إِنَّ المشكلات الاجتماعية بمعناها العريض تُعبِّر عن هموم مُزمِنة واهتمامات مُتجدّدة مُلازمة للمجتمعات في استقرارها وتطوُّرها، ويُؤكِّد علم الاجتماع على أنَّه لا شيء غريب في المشكلات الاجتماعية، وأنَّها حقائق اجتماعية تماماً كحقائق المجتمع الثقافية والاقتصادية والسياسية الأخرى.
تعريف المشكلات الاجتماعية
هي ظواهر اجتماعية تُمَثّل خللاً مُعيناً في النظام الاجتماعي القائم، وتؤثّر في استقرار المجتمع وتُهدّد استمراره، فَيهتمُّ فيها الغالبية العظمى من الناس؛ لاعتقادهم بضرورة فعل شيء تِجاهها.
طبيعة المشكلات الاجتماعية
مع أنّ المشكلات الاجتماعية تأتي من طبيعة الحياة الاجتماعية نفسها، إلَّا أنَّها تأتي مُحَيَّرة للمجتمعات، مُربِكَة لاستقرارها ومزعجة لاستمرارها، ورغم أنّ المجتمعات قد عرفت جميعاً المُشكلات الاجتماعية، بصورةٍ أو بأخرى وخلال فترةٍ أو أخرى، فما زالت تهتَّز بانفعال مُعيَّن في كُلّ مَرَّة، ويبدو المجتمع تحت وطأة المشكلات الاجتماعية وكأنَّ مُجرَيات حياته وعلاقاته ومصالحه قد اضطربَت.
للمشكلات الاجتماعية القدرة على التلوّن والتَشَكّل والاستمرار والتَقَطع والصعود والهبوط، وعلى قدر ما تكون كذلك على قَدر ما تكون ردود الأفعال الاجتماعية نحوها مُتَغيرة ومُتَقَلّبَة، وعندما تتعامل المجتمعات مع مشكلاتها الاجتماعية بهذه الصورة المُشَوَشَة فهي تعمل من حيث تدري ولا تدري، على إبراز بعض المشكلات وإخفاء أخرى تُواجِه بعضها وتترك وتتهرَّب من الكثير وغيرها.
ليس الغموض صِفَة أساسية وأصلية مُلازمَة للمشكلات الاجتماعية بحدّ ذاتِها، وإنما لردود الأفعال الاجتماعية نحوها بصورة مُوازِيَة، ولأَنَّ المشكلات الاجتماعية تَطرَح بصورة أو بأخرى قضايا مجتمع مُعين وجوداً واستقراراً واستمراراً فإنَّ المجتمع المعني بالأمر يَردّ عليها بردود أفعال تُعطي المشكلات الاجتماعية وجودها وحجمها وتأثيرها. تَردّ المجتمعات على مشكلاتِها الاجتماعية بردود أفعال مُتفاوته في الحِدَّة والعُمق والتأثير؛ لأنَّها تهزّ قِيَماً راسخة وأخرى مُتَحوّلة لدى أفراد المجتمع الكُلّي، وتُضِرّ بمصالح بارزة، وأخرى مُستترة لأفراده وجماعاته وطبقاته الاجتماعية المتنافسة وتُحَرِّك طموح وتوقُّعات ظاهرة وكامنة لبعض نظمهِ وهيئاتهِ مؤسَّساتهِ.
عادية المشكلات الاجتماعية
المشكلات الاجتماعية عاديّة في المقام الأول؛ لأنَّ المجتمع الذي يُستثنى منها لم يوجد بعد، وهي ببساطة ظواهر وأفعال وحالات مُتَكرّرة مُنتَظمَة في حياة أي مجتمع، وتَشهدها المجتمعات الإنسانية جميعاً بصورة أو بأخرى وخلال فترة أو أخرى من مراحل تطوّرها بدون اختيار.
ولِحسن حظّ المجتمعات أو لسوئه، لا بُدّ أن تستمرَّ هذه الظواهر ( المشكلة) بلَون أو بآخر وبمستوى أو بآخر مُصاحِبَة للمجتمعات في نموّها وتعقيدها ومُمَثِّلَةً جزءاً حيويّاً مع مجريات الحياة الاجتماعية، ومُتَطلبات الصحة المجتمعية العامة، والبُنى والترتيبات والعمليات الاجتماعية التي تُنتِج أنماطاً من الظواهر والسلوك والمواقف العادية، وهي نفسها التي تُفرز ظواهر وأنماط سلوك أخرى يعتبرها أفراد المجتمع أنفسهم مَرَضِيَّة أو مشكلات.
وكما أنَّ لا مَفرَّ لأيِّ مجتمع مُعاصِر من استيعاب تلك الحقيقة الاجتماعية المُزعجة والعيش بها أو التعايش معها، فإنَّه لا بديل أمام دارِسِي العلوم الاجتماعية من دراسة ظواهر المشكلة في تعريفاتها ومصادرها ونتائجها بالمفاهيم التحليلية، والأساليب العمليّة نفسها التي يستخدمونها عادةً في دراسة الظواهر العادية، كما أنَّه ليس للمُشكلات الاجتماعية طبيعة خاصَّة غير تلك التي لمثيلاتها من الظواهر الاجتماعية الأخرى، وليس هناك في المُقابل طُرق وأدوات بحث خاصّة يمكنك أن تدرسها مثل: الجريمة والطلاق والمخدرات ومُعَوّقات عمل المرأة والتخلُّف الاجتماعي، غير التي تُدرَس بها عادةً ظواهر البيروقراطية والرأسمالية والديمقراطية …إلخ بوصفها ظواهر اجتماعية عادية.
تتنوع المشكلات الاجتماعية في طبيعتها وتأثيراتها، وهي تعكس الصورة الشاملة للتحديات التي يواجهها المجتمع الحديث. إن فهم طبيعة هذه المشكلات يسهم في تطوير الحلول الفعّالة وتعزيز التقدم الاجتماعي. يتناول هذا المقال نظرة عامة على طبيعة المشكلات الاجتماعية وتأثيرها على الفرد والمجتمع.