علاقة علم الجريمة بنظرية الإكراه التفاضلي والدعم الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


هل فكرت يومًا كيف يمكن لبيئة شخص ما أثناء شبابه أن تؤثر على المسار الذي يسلكه في الحياة؟ وكيف تجعلنا التجارب المختلفة التي نواجهها أفرادًا ملتزمين بالقانون أو غير ملتزمين بالقانون؟ تعد نظرية الإكراه التفاضلي هي نظرية في علم الجريمة تشرح العلاقة بين الإكراه واحتمال ارتكاب جريمة، والتي طورها أستاذ علم الاجتماع مارك كولفين، وتستند إلى فكرة أنّ الأحداث الذين يتعرضون لتجارب سلبية في منازلهم وحياتهم الاجتماعية هم أكثر عرضة للنقص في بعض المجالات الاجتماعية والنفسية، كما في دراسة الجريمة والانحراف، حيث صاغ نظرية الدعم الاجتماعي لأول مرة فرانسيس كولين الذي اعتمد على رؤى من العديد من التقاليد النظرية الأخرى، وتتمحور النظرية حول الاقتراح القائل بأنّ الدعم الأدائي والمعلوماتي والعاطفي يقلل من احتمالية ارتكاب الجريمة.

نظرية الإكراه التفاضلي لجي كولفين

في عام 2000 قدم مارك كولفين (Mark Colvin) نظرية متكاملة حولت التركيز من شرح مسببات الجنوح والجريمة إلى تفسير المخالفة المزمنة، وباستخدام مفهوم الإكراه باعتباره البناء النظري المنظم جادل كولفين بأنّ المجرمين المزمنين يعانون من مجموعة متنوعة من الديناميكيات الاجتماعية والنفسية الناتجة عن القوى القسرية المدمرة، حيث بدأ مارك كولفين في عام 2000 بفرضية أنّ الرقابة الاجتماعية لها أبعاد متعددة وهم:

1- البعد الأول هو درجة القسر في كيفية تطبيق الرقابة الاجتماعية، فعلى الرغم من أنّه من المؤكد أن تكون هناك سلسلة متصلة، فقد قدم كولفين تصنيفًا له نتيجتين وهم: غير قسري وقسري.

2- البعد الثاني هو درجة الاتساق التي يتم بها تطبيق الرقابة الاجتماعية، ومرة أخرى قدم كولفين نتيجتين محتملتين لهذا البعد وهم: متسق أو منتظم وغير متسق أو غير منتظم، وبدمج عناصر الإكراه والاتساق في تطبيق الرقابة الاجتماعية أنشأ مارك كولفين مصفوفة 2 × 2 مع أربع نتائج محتملة، حيث يتم تحديد النوع الأول على أنّه تحكم متسق غير قسري، والنوع الثانس يتم تحديده على أنّه تحكم غير قسري خاطئ، ويتم تحديد النوع الثالث على أنّه تحكم قسري متسق، ويتم تحديد النوع الرابع على أنّه تحكم قسري غير منتظم.

جادل مارك كولفين (2000) بأنّ كل نوع من أنواع التحكم له مجموعته الخاصة من النتائج الاجتماعية والنفسية التي تظهر نفسها في اختلافات سلوكية، وتشمل النتائج الاجتماعية والنفسية للنوع الأول (غير قسري وثابت) الغضب المنخفض والكفاءة الذاتية العالية وضبط النفس العالي والموقع الداخلي للسيطرة، وسيظهر الأفراد في النوع الأول أيضًا ميلًا قويًا للتصرف اجتماعيًا واحتمالية منخفضة للسلوك الإجرامي.

أبعاد نظرية الإكراه التفاضلي

بالانتقال إلى النتائج الاجتماعية والنفسية فقد أشار مارك كولفين إلى أنّ هؤلاء الأفراد سيكون لديهم غضب منخفض وكفاءة ذاتية عالية وضبط منخفض للنفس وموقع داخلي للسيطرة، وفيما يتعلق بكيفية ترجمة هذه النتائج إلى سلوكيات تنبأ مارك كولفين بأنّ هؤلاء الأفراد سيكون لديهم ميل لارتكاب جرائم بسيطة غير افتراضية في الشوارع وذوي الياقات البيضاء وميل قوي لاستكشاف الملذات المنحرفة.

الأفراد الذين تم تحديدهم للتوافق مع النتائج الاجتماعية والنفسية من النوع الثالث (قسري ومتسق)، فمن المتوقع أن يمتلكوا غضبًا ذاتيًا عاليًا وكفاءة ذاتية منخفضة وضبطًا صارمًا للذات وموقعًا خارجيًا للسيطرة، وتشمل النتائج السلوكية المرتبطة بهذه الفئة احتمالية منخفضة للسلوك الاجتماعي الإيجابي والاستعداد للمرض العقلي وبعض الاحتمالات للاعتداء الغاضب أو القتل.

أخيرًا النتائج الاجتماعية والنفسية للنوع الرابع (قسري وغير منتظم)، حيث تشمل الغضب الذاتي المرتفع وانخفاض الكفاءة الذاتية وضبط النفس المنخفض والموقع الخارجي للسيطرة، وتوقع مارك كولفين أنّ هؤلاء الأفراد سيكون لديهم ميل لارتكاب جرائم شوارع مفترسة خطيرة واحتمال قوي لارتكاب جرائم مزمنة.

نتائج نظرية الإكراه التفاضلي

باختصار تتنبأ نظرية الإكراه التفاضلي لمارك كولفين في عام 2000 بأنّ الإكراه يؤدي إلى عجز اجتماعي ونفسي يترجم إلى نتائج سلوكية تخريبية باستمرار، ومن المتوقع أن تظهر هذه العلاقات القسرية في مجموعة متنوعة من البيئات بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر المنزل والمدرسة ومكان العمل ومجموعات الأقران والبيروقراطيات الحكومية، ومن المتوقع أيضًا أن يتعرض الأفراد لتراكم الإكراه الذي تم توزيعه من أكثر من بيئة واحدة، ومن المتوقع أن يؤدي تراكم القسر هذا إلى زيادة احتمالية انخراط الفرد في السلوك الإجرامي على مدار حياته.

من حيث أهمية نظرية القسر التفاضلي كنظرية متكاملة يجب تسليط الضوء على أنّ مارك كولفين في عام 2000، قد اعتمد على مفهوم التحكم الاجتماعي وكيف يتم تطبيقه للتنبؤ بالعديد من النتائج الاجتماعية والنفسية ذات السمعة الطيبة الموجودة في النظرية الموجودة، وعند القيام بذلك يتم إنشاء نظرية متكاملة تعتمد على كيف أنّ البنى الاجتماعية المحددة جيدًا وتأثيرها على العمليات الاجتماعية والنفسية تؤدي إلى السلوك المنحرف والإجرامي.

نظرية الدعم الاجتماعي كولين

في عام 1994 طرح فرانسيس توماس كولين (Francis Thomas Cullen) في خطابه الرئاسي لأكاديمية علوم العدالة الجنائية، نظرية ركزت على تأثير الدعم الاجتماعي وتأثيراته على معدلات الإجرام الفردية والجماعية، وعلى عكس النظريات المتكاملة الأكثر تقليدية التي تحدد العوامل المهمة من نظريات مختلفة ثم تدمجها في نظرية واحدة.

كما قدم كولين نظرية متكاملة تحدد موضوعًا مشتركًا متجذرًا في مجموعة متنوعة من النظريات على مستويات مختلفة من التفسير، أي سلط الضوء على أهمية الدعم الاجتماعي وتأثيره في الآثار المترتبة على الجنوح والجريمة، وبذلك قدم 13 اقتراحًا تربط الدعم الاجتماعي إما ضمنيًا أو صريحًا بتفسير الجريمة والانحراف.

نتائج نظرية الدعم الاجتماعي

أولاً على المستوى الكلي تنبأ كولين في عام 1994 بوجود علاقة عكسية بين مستويات الدعم الاجتماعي والجريمة، وذلك في تلك المدن والدول ذات الدعم الاجتماعي الأكبر التي تم تحديدها على أنّها ذات معدلات منخفضة من الجنوح والجريمة، وثانيًا الأفراد الذين يتلقون أو يقدمون مستويات أعلى من الدعم الاجتماعي هم أقل عرضة للانخراط في الانحراف والجريمة، أمّا ثالثًا يُنظَر إلى مستويات أعلى من الدعم الاجتماعي لتقليل تأثير عوامل الخطر الإجرامية الأخرى (أي الإجهاد والتعرض للأقران المنحرفين).

رابعًا والمرتبط به تتوافق المستويات الأعلى من الدعم الاجتماعي مع احتمالية أكبر للكف عن النشاط الإجرامي، بينما خامساً يُنظَر إلى زيادة مستويات الدعم الاجتماعي لتتوافق مع وكالات أكثر فعالية للشرطة والإصلاحيات، وأخيرًا تؤدي المستويات الأعلى من الدعم الاجتماعي إلى تقليل احتمالية الوقوع ضحية.

تعد نظرية كولين في عام 1994 للدعم الاجتماعي محاولة فريدة للتكامل النظري، لأنّ النظرية لا تتضمن العديد من النظريات تحت نظرية عامة، بل بدلاً من ذلك سلط كولين الضوء على كيف يصبح بناء الدعم الاجتماعي هو العملية السببية المركزية ضمن مجموعة متنوعة من النظريات المتنافسة، وباختصار للدعم الاجتماعي تأثير سببي مباشر على الجريمة، وله تأثير سببي مباشر على المتغيرات المرتبطة نظريًا وتجريبيًا بالجريمة (أي السيطرة الاجتماعية والتوتر) وله تأثير تكييفي على المتغيرات المتعلقة بالجريمة.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: