ظاهرة الاغتراب في المجتمع الطبقي عند ماركس في علم الاجتماع:
على الرغم من أن مفهوم الاغتراب قد ظهر في كتابات كل من هيجل وفيورباخ إلا أن ماركس قد عالج هذا المفهوم على ضوء فلسفته المادية الجدلية، وأضفى عليه معنى جديد غير ذلك الذي يقصده كل هيجل وفيورباخ.
ونقطة الانطلاق عند ماركس في تحليله لهذه الظاهرة السيكولوجية الاجتماعية التي تعني بصفة عامة أن يصبح الإنسان غريباً عن جانب من جوانب حياته، هي الواقع الاقتصادي الاجتماعي والعلاقات الإنتاجية التي تمارس الإنسان في ظلها العمل.
إن النظام الرأسمالي يحيل طاقة العمل إلى سلعة تباع وتشتري في الأسواق، وأن ماركس قد توصل إلى أن قيمة هذه السلعة أي قوة العمل، تتحدد مثل قيمة أي سلعة أخرى، أي عن طريق وقت العمل اللازم اجتماعياً لإنتاجها، وهذا الوقت اللازم لإنتاج قوة العمل يتمثل في الوقت المستغرق لإنتاج المستلزمات الأساسية لبقاء الإنسان العامل على قيد الحياة مثل الطعام والمسكن والملبس له ولأسرته.
ورأينا أن العامل عليه أن يستبدل العمل أو قوة عمله بقيم أخرى، وبهذه الكيفية فإنه يجعل هذا العمل غريباً عن نفسه أي يصبح عمله مغترباً عن ذاته، ويصبح سلعة يسهل تبادلها في السوق مثل أي سلعة أخرى، هذه السلعة أي قوة عمل العامل، تصبح أكثر رخصاً كلما انتج سلعاً أكثر، بعبارة أخرى يريد ماركس أن يقول أن تدهور قيمة الإنسان تتناسب عكسياً مع تزايد قيمة الأشياء التي ينتجها.
إن ما ينتجه العامل يصبح غريباً عن ذاته ويقف في مواجهته كقوة مستقلة لا يستطيع حيالها شيئاً، فالحياة التي منحها للشيء وحوله بها إلى سلعة تصبح ضده هو شخصياً كقوة غريبة عليه ومعادية له.
ويتخذ اغتراب العامل عن ناتج عمله صوراً متعددة ومتمايز وتتخذ ظاهرة الاغتراب الأبعاد التالية:
1- يفقد العامل السيطرة على التصرف في ناتج عمله طالما أن ما ينتجه يتملكه آخرون غيره بحيث لا يستفيد منه.
إن المبدأ الجوهري في اقتصاد السوق هو أن السلع تنتج من أجل التبادل وفي الإنتاج الرأسمالي يتحكم في عمله التبادل، وتوزيع السلع آليات أو مبادئ السوق الحرة، العامل ذاته الذي يعامل كسلعة تباع وتشترى في السوق لا يكون له بهذه الكيفية القدرة على تحديد مصير ما ينتجه، فمبادئ السوق تعمل بطريقة تساعد على زيادة مكاسب الرأسمالية على حساب مصالح العامل.
وهكذا فإنه حسب قول ماركس، كلما أنتج العامل أكثر كلما كانت قدرته على الاستهلاك أقل، وكلما خلق مزيداً من القيم المادية كلما قلت قيمته أو أصبح عديم القيمة.
2- يغترب العامل أيضاً خلال عملية العمل ذاتها، فإن كان نتاج العمل هو الاغتراب فإن الإنتاج ذاته لا بدّ أن يكون اغتراباً إيجابياً، أي أنه يحدث اغتراب للنشاط وأيضاً نشاط اغترابي، والعمل ذاته لا يقدم إشباعاً ذاتياً يجعل العامل قادراً على تنمية طاقاته العقلية والفيزيقية تنمية حرة، طالما أن العمل الذي يؤديه مفروض عليه بقوة الظروف الخارجية فحسب، إن العمل يصبح وسيلة لغاية لا غاية في حد ذاته، ويتضح ذلك من حقيقة أنه بمجرد أن تزول قوة الإجبار أو الإكراه عن العمل، نجد أن الناس تهرب من عملها كما لو كان هذا العمل طاعوناً.
3- بما أن كل العلاقات الاقتصادية هي أيضاً علاقات اجتماعية فإنه لا بدّ أن نلخص إلى أن اغتراب العمل له آثار اجتماعية مباشرة، فتصبح العلاقات الإنسانية في المجتمع الرأسمالي مجرد آليات في السوق، ويتضح ذلك بشكل مباشر في مغزى النقود في العلاقات الاجتماعية، إن النقود في المجتمع الرأسمالي تشجع على ترشيد العلاقات الاجتماعية طالما أنها تمثل معياراً مجرداً يمكن على أساسه المقارنة بين أكثر الخصائص اختلافاً وتجانساً واستبدال كل منها بالأخرى، فالذي يستطيع أن يشتري الشجاعة يصبح شجاعاً مهما كان جباناً، فصاحب النقود يردد دائماً أن نقوده قادرة على أن تتبادل كل خاصية وكل شيء بغيره مهما كانت هناك من تناقضات بين هذه الأشياء وبين بعضها البعض.
4- يعيش الناس في علاقة متبادلة مع العالم الطبيعي، والواقع أن التكنولوجيا والحضارة كلاهما تعبير عن نتاج هذه العلاقات التبادلية، وهما الخصائص الرئيسية التي تميز الإنسان عن الحيوان، إن بعض الحيوانات تنتج بالطبع، ولكن بطريقة آلية وبشكل تكيفي، والعمل المغترب يختزل النشاط الإنتاجي الإنساني إلى مستوى التكيف بدلاً من مستوى السيطرة الإيجابية على الطبيعة.
وهذه العملية تعزل الفرد الإنسان عن جنسه البشري أي عما يجعل حياة البشر متميزة عن حياة الحيوان، والذي يميز الحياة البشرية عن حياة الحيوانات، كما يرى ماركس هو أن القدرات والإمكانيات والميول الإنسانية تشكل من خلال المجتمع، والواقع أنه ليس هناك فرد إنساني واحد لم يولد في مجتمع ولم يتشكل من خلاله، وكل فرد هو في الواقع مستقبل للحضارة المتراكمة للأجيال السابقة، وفي نفس الوقت يسهم في تعديل وتغيير العالم الذي يعيش فيه من خلال تفاعله مع العالم الطبيعي والاجتماعي.