علاقة توظيف المراهقين بالجنوح

اقرأ في هذا المقال


يدخل ما يصل إلى 90٪ من المراهقين سوق العمل في مرحلة ما خلال حياتهم المهنية في المدرسة الثانوية في بعض دول العالم لا سيما الصناعية منها، كما أنّ هناك نسبة غير بديهية من المراهقين العاملين يعملون بكثافة عالية، وهي تسمية تدل على العمل لأكثر من 20 ساعة في الأسبوع، وتشير الحكمة الشعبية إلى أنّ التعرض المكثف لعالم عمل الكبار يوفر عددًا من الفوائد الإيجابية للمراهقين؛ بسبب الطريقة التي يبني بها وقت فراغ الشباب ويزيد من التعرض لشخصيات سلطة الكبار ويعزز الاستقلال والنضج ويعلم المسؤولية في الاستخدام من المال ويعزز التوازن بين المسؤوليات المتعددة، ولكن من المدهش أنّ الأبحاث التجريبية أثبتت باستمرار أنّ علاقات التوظيف في العام الدراسي سلبية بشكل وهذا صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالسلوك المنحرف وارتكاب الجريمة.

علاقة الجنوح بعدد ساعات العمل لدى المراهقين

في الثمانينيات والتسعينيات ظهر جيل من الدراسات حول توظيف الشباب والسلوك غير الاجتماعي الذي أعطى اهتمامًا أكثر استدامة للعواقب التنموية المراهقين، وكان العمل الأساسي لهذا الجيل الجديد من الأبحاث كتابًا لجرينبرجر وشتاينبرغ بعنوان عندما يعمل المراهقون: التكاليف النفسية والاجتماعية لتوظيف المراهقين، وكان استنتاجهم الواضح هو أنّ: “الالتزام الواسع بوظيفة ما قد يتداخل مع عمل النمو”.

وجدت الأبحاث التي أجراها لجرينبرجر وشتاينبرغ وآخرون باستمرار أنّ العمل أثناء المدرسة الثانوية كان مرتبطًا بمعدلات أعلى من سوء السلوك المدرسي (على سبيل المثال التغيب عن المدرسة والغش والتعليق)، وكذلك تعاطي المخدرات (على سبيل المثال السجائر والكحول والماريجوانا)، والانحراف البسيط (على سبيل المثال السرقة والتخريب) والجنوح الخطير (على سبيل المثال العدوان بين الأشخاص والاعتداء)، وعلاوة على ذلك اكتشف الباحثون أنّ هذه الآثار الجانبية السلبية للعمل كانت بشكل عام دالة على كثافة العمل أو عدد الساعات المخصصة للعمل في الأسبوع، وعلى وجه التحديد ارتبط العمل المكثف لأكثر من 20 ساعة في الأسبوع بأكثر النتائج سلبية.

بعد ذلك كان الإجماع العلمي هو أنّ العمل ذو الشدة المعتدلة (1-20 ساعة في الأسبوع) له آثار ضارة قليلة، وفي بعض الحالات يكون أكثر فائدة من الناحية التنموية من عدم العمل على الإطلاق، ومع ذلك يبدو أنّ العمل بعد عتبة 20 ساعة هذه يرتبط بتكاليف أكثر من الفوائد للتنمية الاجتماعية والعاطفية للشباب، وإنّ اكتشاف أنّ العمالة المكثفة خلال فترة المراهقة تزيد من خطر الانحراف أمر محير في ضوء البحث عن توظيف البالغين الذي تمت مراجعته مسبقًا، والذي يشير باستمرار إلى أنّ البالغين المرتبطين بقوة بالعمل والذين يحصلون على عمل بدوام كامل هم أقل ويحتمل أن يكون متورطا جنائيا.

لقد دفعت هذه النتائج المتناقضة الباحثين إلى الموقف المحرج الذي يشير إلى أنّ علامة تأثير العمل تتغير في مرحلة ما أثناء الانتقال إلى مرحلة البلوغ، أي أنّ الارتباط القوي بالعمل (كما يقاس بعدد الساعات في الأسبوع) يُعد إجراميًا للمراهقين ولكنه وقائي للبالغين.

علاقة جنوح المراهقين بجودة الوظيفة

لحسن الحظ فإنّ نظريات العمل والجريمة مرنة بما يكفي لاستيعاب الشذوذ الظاهر في عمل المراهقين، حيث تناشد مجموعة واحدة من التفسيرات أطروحة جودة الوظيفة للنظريات الاقتصادية والاجتماعية التقليدية، ويتركز عمالة المراهقين في صناعات البيع بالتجزئة والخدمات، وفي المهن التي تعتبر عالميًا منخفضة الجودة، حيث تدفع هذه الوظائف بالكاد أكثر من الحد الأدنى للأجور وتنطوي على القليل من استخدام أو اكتساب أي مهارات بارزة، ولا تقدم سوى القليل من الفوائد أو الفرص أو لا تقدم على الإطلاق للتنقل التصاعدي وتعاني من معدل دوران ثابت.

غالبًا ما يتم الاستهزاء بهم باعتبارهم مراهقة  (McJobs)، وهو مصطلح عام لوظيفة ذات أجر منخفض ومكانة منخفضة تتطلب القليل من المهارات وتوفر فرصة ضئيلة للغاية للتقدم- ولا تولد أي درجة كبيرة من الارتباط من جانب العمال المراهقين، وعلاوة على ذلك فإنّها تميل إلى تضمين ظروف عمل مرهقة وغالبًا ما تكون نقطة توقف للمتسربين من المدرسة الثانوية، وبالتالي فإنّه لا يتطلب الحركات البهلوانية النظرية شرح لماذا قد يكون توظيف المراهقين إجراميًا، وتؤدي الوظائف منخفضة الجودة إلى الجريمة بين المراهقين والبالغين على حد سواء، كما تصادف أن تكون الوظيفة النموذجية للمراهق العادي منخفضة الجودة وبالتالي فهي وظيفة إجرامية.

علاقة جنوح المراهقين بالتطور المبكر

تركز مجموعة أخرى من التفسيرات الانتباه على المراهقة كمرحلة حياة وهي متجذرة بشكل أكبر في علم النفس التنموي ونظريات التطور المبكر، وببساطة فإنّ العمالة المكثفة هي أحد أعراض النزعة الكامنة والمرحلة المحددة لتسريع الانتقال إلى مرحلة البلوغ قبل أن يكتسب المراهقون النضج للقيام بذلك، وبالتالي فإنّ القضية الأساسية لنظرية التطور المبكر لها علاقة بالتوقيت المبكر للعمل أو الدخول خارج الوقت التطوري إلى دور العمل وخاصة دور العمل المكثف، ووفقًا لهذا المنظور فإنّ الأسرة والمدرسة هما مؤسستا التنشئة الاجتماعية الأساسية في حياة المراهقين حيث يأخذ مكان العمل أهمية ثانوية حتى سنوات ما بعد المرحلة الثانوية.

فيما يتعلق بالعلاقات الأسرية يؤدي التوظيف المكثف إلى اضطراب العلاقات الصحية بين الوالدين والطفل، لأنّ هؤلاء الشباب يقضون وقتًا أقل معهم ويكونون أقل قربًا عاطفياً منهم وينخرطون في المزيد من الخلافات معهم، ولا يخضعون للمراقبة عن كثب ويمارسون قدرًا أكبر من الاستقلالية في اتخاذ القرار تجاه والديهم من غير العمال أو العمال المعتدلين.

أما في مجالات التعليم يرتبط التوظيف المكثف بسحب الاستثمار في المدرسة وفك الارتباط بها لأنّه يرتبط بوقت أقل يقضيه في الدراسة وأداء الواجبات المنزلية، وقطع الصف والتغيب عن الدراسة وتطلعات تعليمية أقل ومناهج مسار غير أكاديمي ومواقف مدرسية سلبية وانخفاض في المستوى الأداء الدراسي، ولذلك فإن الانخراط في دور العمل غير المنتج من الناحية التطورية يتنافس مع الأسرة والمدرسة باعتباره التأثير المهيمن في حياة المراهقين ويؤدي إلى مجموعة متنوعة من التكيفات المنحرفة والإجرامية.

الدراسات الحديثة لعلاقة جنوح المراهقين بالعمل

بغض النظر عن الآلية التفسيرية وحتى وقت قريب كان هناك إجماع فعلي على أنّ عمالة المراهقين الشباب هي عمل إجرامي، ومع ذلك ظهرت جولة جديدة من أبحاث عمالة الشباب في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي تتحدى بشدة تفسير ارتباط التوظيف والانحراف باعتباره استدلالًا سببيًا، وكان هذا البحث منتبهًا لحقيقة أنّ العمال المراهقين (خاصة العمال ذوي الكثافة العالية) يختلفون عن العمال المعتدلين وغير العمال وغالبًا قبل بدء العمل بوقت طويل.

على سبيل المثال يميل الشباب إلى دخول سوق العمل جزئيًا نتيجة ضعف الارتباط العاطفي بوالديهم وقلة الأداء الأكاديمي وانفصال المدرسة والسلوك المنحرف والمعادي للمجتمع في وقت مبكر، وبعبارة أخرى فإنّ الشباب الأكثر ميلًا للجريمة هم بالتحديد أولئك الذين يرجح أن يعملوا بشكل مكثف أثناء وجودهم في المدرسة، وهذا يعني أنّ التأثير الإجرامي الواضح لعمالة الشباب قد يكون نتيجة اختيار بدلاً من التأثير السببي الحقيقي للعمالة على السلوك المنحرف.


شارك المقالة: