علم الاجتماع ودعوى الاستقلال العلمي

اقرأ في هذا المقال


علم الاجتماع ودعوى الاستقلال العلمي:

يؤكد العديد من الباحثين في هذا العلم أن علم الاجتماع علم خالٍ من القيم على اعتبار أنه المنهج العلمي في دراسة الحياة الاجتماعية، الأمر الذي يحقق الموضوعية الكاملة، ولكن الواقع أن هذه الدعوى المتعلقة باستقلال علم الاجتماع وموضوعيته.

اعتماداً على الاعتبارات المهنية والمنهجية، تتناقض مع ما كشف عنه علم اجتماع المعرفة من تعدد وتداخل مجموعة كبيرة من العوامل المنظورة وغير المنظورة في تشكيل فكرة الباحث أو المفكر وانطلاقاً من هذه الفكرة فإنه يجب الاعتراف بأن هناك مجموعة من الظروف والمواقف تشكل المنطلق الأساسي لفكرة عالم الاجتماع.

كما تصوغ رؤيته الحقيقة الاجتماعية وعلى أسلوب انتقائه لموضوعات الدراسة، وعلى ما ينتهي به من نتائج، والواقع أن تأثير الخلفية الاجتماعية الفكرية والطبقية والاقتصادية، تبرز بجلاء يهتم بقضايا تتصل بالقيم والدين والمعتقدات أو بالذات العميقة للباحث، كما أنها تتصل بنظام الحكم وموقف الإنسان من المجتمع والتنظيم الاجتماعي والاقتصادي للدولة.

ويشير جولدنر إلى أن علماء الاجتماع يطبقون معايير معينة عندما يدرسون الإنسان داخل المجتمع، فهم يفترضون أن الناس العاديين يتأثرون بأوضاعهم الطبقية والاقتصادية والاسرية، في حين أن علماء الاجتماع متحررون تماماً من هذه الضغوط، وهم بهذا يقسمون أعضاء المجتمع إلى صفوة، علماء الاجتماع والجماهير وهم من دونهم، وبالتالي يقعون فيما يطلق عليه جولدنر الثنائية المنهجية.

ويؤكد جولدنر أن عالم الاجتماع شأنه في ذلك شأن كافة أعضاء المجتمع ليس هو ما يأكله أو ما يدعيه وإنما هو ما يراه ويسمعه ويهتم به ويتطلع إليه، فالوضع الطبقي للباحث السوسيولوجي وانتمائه السياسي وطبيعة الأيديولوجية السائدة داخل المجتمع الذي يعيش فيه، كل هذه العوامل وغيرها تسهم في تشكيل فكرة ونظريته، في تحديد طبيعة المشكلات التي يتناولها وأسلوب ذلك التناول.

ويشير روبرت نسبت إلى الفكر السوسيولوجي عند مؤسس علم الاجتماع، انطلق أساساً من أيديولوجية الثورة الفرنسية، ويذهب إلى أن اهتمام كونت والعديد من علماء الاجتماع اللاحقين في فرنسا انصب في المحل الأول على مواجهة عوامل التمزق والانقسام داخل المجتمع، وفي مقدمتها غياب القوة السياسية المركزية القادرة على السيطرة والضبط، وتحقيق التكامل الاجتماعي داخل المجتمع، وقد كان ذلك الموضوع محل اهتمام الفكر السوسيولوجي من دي توكفيل وحتى دور كايم.


شارك المقالة: