فكرة القانون الطبيعي واستخدامها لمعرفة المجتمع في التطور الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


إن قوانين العلم هي انعكاس دقيق إلى درجة معينة للقوانين التي يتسم بها العالم الموضوعي نفسه، ومن الممكن تحديد الصفات العامة لكل قانون من قوانين العلم بإيجاز كما في هذا المقال.

فكرة القانون الطبيعي واستخدامها لمعرفة المجتمع في التطور الاجتماعي

أولاً فهو يعكس الرابطة الجوهرية بين الظواهر، هناك في الحياة روابط كثيرة لا حصر لها ولا عد، فبعضها عميق وداخلي وبعضها سطحي وخارجي، فلأجل الكشف عن القانون لا بدّ من التغلغل إلى جوهر الظواهر، ومن وراء الروابط الثانوية وغير الجوهرية لا بدّ من الكشف عن الروابط الأساسية والجوهرية، حيث أشار فلاديمير لينين إلى أن القانون هو علاقة الجواهر أو بين الجواهر.

ثانياً يعبر القانون ليس عن رابطة منفردة، إنما عن رابطة عامة، وقال فريدريك إنجلز في مؤلفه ديالكتيك الطبيعة أن القانون هو شكل للعمومية في الطبيعة، وحينما نعرفه فأننا نكتشف العام في المفرد والخاص.

ثالثاً يعبر القانون عن الرابطة الحتمية، أي تلك الرابطة التي تسفر عن طبيعة الظواهر المعينة، فلكي نكتشف عن القانون لا بدّ من أن ننصرف عن الروابط العرضية، وعلينا أن نكشف عن القانون لا بدّ من أن ننصرف عن الروابط العرضية، وعلينا أن نكشف عن الرابطة الحتمية الداخلية التي يخضع لها تطور الظواهر، وذلك من وراء الفوضى التي تبدو لنا للظواهر السطحية والعديدة.

وأخيراً، فإن خاصية القانون الرابعة هي أنه يعبر عن الرابطة الثابتة والدائمية للظواهر، فإن العالم الموضوعي، أي الطبيعة والمجتمع الذي يحيط بالإنسان يتغير باستمرار، حيث أنه ومع ذلك فإن الروابط المعينة والدائمية والثابتة نسبياً تظل تحتفظ بقواها بين الظواهر، لقد أشار فلاديمير لينين في دفاتره الفلسفية أن القانون هو الشيء الراسخ والباقي في الظاهرة.

ومن الطبيعي أننا لا نستطيع أننا لا نستطيع القول أن هذه الروابط لا تتغير مطلقاً، فالذي يتغير ليس الظواهر فحسب، إنما القوانين نفسها كذلك، إن جميع القوانين عدا تلك القوانين العامة التي تفعل مفعولها في العالم كله، هي قوانين تاريخية، ﻷنها لا تفعل مفعولها سوى في ظروف معينة، نذكر مثلاً أن قوانين تطور الحياة لم تشرع بأن تفعل مفعولها إلا بعد ظهور الحياة، أي في مرحلة معينة من مراحل تطور العالم المادي.

كانت فكرة القانون قد تمت صياغتها في البداية في العلوم الطبيعية، ورغم أنه لم يكن من النادر أن تفسر تفسيراً ميتافيزيقياً، وقد جرى من استخدامها لمعرفة الطبيعة.

كان الفلاسفة والمؤرخون يستعملون مفهوم القانون الطبيعي على نطاق واسع، ولم يكن من النادر انذاك أن يجمعوا بينه وبين التفسير الذاتي للقوانين، باعتبارها قوانين وضعها الناس أنفسهم، حيث أن عديداً من الفلاسفة والاقتصاديين اخذوا يكسبون هذا المفهوم مغزى آخر، فهم يحاولون تطبيق فكرة ادراك قوانين الظواهر، التي لا تتوقف على ارادة الإنسان، على الحياة الاجتماعية.

نظرة علماء الاجتماع لقوانين الطبيعية في التطور الاجتماعي

نذكر على سبيل المثال أن بعض علماء الاجتماع الذين أسسوا الاقتصاد السياسي الانجليزي الكلاسيكي، حيث يروا أن القوانين الطبيعية جبارة إلى درجة أن قوانين الحياة الاجتماعية لا تستطيع أن تواجهها، ولذا فإنه لا جدوى ولا فائدة من مجابهة قوانين الحياة الاجتماعية لقوانين الطبيعة، وحينما تطرقوا إلى تأثير الحكومات على الحياة الاقتصادية أكدوا أنه لا بدّ من أن تتخذ الحكومات مواقف في السياسة والاقتصاد تشبه تلك المواقف التي يتخذها الأطباء العقلاء، فالأطباء العقلاء لا يتخمنون المريض بادوية كثيرة جداً، إنما هم على الارجح، يدركون ويراعون عمليات الطبيعة ولا يعارضونها بأفعال اجبارية يقومون بها.

وعلى هذا النمط كان يفكر الفيزيوقراطيون الاقتصاديون الفرنسيون، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، فقد كان بعض العلماء مثلاً، يميز بين قوانين الإدارة التي تسنها السلطة العليا، وقوانين الطبيعة التي هي في رأيه، ليست من وضع الإنسان، إنما من صنع خالق الطبيعة، أي الله الذي خلقها مرة وإلى الأبد، فالناس الذين يتوحدون في المجتمع يخضعون لنظام فرضته عليهم القوانين الطبيعية، فالقوانين تنظم عمليات الطبيعة وعمل الإنسان، وذلك العمل الذي ينبغي أن يساعد مع قوى الطبيعة على إعادة انتاج الخيرات الضرورية للناس.

نجد أن الجوانب القوية والضعيفة التي يتميز بها الفيزيوقراطيون، فقد كانوا على حق تماماً حينما وضعوا على طرفي نقيض النظام الطبيعي للأشياء وتصرفات الناس الذاتية وأكدوا أن القوانين الطبيعية تتسم بصفة موضوعية، حيث أنهم كانوا يعتبرون أن هذه القوانين غير تاريخية، ولهذا فقد ابدوا ضيقاً معيناً في تفكيرهم، فقد اعتبر هؤلاء الاقتصاديون أن قوانين الرأسمالية هي قوانين أبدية وجعلوها تحتوي التشكيلات كلها، رغم أنها قوانين تاريخية.


شارك المقالة: