ظاهرة التواكل والسلبية في المجتمع هي ظاهرة اجتماعية نالت اهتمام العديد من العلماء في تخصصات مختلفة خاصة علماء الاجتماع الذين يهتمون بالسلوك والمواقف وإصدار الأحكام، ومن وجهة نظرهم هذه الظاهرة الاجتماعية تحدث نتيجة لعدة تفسيرات ومواقف، وفي هذا المقال سيتم الحديث عن هذه الظاهرة وتفسير أسباب حدوثها.
ظاهرة التواكل والسلبية في المجتمع
ظاهرة التواكل والسلبية في المجتمع من الظواهر الاجتماعية التي تهتم بمسألة كيفية أن الناس يعتمدون على المعلومات التي يحصلون عليها ظاهرياً دون تعب أو جهد وإطلاق الأحكام السلبية أو أخذ نظرة سلبية وتشائمية لكل الأمور والأحداث التي تحصل، وهذه الظاهرة الاجتماعية تهم الباحثين الذين يدرسون المواقف والسلوك في العديد من الأماكن المختلفة، وتصف النتيجة المتسقة للتحيز السلبي في دراسات تكامل المعلومات، ويناقش علماء الاجتماع عدة أنواع من التفسيرات التي تم تقديمها لها، وتستند إلى العمل المتعلق بالحكم الاجتماعي لاقتراح اتجاهات للبحث في المستقبل.
والسلبية تحدث أحياناً لعدم تكامل المعلومات، وغالبًا ما يُطلب من الناس تكوين أحكام عامة حول الأشياء التي تمتلك سمات متعددة، بعضها مرغوب فيه أكثر من البعض الآخر، ومن المفترض أن مثل هذه الأحكام تتطلب من الناس دمج عناصر منفصلة من المعلومات في انطباع موحد للكائن، واقترح عالم الاجتماع سي أندرسون نموذج متوسط مرجح بسيط لحساب هذه الأحكام، ووفقًا للنموذج سيكون التقييم الإجمالي للشخص لشيء ما هو المتوسط المرجح لتقييم الشخص لسماته الفردية.
على الرغم من أن نموذج المتوسط قدم وصفًا مفيدًا للسلوك في مجموعة واسعة من مهام التكامل، يبدو أن أحكام الناس تنحرف عن تنبؤات النموذج بالفردية، من أهمها أن الناس يميلون إلى تقييم المعلومات السلبية بشكل أكبر من المعلومات الإيجابية، وتم توثيق هذا الاتجاه بشكل أكثر دقة في تنسيق الانطباع في الأدبيات حيث وجدت العديد من الدراسات أن الانطباعات القائمة على مزيج من السمات الإيجابية والسلبية أكثر سلبية مما يمكن توقعه من قيم مقياس السمات التي تم النظر فيها بشكل منفصل.
وتم الإبلاغ عن تأثيرات مماثلة عندما تتطلب المهمة تكامل المعلومات حول سلوكيات معينة بدلاً من السمات، حيث وجدت دراسات أخرى أن الانطباعات الأولى السلبية أكثر صعوبة في التغيير وأن المعلومات السلبية أكثر احتمالًا من المعلومات الإيجابية ليكون لها تأثير دائم، ووجد علماء الاجتماع أن تأثير المعلومات السلبية على عكس المعلومات الإيجابية يؤدي إلى حدوث ظاهرة التواكل والسلبية، وأن ظاهرة التواكل والسلبية في المجتمع ذات الصلة بالمعتقدات المتعلقة بسمات الأفراد.
حيث أدى بالموضوعات إلى تغيير مواقفهم بشكل أكبر في الاتجاه السلبي عندما كانت الآثار المترتبة على المعلومات سلبية أكثر من تحولهم في الاتجاه الإيجابي عندما كانت الآثار إيجابية، ووجدت دراسات أن الخصائص السلبية الأفراد في المجتمع لها تأثير غير متناسب على قراراتهم، وكل ما سبق يتفق مع الفكرة القائلة بأنه عندما يجمع الناس المعلومات فإنهم يزينون المعلومات السلبية أكثر من الإيجابية، أي أن الكل يتم تقييمه بشكل سلبي أكثر من متوسط أجزائه.
وقبل اثني عشر عامًا قام علماء الاجتماع بمراجعة الأدلة على وجود هذه الظاهرة السلبية وقدموا العديد من التفسيرات المحتملة لذلك، ومنذ ذلك الحين نمت المؤلفات البحثية حول الإدراك الاجتماعي بشكل كبير، ووفقًا لذلك يبدو أن الوقت مناسب لإلقاء نظرة جديدة على هذا التواكل والسلبية في ضوء التطورات الأخيرة في النظرية والبحوث ذات الصلة، ومؤخرًا وصف علماء الاجتماع نوعًا مختلفًا من هذه الظاهرة والذين يعتقدان أنها تحدث في مواقف اجتماعية معينة، كالمواقف التي يتم فيها تقييم الآخرين بشكل سلبي لصالح تعزيز الذات.
ولا ينبغي الخلط بين هذا الميل الناجم عن الموقف إلى الإفراط في النقد للآخرين، ويحاول علماء الاجتماع في هذه الدراسة القيام بذلك بمراجعة موجزة للعديد من التفسيرات المحتملة للنتائج المتكررة ويقترحون اتجاهات واعدة للبحث في المستقبل.
تفسيرات لظاهرة التواكل والسلبية في المجتمع
تفسيرات ظاهرة التواكل والسلبية في المجتمع عديدة ومتنوعة، وعند فرزها من المفيد التمييز بين تفسيرات المستوى الجزئي التي تسعى إلى توضيح العمليات الإدراكية والحكمية الكامنة وراء الظاهرة وتفسيرات المستوى الكلي التي تسعى إلى وضع الظاهرة في سياق أكبر حيث يكون التفسير منطقيًا، ويأخذ علماء الاجتماع في الاعتبار العديد من التفسيرات لكل نوع، بدءًا من المستوى الجزئي.
1- أحد التفسيرات المحتملة للظاهرة هو أنها تعكس تحيزًا في الاستجابة بدلاً من التحيز في الحكم، ولا تصدر الموضوعات في دراسات تكامل المعلومات أحكامًا حول كائن ما فحسب بل يجب أيضًا ترجمة هذه الأحكام إلى استجابة على مقياس يوفره المجرب، وليس هناك ما يضمن أن الوظيفة التي تربط الأحكام الأساسية بالإجابات العلنية خطية، على سبيل المثال قد يتعين على الأشخاص عرض الأحكام من التوزيع الأساسي غير المتماثل على مقياس متماثل.
وفي مثل هذه الحالة قد يجد المرء تحولات واضحة في قيم المقياس للأحكام المتكاملة من تلك التي تنبأت بها القاعدة التوافقية الخطية، ومع ذلك قام علماء الاجتماع بالتحقيق بدقة في هذا الاحتمال ولخصوا إلى أن ظاهرة التواكل والسلبية في المجتمع هي ظاهرة حكمية حقيقية.
2- الأحكام من النوع الذي يتم دراسته في هذه الظاهرة هي المنتج النهائي لسلسلة من أنشطة معالجة المعلومات التي تبدأ بالتسجيل الإدراكي لعناصر المعلومات ذات الصلة، على سبيل المثال واصفات السمات، وتنتهي برد يصف الحكم العام، ويمكن إدخال السلبية في أي من هذه المراحل أو كلها، ويقدم علماء الاجتماع دليلاً على أن ظاهرة التواكل والسلبية في المجتمع تنعكس في مقدار الاهتمام الإدراكي المعطى لتلك المعلومات.
وتشير النتائج إلى أن الأحكام السلبية قد تكون أكثر جذب للانتباه في البداية، ويمكن أن يعكس الوزن التفاضلي الذي تتلقاه في أحكام التكامل هذا البروز الأكبر في البداية بدلاً من أي أهمية إضافية تأخذها المعلومات أثناء مهمة تكامل المعلومات نفسها.
3- ربما يكون الرأي الأكثر شيوعًا للتأثير الأكبر لظاهرة التواكل والسلبية في المجتمع هو أنها تعكس عدم تناسق في أهمية المعلومات في ظل استراتيجية الحكم النموذجية، أي أن الناس يزنون المعلومات السلبية بشكل أكبر من الإيجابية لأنهم ضمنيًا هذه هي الطريقة التي يعتقدون أنها يجب موازنتها.
4- وتم تقديم العديد من التفسيرات المحتملة على المستوى الكلي لسبب وجوب أن يكون هذا هو الحال، ولكن في الوقت الحالي علماء الاجتماع مهتمون بمحاولات فهم ما يفعله الناس بدلاً من سبب إنه قد يكون من المنطقي بالنسبة لهم القيام بذلك، وأحد الاحتمالات هو أن نموذج متوسط سي أندرسون يعطي وصفًا جيدًا إلى حد ما لكيفية صنع الأحكام التكاملية باستثناء إنه في متوسط الانطباعات الفردية، يعطي الناس وزناً أكبر لتلك السلبية أو المتطرفة.
5- ومع ذلك جادل العديد من المحققين في أن ما يفعله الناس في الواقع قد يكون مختلفًا تمامًا عن عملية حساب المتوسط المفترضة في نموذج أندرسون، على سبيل المثال جادل علماء الاجتماع بأنه عندما يُطلب من الأشخاص إصدار حكم على أساس عدة عناصر من المعلومات، فإنهم يختارون العنصر الذي يحتوي على أكثر آثار التقييم تطرفًا ويصدرون حكمًا مؤقتًا بناءً على هذا البند، ثم يفحصون الآثار المترتبة على البنود المتبقية ويعدلون الحكم المؤقت وفقًا لذلك.
وستؤدي مثل هذه العملية بالطبع إلى زيادة وزن المعلومات الأكثر تطرفًا أو المزيد من المعلومات السلبية، ولكن كنتيجة ثانوية للطريقة التي يتم بها إصدار الحكم، قد تتضمن العملية التثبيت بدلاً من الترجيح التفاضلي للعناصر التي يتم النظر فيها بشكل متوازٍ.
6- واقترح علماء الاجتماع أيضاً نموذجًا يرى عملية الحكم بأكملها كمجموعة من أحكام الاحتمالية القاطعة المشابهة لتلك التي تم إجراؤها في مهمة تحديد المفهوم، ويستخدم الأشخاص عناصر مختلفة من المعلومات حول كائن ما لتطويق الفئات التي يمكن أن ينتمي إليها الكائن.
ويمثل تصنيف المقياس الإجمالي المخصص لكائن ما القيمة المتوقعة لتوزيع احتمالي شخصي، أي الفئة الأكثر تمثيلاً لتلك التي يمكن أن ينتمي إليها الكائن، ولا يتم جمع ولا متوسط عناصر المعلومات المنفصلة، وبدلاً من ذلك تعتمد مضامينها المشتركة على التوزيع الاحتمالي المقترن أو المقدّر، والذي قد يكون مختلفًا تمامًا عن متوسط التوزيعات الفردية.
ومن خلال التعامل مع تصنيفات المقياس كنتيجة لمهمة تقدير احتمالية ذاتية، يؤكد النموذج على أهمية عدم اليقين، وتتساوى الأشياء الأخرى وستكون عناصر المعلومات الأكثر تأثيرًا حول كائن ما هي الأقل غموضًا، لأن مثل هذه العناصر ستحدد بشدة الفئات التي يمكن أن ينتمي إليها الكائن، حيث وجد علماء الاجتماع أن صفات السمات السلبية لم تكن فقط أكثر تأثيرًا من الصفات الإيجابية المستقطبة بشكل متساوٍ، ولكن تم تصنيفها أيضًا على أنها أقل غموضًا.