علم الاجتماع والأيديولوجيات المتصارعة

اقرأ في هذا المقال


علم الاجتماع والأيديولوجيات المتصارعة:

يمكن القول بأن علم الاجتماع أو الفكر السوسيولوجي المبكر قد بدأ بداية ثورية حيث تبنى قضية إعادة صياغة الحياة الاجتماعية، لإرسائها على أساس من المنطق والعقل، إن الفكر السوسيولوجي المبكر دافع عن ضرورة إعادة النظر في أساسيات التنظيم الكلي للمجتمع، وفي مقدمتها قوى العمل والإنتاج وبناء القوة والسيطرة، وقد كان ينطلق في هذا عن الرغبة في دعم الطبقة البرجوازية الصاعدة.

ولكن ما أن استتبت الأوضاع في صالح هذه الطبقة بعد الثورة الفرنسية البرجوازية، حتى ظهر لنا رد فعل متناقض، إزاء دعوة عصر الاستنارة التي تتعلق بإعادة الصياغة النظامية والتنظيمية للمجتمع، الأول هو رد الفعل المحافظ أو ما يطلق عليه ترياكيان رد الفعل الإصلاحي، أما الثاني فهو رد الفعل الثوري، ويمثل الاتجاه الأول أغلب رواد علم الاجتماع في العالم الغربي مثل كونت ودور كايم وأنصار الاتجاه الوضعي في فرنسا وماكس فيبر وأنصار الاتجاه في ألمانيا وباريتو وبارسونز وميرتون وأنصار الاتجاه الوظيفي في أمريكا.

أما رد الفعل الثاني فهو ذلك الذي حاول الوصول بحركة التاريخ إلى نهايتها المتصورة على أساس تصور فلسفي معين للمراحل التاريخية والمجتمعية، وقد زعم أنصار هذا الاتجاه أن المسيرة الجدلية للتاريخ تحتم التحول نحو المجتمع اللاطبقي من خلال عوامل حتمية جنباً إلى جنب مع محاولات التغيير المخطط التي تستند إلى مبادئ الحركة العامة للتاريخ، كما تعتمد على الوعي بالقوانين الموضوعية المسيرة للإنسان والمجتمع والتاريخ، ويمثل هذا الرأي أنصار الاتجاه الماركسي في علم الاجتماع مثل أندريفا وجيرزي فياتر وغيرهم في أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي.

أنصار علم الاجتماع الإصلاحي:

ويشير ترياكيان إلى أن المدرسة الفرنسية في علم الاجتماع هي أبرز ممثل للاتجاه الإصلاحي في ذلك العلم، ذلك الاتجاه الذي ركز على الاحتفاظ بالأوضاع القائمة عقب الثورة الفرنسية من حيث النظم الاقتصادية وبناء القوة، مع محاولة استحداث بعض الإصلاحات الوظيفية أو الفكرية والقيمية من خلال المنهج التدرجي، وأبرز ممثلي هذا الاتجاه خارج فرنسا كما يشير ترياكيان هم كارل مانهايم وماكس شيلر.

ويتبنى أنصار علم الاجتماع الإصلاحي مبادئ مجموعة من المفكرين الذين تزعموا رد الفعل اليميني المحافظ في مواجهة فلسفة عصر الاستنارة مثل برك ودي بونالد، ويؤكد علماء الاجتماع الإصلاحيين أن أبناء المجتمع وكيانه يعتمد في المحل الأول على نظامه المعياري والقيمي والأخلاقي، ولا يقوم المدخل الأساسي لدراسة المجتمع عندهم على أساس التحليل ولكنه يقوم على أساس التركيب.


شارك المقالة: