علم الجريمة بين النظريات البيولوجية والوضعية

اقرأ في هذا المقال


تحاول النظريات البيولوجية في مجال علم الإجرام شرح السلوكيات المخالفة لتوقعات المجتمع من خلال فحص الخصائص الفردية، ويتم تصنيف هذه النظريات ضمن نموذج يسمى الوضعية (المعروف أيضًا باسم الحتمية)، والذي يؤكد أنّ السلوكيات بما في ذلك السلوكيات المخالفة للقانون، والتي يتم تحديدها من خلال عوامل خارجة عن السيطرة الفردية إلى حد كبير، كما تتناقض النظريات الوضعية مع النظريات الكلاسيكية التي تجادل بأنّ الناس يختارون عمومًا سلوكياتهم في العمليات العقلانية لاتخاذ القرار المنطقي، ومع النظريات النقدية التي تنتقد صنع القوانين والتقسيم الطبقي الاجتماعي والتوزيع غير المتكافئ للسلطة والثروة.

تصنيف النظريات البيولوجية

النظريات البيولوجية للجريمة تصنف النظريات الوضعية بشكل أكبر على أساس أنواع التأثيرات الخارجية التي تحددها على أنّها حاسمة محتملة للسلوك الفردي، فعلى سبيل المثال تنظر النظريات النفسية في النمو العقلي للفرد وأدائه، بينما نظريات علم الاجتماع تقيم تأثير البنية الاجتماعية على الأفراد (على سبيل المثال عدم التنظيم الاجتماعي والشذوذ والنظريات الفرعية الثقافية والفرصة والضغط) وتأثير الوظيفة والعمليات الاجتماعية على الأفراد (على سبيل المثال الارتباط التفاضلي والتعلم الاجتماعي والروابط الاجتماعية ووضع العلامات)، ويمكن تصنيف النظريات البيولوجية إلى ثلاثة أنواع وهي:

  • تلك التي تحاول التمييز بين الأفراد على أساس بعض السمات أو الخصائص الجسدية الخارجية (أي تلك التي ولدت بها).
  • أولئك الذين يحاولون تتبع مصدر الاختلافات في الخصائص الجينية أو الوراثية.
  • أولئك الذين يحاولون التمييز بين الأفراد على أساس الاختلافات الهيكلية أو الوظيفية أو الكيميائية في الدماغ أو الجسم.

من الصعب تقديم تسلسل زمني دقيق لأهم ما في النظريات البيولوجية، وذلك جاء لأنّ العديد من التطورات والحركات الهامة حدثت في وقت واحد في أجزاء مختلفة من العالم، فعلى سبيل المثال وعلى الرغم من أنّ النظريات البيولوجية تعتبر وضعية فإنّ مفهوم الوضعية لم يتطور إلّا بعد تطور بعض المنظورات البيولوجية المبكرة، بالإضافة إلى ذلك تتم مناقشة النظريات البيولوجية للسلوك التي تنطوي على بعض جوانب التطور أو علم الوراثة أو الوراثة من حيث تلك التطورات العلمية على الرغم من أنّ نظريات السمات الفيزيائية لا تزال شائعة.

ما هي الوضعية في علم الجريمة

الوضعية هي نظرية تستخدم في مجال علم الجريمة لشرح السلوك الإجرامي والتنبؤ به، فعلم الجريمة هو مجال واسع للدراسة يعد الطلاب لأدوار في نظام العدالة الجنائية والإصلاحيات والعمل الاجتماعي وإنفاذ القانون وأكثر من ذلك، ولا يتعامل علم الجريمة مع حل الجرائم فحسب بل يهدف أيضًا إلى فهم أين وكيف ولماذا تحدث الجريمة، وفي الواقع أحد العناصر الأساسية لعلم الإجرام هو فهم ما يحفز المجرمين على ارتكاب الجرائم.

الوضعية في علم الجريمة

ظهرت المدرسة الوضعية لعلم الإجرام في القرن التاسع عشر كفكرة متناقضة مع النظرية الكلاسيكية للجريمة، وافترضت المدرسة الكلاسيكية لعلم الإجرام أنّ الأفراد يرتكبون جرائم بسبب رغباتهم الأنانية، وأنّ الجريمة هي نتاج الإرادة الحرة، ومن ناحية أخرى تربط الوضعية في علم الإجرام الجريمة بالتأثيرات الخارجية أو الداخلية الملقاة على الأفراد وتعزو سبب ارتكاب الأشخاص للجرائم إلى هذه العوامل، وهذه المدرسة الفكرية تخلق علاقة بين السلوك الإجرامي والسمات النفسية أو الاجتماعية للجاني، فعلى سبيل المثال ستربط النظرية الوضعية الجريمة بنقص الرعاية الأبوية بدلاً من القرار المحسوب للجاني، وتاريخيًا تم تناول النظرية الوضعية للجريمة بطريقتين وهي:

الوضعية الفردية

الوضعية الفردية تربط السلوك الإجرامي بالعوامل النفسية لدى الجاني، وفي هذه المدرسة الفكرية يعتقد علماء الإجرام أنّ الظروف النفسية أو الشخصية الموجودة في الفرد هي أصل الجريمة، ولذلك يمكن أن يساعد علم النفس في التخفيف من السلوك الإجرامي.

الوضعية الاجتماعية

تركز الوضعية الاجتماعية بشكل أساسي على الكيفية التي يمكن أن تؤدي بها عوامل اجتماعية معينة في حياة الفرد إلى ميل أعلى للجريمة، ويمكن أن تشمل هذه العوامل الاقتصادية والسياسية والعائلية وأكثر من ذلك، وقد يكون علماء الجريمة الذين يتبعون هذه المدرسة الفكرية أكثر عرضة للتخفيف من الجريمة من خلال الإصلاح الاجتماعي.

وجهات النظر الكلاسيكية والوضعية للسلوك

النظريات البيولوجية هي نوع فرعي من النظرية الوضعية، حيث تطورت الوضعية كوسيلة لشرح السلوكيات المخالفة للقانون خلال الجزء الأخير من القرن التاسع عشر كرد فعل على القسوة الملحوظة لفلسفات المدرسة الكلاسيكية، وأكد الفكر الكلاسيكي الذي ظهر خلال عصر التنوير (من منتصف القرن السابع عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر) أنّ الإنسان يعمل على أساس الإرادة الحرة والتفكير العقلاني ويختار مسارات العمل التي يجب اتخاذها.

وفقًا للمنظرين الكلاسيكيين كان الأفراد ينخرطون في سلوكيات ممتعة ويتجنبون السلوكيات المؤلمة، والعقاب (من النوع المناسب وبالكميات المناسبة) من شأنه أن يردع الفرد عن ارتكاب فعل ما إذا أدت تلك العقوبة إلى ألم يفوق المتعة، واستنكر المنظرون الكلاسيكيون في الغالب التعذيب كنوع من العقاب لأنّه كان عقابًا أكثر مما هو ضروري لمنع حدوث الفعل في المستقبل، وكانوا يعتقدون أنّ العقوبة يجب أن تكون متناسبة مع الجريمة لتكون فعالة كرادع.

لم تكن الآراء الكلاسيكية قلقة للغاية بشأن أسباب السلوك، وكان يُنظر إلى السلوكيات على أنّها نتيجة الاختيار وليس نتيجة عوامل متأصلة أو خارجية لا يمكن للفرد السيطرة عليها إلى حد كبير، ومع ذلك أدى التقدم الكبير في الفكر والمنهج العلمي إلى تطبيق العلم في دراسة السلوك البشري والاجتماعي، وكان التركيز الأساسي لهذه الأفكار الجديدة هو أنّ الهدف من أي عمل اجتماعي تجاه الأفراد الذين ينتهكون القانون يجب أن يعالجهم وليس معاقبتهم.

عناصر علم الجريمة

يتميز علم الجريمة الوضعي بثلاثة عناصر رئيسية وهي:

  • البحث عن أسباب الجريمة سواء كانت بيولوجية أو نفسية أو اجتماعية.
  • استخدام المنهج العلمي لاختبار النظريات مقابل ملاحظات العالم.
  • رفض العقوبة كرد على السلوك المخالف للقانون أو المنحرف واستبداله بعلاج يعتمد على النموذج الطبي (إعادة التأهيل)، والوضعية ترفض الإرادة الحرة وتستبدلها بالحتمية العلمية، وأخيرًا يرفض التركيز على القانون الجنائي ويستبدله بدراسة الفرد.

الطريقة العلمية

تعتبر الطريقة العلمية مهمة للوضعية وللنظريات البيولوجية للجريمة؛ لأنّها توفر طريقة منهجية لفحص مشكلة أو قضية معينة، بدلاً من الاعتماد على التفسيرات الروحية أو الصوفية أو التخمين العشوائي، ويعود الفضل في تطوير المنهج العلمي الحديث في المقام الأول إلى ابن الهيثم للأعوام من 965 إلى 1039، وهو عالم عراقي المولد كتب كتاب البصريات بين عامي 1011 و 1021، ويتكون من الخطوات السبع التالية:

1- الملاحظة: الفحص البصري لمشكلة أو قضية مع ملاحظة الخصائص والأنماط.

2- بيان المشكلة: وصف شفهي للمشكلة أو القضية مع الإشارة إلى كيفية تأثيرها وارتباطها بأحداث أو عوامل أخرى، وشرح سبب وكيفية كون المشكلة أو المشكلة مشكلة.

3- صياغة الفرضيات: تطوير التفسيرات أو الحلول المحتملة والبيانات المثقفة والمستنيرة حول الطبيعة المتوقعة للمشكلة والعلاقات بين المكونات المختلفة للمشكلة، وتحديد المتغيرات التي تنطوي عليها المشكلة بحيث يمكن اختبار التفسير المحتمل.

4- اختبار الفرضيات باستخدام التجربة المضبوطة: التلاعب المتحكم في المتغيرات لتحديد ما إذا كانت الفرضيات مدعومة أم لا.

5- تحليلات النتائج التجريبية: هذا عادة ما ينطوي على فحص الإحصائيات.

6- تفسير البيانات التي تم الحصول عليها من الاختبارات والتحليلات وصياغة الاستنتاج: مع مراعاة جميع العوامل ويتوصل الباحث إلى استنتاج حول طبيعة المشكلة أو القضية.

7- إشهار أو نشر النتائج لإعلام السكان المهتمين والبحث المستقبلي: توفير المعلومات للمجتمع العلمي حول النتائج الخاصة بك لمساعدة الباحثين في المستقبل أو لإبلاغ السياسات والممارسات.

على الرغم من استخدام بعض الاختلاف في المنهج العلمي منذ العصور القديمة لتقييم وحل العديد من المشكلات، إلّا أنّ استخدامه لشرح المشكلات الاجتماعية مثل الجريمة والإجرام تم تطويره مؤخرًا، وكانت الأنواع المبكرة من النظريات البيولوجية للجريمة من بين الجهود الأولى، وبالنظر إلى استخدام المنهج العلمي في العلوم الصلبة أو الطبيعية، حاول الباحثون الأوائل لأسباب الجريمة شرح السلوكيات الإجرامية من خلال تطبيق المنهج العلمي، وكان المكان الأكثر وضوحًا للبحث عن الاختلافات بين المجرمين والأفراد الآخرين هو الخارج من خلال دراسة السمات الجسدية.


شارك المقالة: