون كواحد من النظم الاجتماعية الكبيرة التي تساهم في تحقيق التكامل الاجتماعي داخل المجتمع، كالنظام الديني والنظام التربوي.

وعلى الرغم من اختلاف التعريفات، إلا أن هناك اتفاقاً حول طبيعة التناول السوسيولوجي للقانون كنظام أو ظاهرة اجتماعية تاريخية، ترتبط بوسطها الاجتماعي العام.


شارك المقالة: