اهتم العلماء في الإمارة الأموية بعلم الطب والأطباء لما له فائدة كبيرة على البشرية، شجعوا الأطباء في دراساتهم وأبحاثهم وقاموا ببناء المستشفيات وتنظيمها وتم تزويد المبنى الكبير الذي تم بناؤه في قرطبة بالمياه الجارية والحمامات، وله أقسام مختلفة لعلاج الأمراض المختلفة، يرأس كل منها أخصائي، كان من الضروري أن تكون المستشفيات مفتوحة (24) ساعة في اليوم للتعامل مع الحالات الطارئة، ولم يكن بإمكانها إبعاد أي مريض.
اهتمام الأندلس بالأطباء
خلال القرن العاشر قدمت الأندلس عددًا كبيرًا من الأطباء المتميزين الذين اسهموا في تطوير علم الطب وعلم الأدوية والتي كان لها اثر كبير في تطوير وتقدم هذا العلم والذي كان له دور كبير في علاج الكثير من الأمراض وتطوير العقاقير، ذهب العديد منهم إلى بغداد، حيث درسوا الأعمال الطبية اليونانية على يد المترجمين المشهورين ثابت بن قرة وثابت بن سنان. وعند عودتهم تم إيواؤهم في مجمع القصور الحكومية في مدينة الزهراء، وأحد هؤلاء الأطباء أحمد بن حران، كان مسؤولاً عن مستوصف يقدم الرعاية الطبية المجانية والطعام للمرضى الفقراء.
إنجازات الأطباء في الأندلس
قدّم الأطباء المسلمون العديد من الإضافات المهمة إلى مجموعة المعارف الطبية التي أخذوها عن العلماء والأطباء اليونانيين، على سبيل المثال اكتشف ابن النفيس الدورة الدموية الصغرى، قبل الطبيب الأنجليزي ويليام هارفي بمئات السنين وبعدها استطاع هارفي اكتشاف الدورة الدموية الكبرى، واستطاع الأطباء اكتشاف عدوى الأمراض وقاموا بطرح أفكار الحجر الصحي للحد والوقاية من الأمراض.
أمّا الطبيب الأندلسي ابن جلجل الذي ولد في قرطبة عام (943)، والذي أصبح طبيباً رائداً في سن (24) حيث بدأ دراساته في الطب وعلم الأدوية في سن ال (14)، وقام بتقديم دراسة على كتاب المقالات الخمسة ويطلق عليه اسم كتاب الحشائش (De Materia Medica of Dioscorides) وأطروحة خاصة عن الأدوية وجدت في الأندلس، في كتابه فئات الأطباء، الذي تم تأليفه بناءً على طلب أحد الأمراء الأمويين، يقدم أيضًا تاريخًا لمهنة الطب من وقت إسكولابيوس حتى يومه، درس الأطباء والعلماء عن استخدام العقاقير، وأوصلوا بالعقاقير فقط إذا لم يستجب المريض للعلاج الغذائي، وقال إنه إذا كان لا بد من استخدامها، فيجب استخدام الأدوية البسيطة.
كان أبو القاسم الزهراوي الطبيب الأندلسي أشهر جراحين العصور الوسطى، كان طبيب بلاط الحكم الثاني، وتم ترجمة عمله العظيم “التصريف” إلى اللاتينية على يد العالم جيرارد الكريموني وأصبح نصًا طبيًا رائدًا في الجامعات الأوروبية في العصور الوسطى المتأخرة، يحتوي القسم الخاص بالجراحة على عدد من الرسوم التوضيحية لأدوات جراحية ذات تصميم أنيق وعملي ودقة كبيرة، ويصف اللثوتريتات والبتر وجراحة العيون والأسنان وعلاج الجروح والكسور.
ولد ابن زهر الأشبيلي المعروف باسم أفينزوار، المتوفى عام (1162)، في إشبيلية واكتسب شهرة واسعة في جميع أنحاء شمال إفريقيا وإسبانيا، وصف الخراجات وأورام المنصف لأول مرة، وأجرى تجارب أصلية في العلاجات، تُرجم أحد أعماله، وهو التيسير، إلى اللاتينية عام (1280) وأصبح عملاً مشهورًا.
ثمرة الاهتمام بالطب كانت دراسة علم النبات، أشهر عالم نبات أندلسي كان ابن بيطار وهو من أشهر العلماء الأندلسيين الذين برزوا في القرون الوسطى، وهو عالم وصيدلاني درس في علوم النبات والعقاقير ويُعتبر الصيدلاني الأول في تكوين الدَّواء، الذي كتب كتابًا شهيرًا بعنوان مجموعة الأدوية البسيطة والطعام، وهي عبارة عن خلاصة وافية مرتبة أبجديًا للنباتات الطبية من جميع الأنواع، ومعظمها يعود أصله إلى إسبانيا وشمال إفريقيا ، وقد أمضى حياته في جمعها.
وقد ذكر ابن بيطار في كتابه أسماء النبات البربرية والعربية وأحيانًا الرومانسية، بحيث يكون لعمله أهمية خاصة بالنسبة للعلماء، في كل مقال، يقدم معلومات حول تحضير الدواء وإدارته والغرض منه وجرعته، كان آخر الأطباء الأندلسيين العظماء ابن الخطيب وكان أيضًا مؤرخًا وشاعرًا ورجل دولة مشهورًا.
من بين أعماله الأخرى، كتب عملاً هامًا عن نظرية العدوى: “حقيقة العدوى تتضح للمحقق الذي يلاحظ كيف يصاب بالمرض من يقيم اتصالاً مع المصاب، بينما من ليس على اتصال يبقى آمنًا، وكيف يتم الانتقال من خلال الملابس والأواني “.
كان ابن الخطيب آخر ممثل للتقليد الطبي الأندلسي وكان عالم وفيلسوف وشاعر وفلكي بعد وفاته بوقت قصير، ضاعت طاقات مسلمي الأندلس بالكامل في الصراع الطويل والمكلف ضد الاسترداد المسيحي.