يعتبر الاهتمام بموضوع الشيخوخة قديم جداً، حيث أخذ من اهتمام الإنسان الكثير حتى في أقدم العصور سواء من ناحية محاولة معرفة الأسباب المؤدية إلى الشيخوخة أو من ناحية المواقف والتعامل مع المسنين، إلا أن الاهتمام بالدراسة العلمية لظاهرة الشيخوخة تعد جداً حديثة.
كيفية تطور علم الشيخوخة
على الرغم من أن مصطلح علم الشيخوخة قد تمّ في عام 1903م على يد عالم بيولوجيا إلا أن موضوع الشيخوخة لم يأخذ وضعه كتخصص علمي إلا في عام 1940م، عندما بدأت أعداد المسنين تزيد بشكل ملحوظ، وعندما بدأت مشكلاتهم تتفاقم مما أدى إلى الحاجة إلى البحوث التي تعين على وضع حلول لهذه المشكلات.
خاصة وأن هناك عوامل اجتماعية جديدة ومتغيرات مجتمعية حادة، أصابت كثيراً من النظم الاجتماعية خاصة النظام الأسري والمؤسسة الدينية، فالأسرة في هذه المجتمعات تعرضت لتغيرات جذرية أثرت في وظائف مؤسساتها الاجتماعية، مما جعلها عاجزة في كثير من الأحيان عن أداء التزاماتها نحو المسنين بصفة خاصة، كل ذلك أدى إلى تدخل المجتمع بجميع مؤسساته الرسمية وغير الرسمية من أجل مواجهة هذه المشكلات.
لقد بدأت أولاً البحوث في مجال البيولوجيا، تبعتها بعد ذلك البحوث النفسية، تلتها بعد ذلك البحوث في المجالات الاجتماعية على يد علماء اجتماع واقتصاد وعلوم سياسية وعلم النفس الاجتماعي والأنثروبولوجيا الثقافية والتي انضوت فيما بعد تحت مسمى علم الشيخوخة الاجتماعي.
ويعد عالم الإحصاء كوتليت من أوائل الرواد في علم الشيخوخة، حيث حاول دراسة العلاقة بين العمر والإنتاجية في كل من إنجلترا وفرنسا، والتي نشرت في عام 1835م، وتعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها لما تضمنته من أبعاد جديدة في موضوع الشيخوخة، وفي عام 1884م نشر جالتون دراسته عن العلاقة بين التقدم في العمر من ناحية، والتغير في الإبصار وسرعة الاستجابة من ناحية أخرى، وقد أكدت دراسة جالتون أن بعض القدرات والحواس تتأثر بالتقدم في العمر.
وفي بداية القرن التاسع عشر أجريت مجموعة من الدراسات منها ثلاث دراسات على قدر كبير من الأهمية هي، دراسة منيوت عن مشكلات المسنين النمو والموت، ودراسة إيلي ميتشنيكوف عن التعمير، ودراسة بيولوجيا الموت.
وفي نهاية عام 1930م تطورت الدراسات البيولوجية حيث بدأت الدراسات تركز على التغيرات التي تطرأ على الخلايا نتيجة للتقدم في العمر، والعوامل والأسباب التي تؤدي لمثل هذه التغيرات، كما أعطى تأسيس جمعية الشيخوخة زخماً قوياً للبحوث في مجال الشيخوخة، وهذه المرحلة لن تقف عند الجوانب البيولوجية للشيخوخة حيث بدأ الاهتمام ينصب على الجوانب النفسية، وخاصة المشروع الضخم الذي تولى الإشراف عليه ولتر ميلير.
كما شهدت هذه المرحلة تطوراً ملحوظاً في دراسة الجوانب الاجتماعية للشيخوخة من هذه الدراسات دراسة اتجاهات وتكيف المسنين في ريف أيوا بوساطة لانديز في عام 1940م، ودراسة سيمون دور المسنين في المجتمعات البدائية في عام 1945م.
الجمعيات العلمية التي اهتمت بموضوع الشيخوخة
لقد أدى الاهتمام المتزايد بموضوع الشيخوخة إلى ظهور العديد من الجمعيات العلمية، التي ركزت على موضوع الشيخوخة كقضية علمية، ففي عام 1944م أنشئت في كندا وحدة مستقلة لدراسات الشيخوخة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية أنشئت الجمعية الأمريكية للشيخوخة عام 1945م، وبعد عام من إنشائها أصدرت هذه الجمعية أول مجلة علمية تعني بالقضايا المرتبطة بالشيخوخة، وفي عام 1950م اتسعت دائرة الاهتمام بموضوع الشيخوخة.
حيث تم إنشاء أول جمعية دولية، كما تأسست عدة جمعيات علمية للشيخوخة، ففي اليونان أنشئت جمعية للشيخوخة في عام 1953م، وفي تشيلي أنشئت جمعية الشيخوخة في عام 1961م، وتعددت الجمعيات في دول أخرى كثيرة كما زادت عدد الجمعيات الدولية على عشرة جمعيات بنهاية عام 2000م.
كما زادت المجلات العلمية إلى 35 مجلة علمية متخصصة في مجال كما أخذ الاهتمام بموضوع الشيخوخة بعداً آخر تمثل في تأسيس أعدادً كبيرة من الجمعيات الخيرية والتطوعية، التي ركزت على تقديم الخدمات المختلفة للمسنين ومساعدتهم في حل المشكلات التي تواجه المسنين وأسرهم، ويمكن رصد الآلاف من هذه الجمعيات من خلال تصفح مواقع هذه الجمعيات على الإنترنت.
وقد ساهم بشكل فعال في تطور علم الشيخوخة ما أقدمت عليه بعض الجامعات من تدريس بعض المقررات في علم الشيخوخة، حيث تجاوزت أعداد الجامعات التي تدرس مقررات في علم الشيخوخة 2000 جامعة وكلية، ما تطور بشكل سريع من ناحية أخرى حيث بدأت العديد من الجامعات بتأسيس أقسام خاصة بعلم الشيخوخة.