اقرأ في هذا المقال
- الإطار العام للعلاقة بين العمر والجريمة
- تفسير هيرشي وجوتفريدسون للجريمة عن طريق العمر
- تفنيد حجة الثوابت لعلاقة العمر بالجريمة
تعد العلاقة المنحنية بين العمر والجريمة واحدة من أكثر النتائج اتساقًا في علم الجريمة، وقد تمت الإشارة إليها على أنّها انتظام تجريبي مرن وإحدى الحقائق القاسية في علم الإجرام، فقد حدد الإحصائيون الاجتماعيون في وقت مبكر مثل كويتيليت في القرن التاسع عشر وجود علاقة قوية بين العمر والجريمة والتي أصبحت تُعرف باسم منحنى العمر والجريمة.
الإطار العام للعلاقة بين العمر والجريمة
لقد أدرك علماء الإجرام منذ فترة طويلة أنّ العمر هو مؤشر قوي للغاية للتنبؤ بالجريمة في المجمل والأفراد، ويُظهر الاكتشاف الأكثر شيوعًا عبر البلدان والمجموعات والفترات التاريخية أنّ الجريمة تميل إلى أن تكون نشاطًا متداولًا بين الشباب، ومع ذلك فإنّ العلاقة بين السن والجريمة ليست ثابتة بل تختلف في الواقع في سماتها المحددة وفقًا لأنواع الجريمة والموقع الهيكلي للجماعات والسياقات التاريخية والثقافية.
من ناحية أخرى يبدو أنّ العلاقة بين الجريمة والعمر متشابهة إلى حد ما بين الذكور والإناث، وأخيرًا على الرغم من أنّهم يشكلون مجموعة صغيرة جدًا إلّا أنّه لا يُعرف سوى القليل نسبيًا عن المجرمين المزمنين الأكبر سنًا، ومن الواضح أنّ بنية وديناميكيات وسياقات الإساءة بين الأفراد الأكبر سنًا هي موضوع ثري لمزيد من البحث.
تفسير هيرشي وجوتفريدسون للجريمة عن طريق العمر
أشار العديد من العلماء إلى مقال هيرشي وجوتفريدسون في عام 1983 الأساسي، والذي حمل عنوان العمر وشرح الجريمة كبداية لنقاش جاد حول العلاقة بين العمر والجريمة، وتتمحور هذه المناقشة حول عدد من العوامل المنهجية والنظرية على حد سواء، وعلى وجه التحديد وضع هيرشي وجوتفريدسون عددًا من وجهات النظر الأساسية حول العلاقة بين العمر والجريمة، فأولاً وربما الأهم جادل هؤلاء المؤلفون بأن منحنى العمر والجريمة ثابت عبر مجموعة متنوعة من العوامل الاجتماعية والثقافية بما في ذلك الزمان والمكان والأفراد وأنواع الجريمة.
على الرغم من أنّهم أدركوا أنّه قد تكون هناك اختلافات في مستويات الإساءة بين المجموعات -على سبيل المثال بين الذكور والإناث– فقد رفضوا هذا الاختلاف لصالح الاستنتاج القائل بأنّ الشكل العام للمنحنى هو نفسه، وحجة الثبات هذه لها آثار عميقة على الاعتبارات المنهجية والنظرية والعملية في علم الجريمة وأثارت جدلاً حادًا بين علماء الجريمة الذين تمت زيارتهم بمزيد من التفصيل لاحقًا في هذه الورقة البحثية، كما تناول هيرشي وجوتفريدسون المحاولات النظرية للتعامل مع منحنى العمر والجريمة، بحجة أن النظريات يجب ألّا تكون ملزمة بمحاولة تفسير هذه العلاقة ولا ينبغي رفضها فقط بسبب عدم قدرتها على القيام بذلك.
أكد المؤلفون كذلك أنّه لا توجد نظريات إجرامية قادرة على تفسير منحنى العمر والجريمة، وفي غياب تفسيرات نظرية قوية اقترح هيرشي وجوتفريدسون أنّ للعمر تأثير مباشر على الجريمة وعلى العوامل الاجتماعية الأخرى المقترحة لشرح الجريمة، والعلاقة الظاهرة بين الزواج وتقليل المخالفة هي علاقة كاذبة لأنّ العمر يسبب كليهما، وبمعنى آخر تظهر هذه العلاقة فقط لأنّ الأفراد يتزوجون ويبدأون في تجاوز الجريمة في نفس الوقت، وأخيرًا جادل هيرشي وجوتفريدسون بأنّ تصور العلاقة بين العمر والجريمة من منظور مهنة إجرامية غير ضروري وربما مضلل خاصة وأنّ أسباب الجريمة هي نفسها في جميع الأعمار طوال الحياة.
تفنيد حجة الثوابت لعلاقة العمر بالجريمة
لاحظ ستيفنسمير وزملاؤه الخلاف حول قوة وثبات العلاقة بين العمر والجريمة، وتنبع إحدى النقاط المنهجية الرئيسية للحجة من تأكيد هيرشي وجوتفريدسون على أنّ منحنى العمر والجريمة ثابت عبر الزمان والمكان والخصائص الفردية ونوع الجريمة وما إلى ذلك، ولقد تناول العديد من علماء الجريمة هذه الحجة وأكدوا أنّ ادعاء الثبات مبالغ فيه، وفي تلخيص المناقشة وجد تيتل وجراسميك دليلًا على الثبات فقط عند النظر في الشكل الرياضي العام للمنحنى.
بعبارة أخرى يبدو منحنى السن والجريمة الإجمالي متشابهًا عبر الأماكن والأوقات وأنواع الأفراد وأنواع الجرائم المختلفة، وتشترك جميع المنحنيات في نفس النمط العام أحادي الوسائط لارتفاع المعدلات إلى الذروة في أواخر مرحلة المراهقة وانخفاض معدلات خلال مرحلة البلوغ، ومع ذلك علق تيتل وجراسميك على أنّ ادعاءات الثبات البارامترى والفرداني قد تم رفضها بشكل قاطع، فمن حيث الثوابت البارامترية وجدت الدراسات التي تدرس الخصائص المحددة لمنحنى الجريمة والعمر -أي الوسيط والمتوسط والانحراف والتفلطح- اختلافات.
على سبيل المثال باستخدام كل من تقارير الجريمة الموحدة وبيانات التقرير الذاتي وجد ستيفنسمير وزملاؤه أنّه في حين أنّ الشكل العام للمنحنيات الإجمالية متشابهة تختلف المعلمات المحددة للمنحنى، وأشاروا على وجه الخصوص إلى أنّه بمرور الوقت تحولت ذروة منحنى العمر والجريمة إلى الأعمار الأصغر وأصبح المنحنى أكثر حدة، وفي دراسته للمكونات المحددة للمنحنى خلص فارينجتون أيضًا إلى أنّ منحنى العمر والجريمة ليس ثابتًا، وعلى الرغم من أنّ هيرشي وجوتفريدسون رفضا هذه الاختلافات باعتبارها غير مهمة إلّا أنّ آخرين يجدونها مثيرة للاهتمام بشكل جوهري وتستحق الاهتمام.
الانحراف الفردي بين العمر والجريمة
تم رفض ادعاء الثبات أيضًا عند النظر في منحنى العمر والجريمة على المستوى الفردي، ولاحظ تيتل وجراسميك العديد من الانحرافات الفردية عن منحنى العمر والجريمة النموذجي، وجادل بلومشتاين وزملاؤه بأنّه نظرًا لأنّ منحنى العمر والجريمة الإجمالي يسجل الانتشار (على سبيل المثال نسبة السكان في عمر معين الذين ينخرطون في الجريمة) فإنّه يبدو أنّه ثابت فقط، وعندما ينظر المرء إلى العلاقة بين العمر والجريمة على المستوى الفردي يمكن للمرء أن يرى قدرًا كبيرًا من الاختلاف، واستشهد فارينجتون أيضًا بالتباين الفردي في المسارات المسيئة والتي تم تكرارها في بحث أحدث.
يسلط هذا الضوء على نقاش منهجي مهم من حيث ما إذا كانت العلاقة بين العمر والجريمة ترجع إلى الانتشار (أي معدلات المشاركة) أو الحدوث (أي الأنماط الفردية لتكرار الجريمة)، وتشير الاختلافات في معدلات انتشار أو مشاركة المخالفين إلى أنّ الشكل العام لمنحنى العمر والجريمة يظهر لأنّ التورط في الجريمة يختلف حسب الفئة العمرية، وبعبارة أخرى فإنّ نسبة أكبر من المراهقين يشاركون في ارتكاب الجريمة، بينما تنخفض نسبة السكان المتورطين في ارتكاب الجريمة بالنسبة للفئات العمرية الأكبر سنًا.
من ناحية أخرى تشير دراسة حدوث أو تكرار الجرائم إلى أنّ منحنى العمر والجريمة هو تمثيل إجمالي للاختلافات الفردية في عدد الجرائم المرتكبة في مختلف الأعمار، وبعبارة أخرى يرتكب الأفراد عددًا أكبر من الجرائم خلال سنوات المراهقة ويقللون من تكرار ارتكابهم للجرائم مع تقدمهم في السن، ومن المتفق عليه بشكل عام الآن أنّ العلاقة الظاهرة في منحنى السن والجريمة ترجع إلى الانتشار، وبدءًا من عمل ناجين ولاند استمرت الدراسات في إظهار التباين في مسارات تكرار المخالفة، ووافق هيرشي وجوتفريدسون أيضًا، وجادلوا أيضًا بأنّ الاختلافات في الانتشار (أي التمييز الدقيق بين الجناة وغير المجرمين) هي أهم اعتبار في علم الجريمة.