فتح الأمير عبد الرحمن الداخل سرقسطة

اقرأ في هذا المقال


رغبة الأمير عبد الرحمن الداخل بالانتقام من العباسيين:

على الرغم من هزيمته للعباسيين في إسبانيا، إلا أن عبد الرحمن كان يتوق إلى قتال العباسيين في وطنه في سوريا، لم يكن يريد فقط إنشاء خلافة جديدة لنفسه، بل يريد الانتقام من العباسيين كما دمروا عائلته الأموية.

لكنّ الأمير عبد الرحمن الداخل لم تتاح له الفرصة أبدا حتى آخر عمره، كان منشغلًا في محاولة لجلب بقية إسبانيا المسلمة إلى إمارة قرطبة، كانت الثورات تتوالى في كل الأنحاء، وكان على عبد الرحمن الداخل أن يقاتل من أجل تحرير كل مدينة وتخليصها من الثورات أثناء تقدمه شمالًا.

فتح الأمير عبد الرحمن الداخل سرقسطة:

كانت مدينة سرقسطة في شمال شرق إسبانيا ذات الصعوبة الخاصة كانت سرقسطة مسلمة لكنها كانت تتمتع بحكم شبه ذاتي منذ حكم الفهري، كانت سرقسطة مكافحة فقد قاومت هي والأراضي المحيطة بها الموجودة على شمال نهر إيبرو الاندماج في إمارة قرطبة.

في عام (777) م، كانت مدينة سرقسطة سبب تعقيد الوضع الموجود في إسبانيا من خلال طلب المساعدة من ملك الفرنجة تشارلز الأول، المعروف في التاريخ باسم شارلمان (768-814 م) لم يكن شارلمان يقود قوة صغيرة فحسب، بل جيشه بأكمله عبر جبال البيرينيه وإلى إسبانيا.

كانت مدينة برشلونة الإسلامية قد عقدت اتفاق مع شارلمان ملك الفرنجة، لكن مدينة سرقسطة، المدينة نفسها التي قامت بدعوة ملك الفرنجة شارلمان في المقام الأول، كانت قد تدراكت الأمر أنه بمجرد أن يوطئ شارلمان ملك الفرنجة على أراضيهم، أنّه لن يخرج منها بسهولة وسيقوم بفعل كل شيء من أجل السيطرة على سرقسطة وعلى المدن الموجودة حولها.

بعدما رأى شارلمان أن مدينة سرقسطة لم تقبل بأمر الاتفاق معه، قام بالتراجع عبر ممر رونسفاليس وذلك في عام (779)م، ولكن تم ذبح حارسه الخلفي في كمين نصبه الباسك المحليون، كانت رونسفاليس هي الهزيمة الوحيدة في مسيرة شارلمان العسكرية الطويلة.

مع رحيل شارلمان في ذلك الوقت، ظلت مدينة سرقسطة مثل شوكة تقف إلى جانب عبد الرحمن، حصل عبد الرحمن على المدينة وأصبحت تحت سيطرته الخاصة وذلك من خلال اتفاقه مع أحد الشخصيات المحلية البارزة من أجل القيام بقتل زعيم سرقسطة، بالمقابل سيقوم عبد الرحمن الداخل يإعطائه منصب حاكم مدينة سرقسطة.

عندما بدأ هذا الحاكم الجديد يكتسب طعم الاستقلال، كان لدى عبد الرحمن القوة العسكرية للهجوم المباشر هذه المرة، في عام (783)م، سقطت مدينة سرقسطة أخيرا في أيدي الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل، أخيرًا، أصبحت كل الأراضي الإسبانية المسلمة تابعة للأمير الأموي عبد الرحمن الداخل.

كيف حكم الأمير عبد الرحمن الداخل؟

بالإضافة إلى تأسيس إمارة قرطبة، كان الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل خليفة يحكم بضمير، كما قام بإصلاح وبناء الطرق والجسور والقنوات في العاصمة الأموية قرطبة وبقية المدن الإسبانية التي تحت حكمه، وقام بتأسيس بيروقراطية مركزية كانت تقوم على الجدارة لإدارة الإمارة.

من أجل إقامة سيطرة أموية دائمة على شبه الجزيرة بشكل أفضل، أسس جهاز استخبارات وجيشًا دائمًا، كما واصل عبد الرحمن ممارسة أجداده للتسامح الديني، اجتمعت كل هذه العناصر لتخلق أساسًا قويًا للازدهار الأموي في المستقبل، وهو ما يفسر جزئيًا طول عمر الأسرة الأموية في إسبانيا، والتي استمرت حتى عام (1031)م.

ربما لم يكن هناك إرث كبير للأمير الأموي عبد الرحمن الداخل، ولكن مسجد قرطبة الكبير، الذي تأسس في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، والذي جمع عناصر من الثقافة الإسبانية حتى ذلك الحين.

تم بناء مسجد قرطبة في موقع كنيسة القوط الغربيين القديمة، إنه اندماج فريد بين طراز المساجد في دمشق، مسقط رأس عبد الرحمن، وعناصر من البازيليكا المسيحية، كما تم استخدام حجارة وطوب من مباني العصر القوطي ومن العصر الروماني للأعمدة ولوازم البناء.

على الرغم من توسيع هذا المسجد من قبل خلفاء عبد الرحمن، إلا أن جوهر المسجد، بما في ذلك الخطوط الحمراء المميزة وأقواس حدوة الحصان، كانت في المساهمة الأصلية لعبد الرحمن.

وفاة الأمير عبد الرحمن الداخل:

عندما توفي الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل حوالي عام (789)م، انتقلت إمارة قرطبة إلى ابنه الخليفة الأموي هشام الأول الذي حكم من (788-796 م)، في حين أنه لم ينجح بالقيام بالانتقام من الذي قاموا بقتل إخوانه، فإنّ البقاء على قيد الحياة من أجل تأسيس إمارة إسلامية مستقلة منفصلة عن الخلافة العباسية لم يكن عملاً عاديًا.


شارك المقالة: