تجهيز عبد الرحمن الداخل للجيش:
استطاع عبد الرحمن الداخل من تكوين قاعدة كبيرة لدعمه أثناء وجوده في ملقه، ذهبت مجموعات كبيرة لتقديم الولاء للأمير عبد الرحمن الداخل، بعدما اعتقدوا أنه قُتل، كان من بينهم العديد من السوريين.
ذاع خبر قدوم الأمير كالنار في الهشيم في جميع أنحاء شبه الجزيرة الإيبيرية (اسبانيا والبرتغال)، خلال هذا الوقت، بدأ الأمير الفهري يوسف بن عبد الرحمن الفهري وهو آخر ولاة الأندلس، والقائد السوري أبو جوشن الصميل في ما يجب القيام به حيال التهديد الجديد لقبضتهما المهتزة على السلطة.
وضع الاثنان خطة من أجل السيطرة على عبد الرحمن وذلك بتزويجه امرأة من عائلتهم، وإذا لم يتمكنوا من ذلك يخططوا لقتله لأنه يشكل خطرًا عليهم، كان عبد الرحمن ذو حكمة ومعرفة وكان متوقع أنه سيواجه الكثير من المؤامرات.
كان الأمير عبد الرحمن قد استفاد من جميع القوى التي تُحيط بالأندلس من أجل مُساعدته في تولي الحكم في الأندلس، وقبل القيام بأي عمل بدأت الاضطرابات في مناطق شمال الأندلس في مدينة سرقسطة التجارية، بدأت تساوم من أجل الحصول على حكم ذاتي، وبعد أن سمع الفهري والصميل توجهوا نحوها من أجل ضبط التمرد.
الوقت الذي دخل فيه الأمير الأموي عبد الرحمن الأول إلى الأندلس كان قد خدمه، لأنه كان لا يزال له شعبية واسعة في الأندلس، في مارس عام (756)، استطاع الأمير عبد الرحمن وأتباعه من الأمويين و اليمنيون من السيطرة على إشبيلية دون عنف.
تمكن من كسر محاولة التمرد في سرقسطة، ولكن في ذلك الوقت تقريبًا تلقى حاكم قرطبة أخبارًا عن تمرد الباسك في بامبلونا، أرسل يوسف بن عبد الرحمن الفهري قوات خبيرة من أجل سحقها لكن قواته تم أبادتها، بعد الهزيمة قاد الفهري جيشه جنوبا لقتال عبد الرحمن الداخل، كان الصراع على حكم الأندلس قد بدأ، التقى الخصمان على جانبي نهر الوادي الكبير، خارج عاصمة قرطبة.
كان قد مرت سنوات من الجفاف إلاّ أن النهر آنذاك فاضت ضفافه، وهذا مؤشر على انتهاء موسم الجفاف، كان هناك نقص في المؤن، واجه جيش عبد الرحمن نقص في إمدادات الغذاء حاول الطرف الآخر إحباط معنويات جيش عبد الرحمن الداخل وذلك بنشر الدعاية بأن جيش الفهري لدية مؤن كثيرة تكفية لفترة طويلة.
بعد ذلك قام الفهري بالتفاوض مع الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل بتزويجه ابنته وإعطائه أموال طائلة، لكن الأمير عبد الرحمن لم يقبل العرض أراد الاستيلاء على حكم الأندلس.
الحنكة السياسية للأمير عبد الرحمن الداخل:
تذكر المصادر على وجود خلاف بين صفوف جيش الأمير عبد الرحمن الداخل، كان الأمير يمتطي حصانًا اسبانيًا، وكان ذلك يثير قلق اليمنيون وغضبهم، حيث أنهم اعتقدوا أنه ممكن أن يُساعد الحصان الأمير عبد الرحمن على الهروب من المعركة.
تميز الأمير عبد الرحمن الداخل بحنكته السياسية وذكاءه، حيث قام باستبدال الحصان بحصان يمني من احد القادة اليمنين، على الفور للحصول على رضى اليمنيون واسترجاع دعمهم، ذكر عبد الرحمن أنّ الجواد كان ركوبه صعبًا وكان معتادًا على إبعاده عن السرج، عرض استبدال حصانه بالبغل، كانت صفقة وافق عليها القائد اليمني، كانت عملية تبادل الأحصنة قد أنقذت الأمير من تمرد يمني.
التقى الجيشان على ضفة الوادي الكبير، لم يكن لجيش الأمير عبد الرحمن راية، فقام أحد الجنود بفك عمامة خضراء ووضعها على رأس رمح بدلًا من الراية، بعد هذه الحادثة أصبحت العمامة والحربة راية ورمز الأمويين الأندلسيين، قاد الأمير عبد الرحمن الهجوم على جيش الفهري، قام الصميل بالتقدم بفرسانه لمواجهة الجيش الأموي، استمر القتال طويلًا وكان شاقًا، إلاّ أنّه تكلل بالنصر لصالح الأمير عبد الرحمن الداخل.
فرّ الفهري والصميل من أرض المعركة مع عدد من أفراد الجيش، توجه الأمير عبد الرحمن إلى العاصمة قرطبة منتصرًا، إلاّ أنّ الفهري والصميل كانوا يخططون لمهاجمة الأمير عبد الرحمن مرة أُخرى، جمع الفهري قواته من جديد وتوجه إلى قرطبة حيث يوجد عبد الرحمن الداخل، وتم التفاوض بين الطرفين، تغيرت شروط الاتفاق بين الطرفين وذلك بأن يحافظ على ثروته وحياته مع الاحتفاظ به كسجين داخل قرطبة ولا يُسمح له بمغادرتها.
كان من شروط الهدنة بين الطرفين قدوم الفهري يوميًا إلى الأمير عبد الرحمن، وتسليمه البعض من أولاده كرهائن لفترة من الزمن، يُذكر أن الفهري كان قد التزم بشروط الأمير الأموي، على الرغم من ذلك كان هناك الكثير من المؤيدين للفهري والذين كانوا يرغبون برجوعه للحكم مرة أُخرى.
حاول الفهري مرة أُخرى استرجاع الحكم وخرج من قرطبة وبدأ بحشد القوات ويُذكر أنّه جمع حوالي (20) ألفًا لم تكن القوات التي جمعها قوات نظامية وإنما كانت رجال من معظم أنحاء الأندلس، وكل الأمير عبد الرحمن الداخل حاكم إشبيلية بمطاردة الفهري وجيشه، ووقعت العديد من المعارك الصغيرة والتي انتهت بالسيطرة على التمرد وانتصار قوات الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل.
استطاع الفهري الهروب من قرطبة إلى عاصمة القوط الغربيين القديمة طليطلة الواقعة في وسط الأندلس، عندما وصل إلى هناك تم القبض عليه وقتله مُباشرة، وتم إرسال رأسه إلى الأمير عبد الرحمن الداخل، والذي قام بوضعه على جسر ليكون عبرة لمن يعتبر.
بعد ذلك أعلن الأمير عبد الرحمن الداخل نفسه أمير على الأندلس، وأثناء ذلك ومن أجل السيطرة على مناطق جنوب أيبيريا، كان لا بد من القبض على لواء الفهري، الصميل، وتم القبض عليه وسجنه في قرطبة، ومع ذلك كان هناك العديد من المناطق في شمال ووسط الأندلس خارج سيطرة الأمير الأموي مثل (طليطلة، سرقسطة، برشلونة)، وبقيت العديد من الأراضي الواسعة تحت سيطرة الموالين ليوسف بن عبد الرحمن الفهري حتى عام (779).