كيفية قيام الدولة على أساس العقد الاجتماعي في علم الاجتماع السياسي:
1- نظرية العقد الاجتماعي عند توماس هوبز:
إن تخمن هوبز للشخص أنه ليس اجتماعياً كما رأى أرسطو، بل أنه يعمل مدفوعاً بمصلحته المنفردة التي تعبر عن أنانيته، وبذلك فإن حياة المواطنين في حالة الفطرة، كانت في ضمن العنف والتنازع بين المواطنين، وفي جو من القهر والشقاء والتعرض لمخاطر التحكم القوي على الضعيف، مما أدى إلى انعدام الأمن والاستقرار وضياع الحرية، نتيجة لحرب الكل ضد الكل، فكان مقدار ما يتمتع به الفرد من حقوق مساوٍ لما يملك من قوة.
لذلك فعندما أراد الأشخاص المغادرة من هذه الحياة، والهجرة إلى حياة يسودها الأمن والطمأنينية، اتفقوا على إبرام العقد الذي يمكنهم من العيش بسلام، ويرى هوبز أن العقد قد تم بين الأشخاص، ولم يكن القائد طرفاً فيه، حيث اتفقوا فيما بينهم على التعايش مع بعضهم البعض بمودة تحت تحكم واحد منهم، يتولى الدفاع عنهم وحماية الحياة المنظمة الجديدة، مقابل أن يتنازلوا عن حقهم الطبيعي التي كانوا يتنعمون بها.
وإذا ما وضحنا ما ذهب إليه هوبز تفسيراً موضوعياً، نرى بأن الفكرة التي جاء بها لتوضيح تكوين الدولة، هي فكرة ليست ديمقراطية، بل هي تعبر عن الديكتاتورية بصورة صريحة، حيث يرى هوبز، أن القائد لم يكن جانباً في العقد؛ ﻷنه قبل وجود الدولة كانت توجد الجماعة أو مجموعة الأشخاص دون القائد، أما بعد بداية الدولة، فلن يكون هناك إلا القائد؛ ﻷن الجماعة تنقسم بمجرد نهضت الدولة، وقد أطلق على القائد صفة “اللوفثان”، الذي ينبغي أن يكون متيناً وأن يكون الوحيد الذي تستجيب لأوامره وتطاع دون تدخل الأشخاص المحكومين.
2- نظرية العقد الاجتماعي عند جون لوك:
يوافق لوك مع هوبز في تكوين المجتمع السياسي الدولة، على توفر عقد اجتماعي رحل به المواطنين من حياة النشوء إلى الحياة الجماعية، لكنه لا ينظر أن حالة الفطرة هي حالة اضطراب وحرب كما يدعي هوبز، بل أن الحياة في هذه الحالة تجري على أصول القانون الطبيعي الذي يجبر المواطنين، بحكم كونهم أحرار متساوين، أن لا يعتدي أحدهم على الآخر في أي حق من حقوقه، ويذهب إلى أنه توجد جماعة طبيعية بين الأفراد تسبق الجماعة السياسية، تخضع لنواميس الطبيعة ولا تخضع لرئيس يحكمها.
إلا أن الأفراد رغبوا في التحول إلى حالة أفضل، فأنشأوا الجماعة السياسية الدولة، سالكين في ذلك طريق التعاقد فيما بينهم لإقامة سلطة تحكمهم وتقيم العدل بينهم، أما الحاكم فيكون طرفاً في العقد، ويلتزم نحو الأفراد بالتزامات معينة، كما أن الأفراد لا يتنازلون عن كل حقوقهم وإنما عن القدر اللازم لإقامة السلطة والمحافظة على حقوق الجميع، وبذلك يتم التعاقد بين الطرفين بالرضاء ودون إجبار أو إكراه، مدفوعين في ذلك بالرغبة في المحافظة على حياتهم والتمتع بحقوقهم.
3- نظرية العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو:
إن كان روسو قد توافق مع هوبز ولوك في أن المواطنين يرحلون من حياة حالة الفطرة إلى حياة الجماعة المخططة من خلال التعاقد، إلا أنه لم يتوافق معهما في تصوره لحقيقة هذا التعاقد، حيث أراد أن يتخذ موقفاً وسطاً بين أفكار هوبز ولوك، بأن يلائم بين السلطة المطلقة للقائد، وبين الحق المطلق للمواطنين، ورغم أن الحياة في حالة الفطرة الأولى كانت نموذجية، تنعم فيها الشخص بالاستقرار والهدوء والطمأنينة إلا أن الكائن البشري كان دائماً وما زال يناشد بالتنظيم والاستقرار بشكل أكبر.
لذلك ترك عن طريق التعاقد عن بعض حقوقه الطبيعية وذلك من أجل الحصول على حقوق أخرى مدنية، وذلك بمحض إرادته في إطار الإرادة العامة، التي تعد أصل مبدأ السيادة والسلطة للمواطنين ذاتهم وليس للقائد، وإن كان دور القائد يتلخص في توفير خدمة للمواطنين وتحقيق السيادة، فإن أشخاص الشعب هم أصحاب السلطة السياسية أو الدولة، وبما أن الإنسان هو جزء من الجمهور، فإن طاعة أوامر المواطنين هي في حد ذاتها طاعة لأوامر ذاته.
أما لموضوع أطراف العقد الاجتماعي، فمن وجهة نظر روسو أن هذا العقد لم يتم بين المواطنين فيما بينهم، فيقوم كل منهم بالالتزام في مقابلة الآخرين كما ذهب إلى ذلك هوبز، وهو أيضاً لم يتم بين المواطنين من جهة والقائد من جهة أخرى كما ذهب إلى ذلك لوك، بل أن هذا العقد قد أبرم بين المواطنين ذاتهم ولكن بصفتين، الأولى كونهم مواطنين مستقلين ومنفردين كل منهم عن الآخر، والثانية كونهم أعضاء متوافقين يتبدى من مجموعهم الشخص الجماعي العام.