فتوحات زهير بن قيس في أفريقيا:
كان زهير بن قيس يقيم في برقة، وكانت جالية المسلمين قد تركت خطوط العدو في القيروان، حتى وإن كانت قد نالت الأمان فإنها معرضة للغدر في أي وقت تحت حكم العدو، وكانت هذه الأحوال عندما تم ذكر زهير وجنده عند الخليفة عبد الملك بن مروان، وكان حينها منشغلاً جداً في حربه مع ابن الزبير وغيره، وعلى الرغم من جميع مشاغل عبد الملك وحاجته لتوفير كل الوقت والجهد حتى ينهي الحرب الداخلية، ألا أنه لم يدخر وسعاً حتى ينقذ المسلمين وإظهار قوة الدولة الأموية أمام العدو.
وفي عام 69هـ في وفي ذروة الأزمة وعندما كان عبد الملك بن مروان يستعد للخروج إلى العراق، جهز جيشاً عظيماً وأرسسله إلى قيس بن زهير في أفريقيا، وبهذا بدأ عبد الملك بمحاربة الروم ومن يحالفهم، وهذه الأفعال تشهد له بقوة العزيمة وقوة الإيمان بالله تعالى، ورغبته في الجهاد وحرصه على الدولة والمسلمين، تقدم زهير بن قيس لفتح أفريقيا، وكان من خيرة المسلمين؛ إذ كان عابداً زاهداً، ومن كبار القادة مع عقبة بن نافع، ونذر نفسه للجهاد ابتغاء مرضاة الله تعالى.
وعندما وصل زهير بن قيس إلى القيروان، وجد أن كسيلة زعيم البربر الذي كان يخدم البيزنطيين قد خرج منها؛ خوفاً من أن يتم محاصرته فيها، وأن يثور عليه من فيها من المسلمين، وفرَّ إلى الجبال حتى يحتمي بها ويلجأ إليها إذا هُزم، وكان معه الكثير من البربر والروم التابعين له، وكان جاهزاً حتى يقاتل المسلمين.
فالتقى الجيشان واشتد القتال بينهم، وكان القتلى الأفريقيون كثيرون، وانهزم كسيلة وقُتل هو ومن معه، وكان نصر المسلمين عظيم، وتبع المسلمون من فرَّ من الروم والبربر وقتلوا كل من لحقوا به، وفي هذه الوقعة عادت القيروان إلى زهير وخرج منها البربر والروم.
وعندما علم الروم أن زهير بن قيس سار من برقة إلى القيروان، انتهزوا الفرصة وأرسلوا أسطولهم بقوة هائلة، وبذلك قطعوا المواصلات عن زهير وجيشه، وكان حينها قد قرر زهير أن يعود إلى مصر فترك جزءاً من الجيش وذهب بالجزء الآخر، ولم يعلم بما حدث في برقة إلا عندما كان في الطريق، ولم ينتظر الإمدادات أو أن يقوم بأي تجهيزات وبادر لإنقذ المسلمين، وهاجم الروم ومعه قوة قليلة وكان الروم قد جهزوا له كميناً، فحاوطه الرومك وقتلوه بالرغم من قتاله بشجاعة.
وبلغ خبر مقتله إلى عبد الملك بن مروان وحزن حزناً كبيراً، ولكنه لم يستطع القيام بأي حركة؛ بسبب انشغاله الدائم بالفتن الداخلية والخارجين عليه، وكانت جميع قواه مشغولة بالمعارك، فكان مضطراً لانتظار انتهاء الفتن التي أمامه، حتى يستطيع إكمال جهاده ضد كل عدو معتدي.