علم الجريمة ونظريات السمات الفيزيائية

اقرأ في هذا المقال


إنّ الاعتقاد بأنّه يمكن للفرد تحديد شخصية الشخص أو التصرف الأخلاقي أو السلوك من خلال ملاحظة خصائصه الجسدية هو اعتقاد قديم، فعالم رياضيات فيثاغورس والفيلسوف عاش خلال الفترة حوالي 500 قبل الميلاد وربما كان من أوائل الذين دافعوا عن هذه الممارسة والمعروفة باسم علم الفراسة.

علم الفراسة

يأتي مصطلح علم الفراسة من الكلمات اليونانية (physis) والتي تعني الطبيعة و (gnomon) والتي تعني الحكم أو التفسير، ويشير إلى تقييم شخصية الشخص من خلال فحص المظهر الخارجي لذلك الشخص، وركز علم الفراسة المبكر على خصائص الوجه التي يمكن من خلالها الحكم على طبيعة الشخص، وكان أرسطو الفيلسوف اليوناني الذي عاش من 384 إلى 322 قبل الميلاد من دعاة علم الفراسة مثله مثل العديد من الإغريق القدماء، وازدهرت هذه الممارسة في العديد من مناطق العالم وتم تدريسها في الجامعات في جميع أنحاء إنجلترا حتى حظرها هنري الثامن في عام 1531.

نظريات السمات الفيزيائية

نظرية جيامباتيستا ديلا بورتا

أعاد نشر الباحث الإيطالي جيامباتيستا ديلا بورتا 1535–1615 كتابه في علم الفراسة عام 1586 التركيز مجددًا على اعتقاد وممارسة الإغريق القدماء، وقام ديلا بورتا الذي يعتبر غالبًا أول عالم إجرام بفحص المرضى أثناء ممارسته الطبية وخلص إلى أنّ المظهر والشخصية مرتبطان، ولقد اقترب من دراسة هذه العلاقة من منظور ميتافيزيقي سحري وروحي بدلاً من منظور علمي وصنف البشر على أساس تشابههم مع الحيوانات، فعلى سبيل المثال الرجال الذين يشبهون الحمير يشبهون الحمير في كسلهم وغبائهم، والرجال الذين يشبهون الخنازير يتصرفون مثل الخنازير.

نظرية يوهان كاسبار لافاتير

كانت أفكار ديلا بورتا مؤثرة للغاية بالنسبة ليوهان كاسبار لافاتير 1741-1801 القس السويسري الذي نشر دراسته التفصيلية الدقيقة لشظايا الوجه في عام 1783، وتوصل إلى أنّه يمكن تحديد السلوك الإجرامي من خلال فحص عين الشخص وأذنيه وأنفه وذقنه وشكل وجهه.

علم فراسة الدماغ

(Phrenology) من الكلمات اليونانية (phren) والتي تعني العقل و (logos) والتي تعني المعرفة، وتستند إلى الاعتقاد بأنّ السلوك البشري نشأ في الدماغ، وكان هذا خروجًا كبيرًا عن المعتقدات السابقة التي ركزت على الفكاهة الأربعة كمصدر للعواطف والسلوكيات وهي:

1- دموي: جالس في الكبد ومرتبط بالشجاعة والحب.

2- كولي (الصفراء): جالس في المرارة ويترافق مع الغضب وسوء المزاج.

3- حزن (الصفراء السوداء): جالس في الطحال ويترافق مع الاكتئاب والحزن والتهيج.

4- بلغم: يجلس في المخ والرئتين ويترافق مع الهدوء وقلة الاستثارة.

يمثل نقل المسؤولية عن السلوك نظريًا وعمليًا من مختلف الأعضاء إلى الدماغ خطوة رئيسية في تطوير الدراسة العلمية للسلوك وفي تطوير التفسيرات البيولوجية للجريمة والإجرام.

أبحاث حديثة عن بنية الدماغ وعلاقته بالجريمة

في حين أنّ النظريات البيولوجية السابقة كانت تعتبر الدماغ عضوًا له مناطق مختلفة من الوظائف المتخصصة، فإنّ النظريات الحديثة تدرك أنّ الدماغ كائن حي معقد، وترتبط بعض مناطق الدماغ بوظائف محددة (على سبيل المثال الكلام والرؤية)، ولكن جميع مناطق الدماغ تعمل معًا وتؤثر مشكلة أو حدث في منطقة ما على مناطق أخرى حتمًا، وعلى الرغم من تقدم فهمنا لبنية ووظيفة الدماغ بشكل كبير إلّا أننا ما زلنا نعرف القليل عن العلاقة بين الدماغ والعديد من السلوكيات مثل تلك المتعلقة بالجريمة، بالإضافة إلى ذلك لا نعرف سوى القليل عن كيفية تأثير البيئة على بنية الدماغ ووظيفته.

تشير الدراسات الأولية إلى أنّ أدمغة المجرمين العنيفين وأدمغة الأفراد الآخرين تختلف في التركيب والوظيفة، ولكن العديد من الدراسات اعتمدت على أحجام عينات صغيرة جدًا مما يقلل من تعميم هذه النتائج، وعلاوة على ذلك ابتليت هذه الدراسات أيضًا بأسئلة حول ما إذا كان الدماغ يسبب العنف أو ما إذا كان العنف يؤدي إلى تغييرات في الدماغ، ومع ذلك أدت الأدلة على وجود تشوهات هيكلية أو وظيفية في الدماغ إلى التخفيف من الجرائم الجنائية مثل تقليص تهم القتل العمد إلى القتل غير العمد.

أظهرت الدراسات التي أجريت على نمو الدماغ أنّ التعرض المبكر والمزمن للإجهاد (مثل الإساءة والإهمال والعنف) قد يتسبب في تغيرات فسيولوجية في الدماغ تؤثر على طريقة استجابة الشخص للتوتر، وتنتج أدمغة الإنسان تحت الضغط هرمون الكورتيزول الذي يساعد على إعادة وظائف الجسم إلى طبيعتها بعد حدث مرهق.

ومع ذلك فإنّ التعرض المتكرر للكورتيزول قد يؤدي إلى انخفاض الحساسية لتأثيراته، وإما يساهم في الإجرام أو يساهم في قبول الشخص لكونه ضحية، بالإضافة إلى ذلك يتم دعم هذا البحث من خلال دراسات حول نمو دماغ الأطفال الذين نشأوا في بيئات شديدة الإجهاد (داخل المدينة والمناطق الحضرية والمناطق عالية الجريمة) التي وجدت دوافع محسنة للقتال أو الهروب بين هؤلاء الأطفال.


شارك المقالة: