تشير الأدبيات السيميائية لضرورة معرفة سيميائية الدراما، ولأسلوب يوجين أونيل والسيميائية مكانتها في إطار التخصصات المدرسية.
سيميائية الدراما وأسلوب يوجين أونيل
يمكن أن يكون هناك القليل من الشك في إنه يكاد يكون من المستحيل الآن الانخراط في تحليل نقدي جاد للمسرح وأعمال درامية محددة دون الرجوع إلى السيميائية وأسلوب يوجين أونيل، فإذا كان النقد الدرامي يبدو بطيئًا في استيعاب مبادئ البنيوية بحيث استمرت التحليلات الموضوعية في السيطرة على الرأي المعقول في وقت كانت دراسة الشعر والسرد مشغولة بشعرية الشكل، لم يكن هناك تأخر في قبول المساهمات الكبيرة التي ستقدمها النظرية السيميائية لدراسة الحدث الدرامي والنص الذي يمثل حتماً النقطة المرجعية الرئيسية لذلك الحدث.
وهناك تفسيران رئيسيان لهذا الاستقبال الحماسي:
1- في المقام الأول السيميائية في حين أنها قد تكون مثقلة بكل أشكال المنطق واللغويات الافتراضيين التي سمحت للبنيوية بأن تتهم بنزع الصفة الإنسانية عن موضوع الدراسة الأدبية أو الثقافية، فإنها تهتم في المقام الأول بالظواهر الثقافية كأفعال تواصل، مثل أحداث تتميز بخلق المعنى، وقد يتم إضفاء الطابع الرسمي على تفاصيل هذا المعنى وظروف إنشائه بدرجات مختلفة من التجريد.
لكن النقطة الأساسية تظل واحدة من دراسة ظروف أحداث الإشارة، والمسرح كمشهد عام معقد يتضمن بلا شك الإنتاج معنى للمتفرج ضمن حدود اجتماعية وثقافية وسياسية يمكن تحديدها، ونتيجة لذلك قدمت السيميائية مجموعة بليغة جدًا من الافتراضات لتعريف هذه العمليات الخاصة بمعنى الإنتاج.
2- ثانيًا يتضمن المسرح تفاعلات معقدة لأنظمة الإشارات المختلفة. وفي الواقع كافح منظرو ونقاد المسرح طويلًا وبشدة ضد ميل عالم الأدب إلى دراسة المسرح على أنه مجرد دراما، أو اختزال الأول إلى الثاني أو النظر إلى النص الدرامي أي الشفهي على إنه جوهر لا مفر منه للحدث المسرحي، وتوفر السيميائية من خلال تحديد حدود أنظمة الإشارات الممكنة وإظهار الطرق التي تكمل بها الأنظمة المختلفة وتمددها وتتداخل معها وتعمل ضد بعضها البعض مفردات نظرية قوية جدًا لتعزيز قضية المسرح أكثر من النص الدرامي.
ويعتبر أسلوب يوجين أونيل عينة جيدة من هذا الاتجاه، وتقدم دراساته المتضمنة للقارئ مقدمة قوية لهذه القضايا على الرغم من أنها ليست بطريقة متماسكة أو واضحة مثل دراسات باتريس بافيس، وأفضل جزء من المجموعة هو ببليوغرافيا فان ليوين التي تضم مجموعة واسعة من اللغات التي تمثل مساهمات بحثية، وبدرجة أو بأخرى تمثل الافتراضات النظرية والحرجة التي تروج لها السيميوتيس، وإن أسلوب يوجين أونيل الافتتاحي لأبحاث المسرح والدراما هو اقتراح تحليلي، ويعد للأسف أكثر مما يقدم ويقرأ مثل بيان أكثر منه بيان مبادئ؛ حيث إنه سرد دقيق وقاطع لدور الحوار في النصوص الدرامية.
وبطريقة سيميائية حقيقية لا يتم تحليل مثل هذا الحوار على أنه كلام حقيقي أو حتى صورة مصطنعة للكلام الحقيقي، ولكن كجزء لا يتجزأ من نص درامي حيث يكون عنصرًا واحدًا معقدًا فقط في تكوين المعنى، ومثل هذا النهج يصحح الاتجاه، إذا كان يُنظر إلى المسرح في المقام الأول على إنه نص أدبي، وإلى النظر إلى الحوار باعتباره الجوهر اللفظي الرئيسي، وتتألف الدراما من العديد من أنظمة الدلالة التي لها وظيفة مزدوجة: كممارسة أدبية وكممارسة أداء، ويدرس يوجين أونيل بعناية المكونات المتعددة والمعقدة التي تشكل العلاقات بين النص.
وتجسيده كأداء واستقباله من قبل الجمهور في هذه الترجمة ومراجعة مسرحه، ويركز على الخطاب والنص والنصوص والاستقبال والوظائف الفعلية والتاريخ؛ ويتم وضع هذه النظرة الشاملة على المناهج السيميائية المختلفة في سياق الدراما الحديثة في العالم، ويبدأ يوجين أونيل بفحص الخطاب المسرحي كتعبير لغوي وسيموزيس، ويفرق الخطاب المسرحي عن الأشكال الأخرى للخطاب والأداء الأدبي، ثم يستكشف بدقة العلاقة بين النص الدرامي ونص الأداء.
وتحدد دراسة مخصص للسيميائية المسرحية كيفية عمل الدلالة في الدراما والأداء، من حيث تقسيم ثلاثي الأبعاد لتشارلز ساندرز بيرس أيقونة وفهرس ورمز، وتركز على استقبال المسرح الباعث والمستقبل؛ والنموذج الفاعل وكيف يتطور وتأمل سيميولوجي في تاريخ المسرح، وتقدم سيميائية الدراما حجة شاملة لمكان وضرورة السيميائية في العملية التفسيرية للمسرح.
السيميائية مكانتها في إطار التخصصات المدرسية
إن الحديث عن السيميائية لا يعني الحديث عن تخصص محدد بدقة إلى جانب فنون وعلوم أخرى في العصور الوسطى ومتميز عنها؛ إنه بالأحرى الحديث عن مجال معقد من تأملات أكثر أو أقل وفي الغالب أكثر تفصيلاً حول مفهوم الإشارة وطبيعتها ووظيفتها وتصنيفها، ومن أجل فهم المدى الهائل الذي نمت فيه مثل هذه النظريات خلال العصور، ويجب مراعاة بعض السمات الشكلية الأساسية للتنظيم المدرسي للمعرفة:
أولاً، التعلم المدرسي هو في الأساس تقليد تعليقي، ومعظم الكتابات إما هي تعليقات صريحة على ما تم اعتباره في وقت ما نصوصًا قانونية على سبيل المثال، أعمال أرسطو أو جمل بيتر لومبارد أو قواعد السير بريسيان أو الخلاصات المنطقية لرولان بارت أو مؤلفة على الأقل مع الإشارة المستمرة إلى الموضوعات التي يتم تناولها هناك.
ثانياً، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنقطة الأولى هي الممارسة المدرسية الشائعة لبذل جهد كبير في التحليل المفاهيمي للمصطلحات والمفاهيم الأساسية، وهكذا حيثما ظهرت مصطلحات مثل علامة إشارة أو تمثيل وإعادة تمثيل في النصوص التي تم التعليق عليها، شعر المؤلفون المدرسيون بأنهم ملزمون إما بتقديم وصف صريح لهذه المفاهيم أو على الأقل أن يكونوا قادرين على الإشارة إلى مكان حيث هذا تم فعله أو انجازه، وفي ضوء ذلك فإن حقيقة أن أرسطو في كتابه في التفسير قد دعا بالمصادفة الكلمة علامة والرمز للمفهوم العقلي أو أن السير أوغسطين قد أطلق على العلامة رمز وأصبحت أكثر أهمية للتطور اللاحق للسيميائية.
وفي كلتا الحالتين كانت النتيجة عددًا كبيرًا من الاستكشافات التفصيلية لطبيعة وتقسيمات الإشارة، ونتج عن هاتين النقطتين مجتمعتين اتجاه عام نحو التعقيد المتزايد وصقل الخطاب المدرسي، لأنه جزء من المنطق الجوهري لأي تقليد تعليقي، يمكن العثور على تشابه وثيق في التقاليد للمنطق والسيميائية، وأن جميع التعليقات اللاحقة والتي في كثير من الحالات هي في الواقع تعليقات فوقية، للتنافس مع سابقاتها ولتجاوزها في التفصيل من خلال تناول أو تقييم أو التعليق على حججهم وفروقهم الاصطلاحية.
وتوجد مجالات مختلفة داخل النظام المدرسي للفنون والعلوم حيث تراكمت تقاليد غنية من الأسئلة والأجوبة السيميائية على مر القرون، والأكثر أهمية هي تلك الأماكن الموجودة في عالم ما يسمى النحو والبلاغة والمنطق، خاصة في المنطق حيث تم تحديد موضوعه الأساسي وكذلك مناقشة المفاهيم المنطقية الأساسية مثل مصطلح أو الدلالة وأدى إلى ملاحظات صريحة حول مفهوم الإشارة، وإن أكثر الفئات ذات الصلة بالمساهمات المنطقية للنظرية العامة للإشارة والدلالة هي التعليقات على أرسطو حول التفسير.
ويوجد أيضًا مصدر غني للمواد السيميائية في التقليد اللاهوتي الفلسفي، وإن موقع المناقشات السيميائية في التعليقات على كتاب الجمل لبيتر لومبارد، وهي على وجه الخصوص التمييز بالعلامة كموضوع ووسيلة لجميع التعليمات والاختلافات بين الصور والآثار وقيمتها المعرفية والمفاهيم العقلية والكلمات المنطوقة ودلالاتها، ولعب مفهوم الإشارة تقليديًا دورًا مهمًا في نظرية وممارسة التشخيصات الطبية.